الرئيسية / دراسات وتقارير / تقرير: “الفشقة”.. أرض نزاع بين السودان وإثيوبيا تنتظر الاستقرار

تقرير: “الفشقة”.. أرض نزاع بين السودان وإثيوبيا تنتظر الاستقرار

الشرق اليوم- كلما ترددت عبارة “نزاع حدودي” في السودان، تبادرت إلى أذهان المراقبين منطقة “الفشقة” المتاخمة للحدود الإثيوبية، إنها الأرض التي يصرّ كلا الجانبين الاحتفاظ بها، أو خوض حرب من أجلها.

وأخيراً، باتت هذه البقعة الجغرافية نقطة ساخنة على الخريطة السودانية – الإثيوبية، فالثلاثاء الماضي، أكد السودان أنه لن يتنازل عن أراضيه في “الفشقة”.

وأعلنت الخرطوم على لسان عضو “مجلس السيادة” ياسر العطا الذي قال صراحة: “لا نريد خوض الحرب، ولكن لو فرضت علينا سننتصر، لأننا أصحاب حق”.

وفي 8 أبريل/ نيسان الجاري، توعد قائد اللواء الخامس وليد السجان إثيوبيا بـ “رد حاسم” تجاه أي محاولة لزعزعة الأوضاع بمنطقة “الفشقة” الحدودية بين البلدين.

في المقابل، تطالب إثيوبيا السودان بالانسحاب إلى حدود قبل 6 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وتتهمه بالسيطرة على معسكرات داخل الأراضي الإثيوبية، وهو ما تنفيه الخرطوم.

أرض نزاع خصبة

تقسم منطقة النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا إلى 3 مناطق: “الفشقة الكبرى” و”الفشقة الصغرى” و”المنطقة الجنوبية”.

وهكذا، تبدو “الفشقة” أرض نزاع خصبة بين الدولتين الجارتين، والتي يشبّهها سكان المنطقة بـ “الجزيرة” لوجودها بين ثلاثة أنهر، هي نهر ستيت شمالاً، ونهر عطبرة غرباً، ونهر باسلام جنوبا وشرقاً.

وذلك جعلها في فترات الخريف تعاني من انقطاع عن بقية أجزاء السودان بسبب وعورة الطرق (فيها والمؤدية إليها) وعدم تعبيدها.

وعقب سيطرة الجيش السوداني عليها، شرع في تشييد الطرق المعبدة وإنشاء المعابر تحسبا للخريف المقبل.

وستيت، هو نهر ينبع من الهضبة الإثيوبي ويسميه الإثيوبيون “تكازي”، ويشكل حدوداً طبيعية بين إثيوبيا وإريتريا قبل أن يتوجه غرباً نحو السودان ويصب في نهر عطبرة، وتسمى المنطقة الممتدة بين التقاء النهرين بـ “الفشقه الكبرى”.

وباسلام، نهر موسمي ينبع من إثيوبيا ويلتقي بنهر عطبرة، وتسمى المنطقة بين النهرين “الفشقة الصغرى”.

وعطبرة، هو آخر رافد للنيل، إذ يسير مسافة 800 كم بين الهضاب الإثيوبية إلى مدينة عطبرة، شمال السودان، حيث يلتقي بنهر النيل الرئيس.

سيطرة الجيش على “الفشقة

عمد الجيش السوداني منذ أواخر العام الماضي إلى فرض سيطرته على أراضي “الفشقة”، وفي 4 ديسمبر/ كانون الأول، دخل الجيش مناطق تسيطر عليها عصابة “الشفتة” الإثيوبية، للمرة الأولى منذ ربع قرن.

فرض الجيش السوداني سيطرته على منطقة تكراي وعلى معسكر خور يابس داخل “الفشقة الصغرى”، قبالة بركة نورين، كما أعلن في 5 ديسمبر، استرداد مساحات زراعية في “الفشقة” التابعة لمنطقة القريشة على الشريط الحدودي المحاذي لإثيوبيا.

ونشر السودان قوات إضافية فور اندلاع الحرب بين الحكومة الإثيوپية وجبهة تحرير تيغراي في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني، لمنع تسلل عناصر مسلحة لأراضيه، في وقت سمح لأكثر من 71 ألف لاجئ عبور الحدود.

وواصلت القوات الحكومية السودانية تقدمها في الخطوط الأمامية داخل “الفشقة” لإعادة الأراضي المغتصبة والتمركز في الخطوط الدولية، وفقاً لاتفاقيات العام 1902، بحسب وكالة الأنباء الرسمية.

وفي 19 ديسمبر الماضي، أعلن السودان إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة إلى الحدود مع إثيوبيا، لـ “استعادة أراضيه المغتصبة من ميليشيا إثيوبية” في “الفشقة”، وفق وكالة الأنباء السودانية “سونا”.

كما أعلن الجيش السوداني، في 29 ديسمبر، استعادته السيطرة على معظم الأراضي السودانية على الحدود مع إثيوبيا، وقال نائب رئيس هيئة الأركان خالد عابدين الشامي، إن الجيش استعاد السيطرة على معظم الأراضي التي كانت بيد عصابات “الشفتة” التي خرج منها الجيش عام 1996.

نزاع قديم يتجدد

تاريخ النزاع حول “الفشقة” قديم، يعود إلى خمسينات القرن العشرين، لكنه ظل في حدوده بين المزارعين السودانيين وجيرانهم الإثيوبپين.

وتقدر حجم الأراضي الزراعية المعتدى عليها من جانب الإثيوبيين بنحو مليون فدان في أراضي “الفشقة”، بحسب السلطات السودانية.

وتُعَد ميليشيات “الشفتة” أحد عوامل عدم الاستقرار على الشريط الحدودي، إذ ظهرت في خمسينات القرن الماضي كعصابات صغيرة بغرض النهب، وتحوّلت لاحقاً إلى مليشيات كبيرة ومنظمة وامتلكت أسلحة ثقيلة.

وصارت تشن هجوما على المزارعين السودانيين، ما أدى إلى إفراغ المنطقة، شرق نهر عطبرة، من السكان السودانيين، بحسب الخرطوم.

وتقول قومية “الأمهرا” في إثيوبيا إن تلك المنطقة هي أرض أجدادهم، وإنهم لن يتركوها.

ومنذ نحو 70 سنة، كلما حل الخريف ينتشر المزارعون من “الأمهرا”، بدعم من “الشفتة” داخل الأراضي السودانية، ويزرعون فيها وتحدث احتكاكات ومناوشات.

وخلت جميع القرى السودانية شرق نهر عطبرة جراء هجمات “الشفتة” المتكررة على المزارعين في هذه القرى، بحسب السكان المحليين، منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي.

وشهدت المنطقة حالات اختطاف مواطنين سودانيين مقابل فدية، ومقتل العشرات من عصابات “الشفتة”.

الاتفاقيات والتحولات الحديثة

شهد العام 1995 بداية الوجود الإثيوبي الكثيف بهذه المناطق، حيث دخل الجيش الإثيوبي أراضي السودان عقب فشل محاولة اغتيال الرئيس المصري (الراحل) حسني مبارك في العاصمة أديس أبابا، وانسحب لاحقاً.

هي المحاولة التي اتهمت الخرطوم بارتكابها، ونتج عنها تدهور علاقات الخرطوم مع كلٍ من أديس أبابا والقاهرة.

لكن هذه المناطق، الواقعة شرق نهر عطبرة، استعادها الجيش السوداني في مارس/ آذار 2020 ودخلها للمرة الأولى منذ 25 عاماً.

في 1972، وقع السودان وإثيوبيا اتفاقاً بشأن القضايا الحدودية، وكانت الدول في منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليا) صادقت عام 1963 على عدم تغيير الحدود المرسومة بواسطة الاستعمار، واعتمادها حدودا فاصلة بين الدول المستقلة، وبالتالي أصبح خط “قوين” هو المعترف به دوليا بين السودان وإثيوبيا.

جرى رسم خط “قوين” عام 1902، ضمن اتفاقية أديس أبابا في العام ذاته، خلال فترة الحكم الثنائي (البريطاني-المصري) للسودان، وجرى الترسيم بواسطة الميجر البريطاني تشارلز قوين، فأصبح الخط يُعرف باسمه.

ولا يزال السودان وإثيوبيا يعترفان بكل من اتفاقية 1902 (هارنغتون-منيليك)، وبروتوكول الحدود لسنة 1903.

وتقول الخرطوم إن أجزاء من منطقتي “الفشقة الكبرى” و”الفشقة الصغرى” هي تحت سيادة إثيوبية فعلية، وإن سيادة السودان على المنطقتين معترف بها من أديس أبابا، لكنها معلقة.

وتحاذي إثيوبيا 4 ولايات سودانية، هي القضارف وسنار وكسلا والنيل الأزرق، على مسافة 744 كيلو متر، في حين يمتد شريط الحدود بين ولاية القضارف وإقليمي تيغراي وأمهرا الإثيوبيين، بنحو 265 كيلو متر.

أسباب مغرية

يقول المتخصص في شأن القرن الإفريقي عبد المنعم أبو إدريس، إن النزاع في “الفشقة” هو محل تركيز من إقليم أمهرا، أكثر منه لدى الحكومة الفيدرالية الإثيوبية.

ويشير أبو إدريس، في حديثه للأناضول، إلى أن هناك بعداً آخر للأزمة يكمن في نقص عدد السكان السودانيين في المنطقة الحدودية، بعد نزوح أهاليها إلى المدن الكبرى لعدة أسباب، منها تأجير المزارعين السودانيين أراضيهم لنظرائهم الإثيوبيين.

ويوضح أن “هذا الفراغ السكاني يقابله كثافة سكانية كبيرة على الشريط الإثيوبي، ما يدفع الإثيوبيين إلى التوجه نحو الأراضي الزراعية الخاوية داخل الحدود السودانية”.

ويرى أبو إدريس أن حل النزاع يكمن في وضع العلامات الحدودية ونشر قوات مشتركة بين البلدين، ليس من أجل ضبط النزاع فقط، بل لـ “محاربة عصابة الشفتة المكونة من جنسيات مختلفة، والتي تمارس شتى أنواع الجرائم من قتل ونهب وتجارة مخدرات”.

وشدد الخبير الإفريقي على ضرورة “محاربة عمليات تهريب السلاح إلى إثيوبيا، ووقف الهجرة غير الشرعية وجرائم الاتجار بالبشر”.

المصدر: الأناضول

شاهد أيضاً

رويترز: لماذا تنخفض أسعار النفط رغم توترات الشرق الأوسط؟

الشرق اليوم-  إن وفرة الإمدادات من بعض أنواع النفط الخام الأعلى درجة، تحد من تأثير …