الرئيسية / مقالات رأي / Project Syndicate: إعادة بناء الثقة الاجتماعية في أمريكا “ما بعد كوفيد”

Project Syndicate: إعادة بناء الثقة الاجتماعية في أمريكا “ما بعد كوفيد”

الشرق اليوم- يلتزم الأفراد الأقل عرضة للخطر بقيود كوفيد 19 لأنهم يريدون ذلك، ويعتقدون أن القيام بذلك سيساعد في الحفاظ على سلامة الآخرين وكذلك أنفسهم، وخلال الوباء دفعت الأغلبية السليمة ثمناً باهظاً لحماية أقلية ضعيفة.

منذ الوهلة الأولى، أدت جائحة فيروس كورونا إلى تعميق الانقسامات الاقتصادية داخل الولايات المتحدة، فأدت إلى تضخيم الدخل وحدة عدم المساواة الاجتماعية، وسلطت الضوء على العديد من المشاكل النظامية الطويلة الأمد.

فعلى سبيل المثال، أثرت الجائحة في النساء أكثر من الرجال، كما أن الأطفال المنحدرين من أسر فقيرة أقل قدرة على التكيف مع التعليم الافتراضي مقارنة مع أطفال العائلات الثرية، ويعتقد الخبراء أن معدل العنف المنزلي وإساءة معاملة الأطفال قد ارتفع بسرعة خلال الوباء، إلا أنه لم يتم الإبلاغ عن نسبة كبيرة من ذلك الارتفاع جراء تراجع المراقبة بسبب إغلاق المدارس، ويواجه الأفراد ذوو الدخل المنخفض مخاطر صحية أكبر لأن العديد من العوامل التي تؤدي إلى تفاقم عواقب كوفيد19 ترتبط سلبا بالدخل.

إلا أنه على الرغم من هذه التكاليف الباهظة وغير الموزعة بالتساوي، هل يمكن أن تساعد التجربة الصعبة التي اجتازتها أمريكا أثناء الوباء على استعادة الثقة المتبادلة اللازمة لتحسين الرفاهية الاقتصادية لجميع الأميركيين على المدى الطويل؟

إن الثقة التي يقصد بها خبراء الاقتصاد ثقة شخص ما في صدق ونزاهة شخص لا يعرفونه شخصيا، هي عنصر أساسي لنجاح الاقتصاد، وغالبا ما يتم تجاهلها أيضا.

الثقة بالمعنى الاقتصادي هي الاعتقاد بأن الشخص الآخر لا ينوي استغلالك، وعدم الثقة يعني أن تشعر أنه يجب عليك القتال لتحصل على النصيب الأكبر من شيء ما في كل مرة، وإن الثقة تجعل التسويات السياسية ممكنة، لأن جميع الأطراف تدرك أنه سيتم تقاسم المكاسب بمرور الوقت، حتى لو لم يستفد الجميع في لحظة التوصل إلى الاتفاق، وكما هي الحال مع علاقة شخصية صحية، يمكن للناس أن يتناوبوا في الحصول على ما يريدون، لأنهم يعلمون أنه سيكون هناك العديد من التفاعلات المستقبلية التي تتطلب حلا وسطا حتى تتحسن الأمور على المدى الطويل. وفضلا عن ذلك، تُظهر الأدلة العملية أن الثقة تفسر جزءا كبيرا من الاختلافات في النمو الاقتصادي عبر البلدان، وتزيد الاستقرار السياسي خلال فترات الركود الاقتصادي، فالقدرة على التعاون يحسن النتائج للجميع.

وتُظهر الدراسات الاستقصائية أنه من بين البلدان الأوروبية أو غيرها من البلدان التي ينحدر سكانها إلى حد كبير من أصل أوروبي، تتمتع الدول الاسكندنافية بأعلى مستويات الثقة، حيث صرح أكثر من 70 في المئة من سكانها أنهم يثقون بالأشخاص الذين لا يعرفونهم شخصيا، وتُسجل البرازيل ومقدونيا أدنى مستويات الثقة حيث تبلغ نحو 7 في المئة و13 في المئة على التوالي.

وتقع مستويات الثقة داخل الولايات المتحدة في المنتصف بين تلك الموجودة في شمال أوروبا وشرقها، حيث قال 41 في المئة من الأميركيين إنهم يثقون بأشخاص لا يعرفونهم، وبالنظر إلى الأدلة العلمية التي تظهر أن عدم ثقة الأمريكيين من المحتمل أن يكون متجذرا في التمييز التاريخي، فليس مدهشا إطلاقا أن يكون لدى الولايات المتحدة مستويات ثقة أقل من أوروبا الشمالية. كما أنه ليس من المستغرب أن يصبح الجدل السياسي في الولايات المتحدة مثيرا للانقسام على نحو متزايد، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن المؤسسات الإعلامية خلُصت إلى أن إثارة الغضب أكثر ربحية من تشجيع التسوية.

لقد كان الافتقار إلى الثقة عائقا حاسما أمام السياسة الاقتصادية الأمريكية في السنوات الأخيرة، لأن حلول المشكلات الرئيسة في البلاد تتطلب جميعها درجة معينة من إعادة التوزيع، وتوفير فرص أفضل للأقليات الممثَّلة تمثيلا ناقصا وللنساء، من خلال سياسات مثل العمل الإيجابي، يسلب الفرص من المجموعات الأخرى، كذلك، يمكن أن ترفع أسعار حماية الوظائف الصناعية والزراعية في الولايات المتحدة، وهو ما يعادل الضريبة المفروضة على المستهلكين الأميركيين.

وللخروج من مأزق السياسة، يجب أن يكون الناخبون على استعداد لوضع بعض من مصالحهم الآنية جانباً، وهم أكثر احتمالا للقيام بذلك إذا كانوا على ثقة من أن إعفاءهم سيقابَل بالمثل، فالناس يبنون الثقة من خلال العمل لتحقيق هدف مشترك، وتزداد مع التعاون الاجتماعي والاقتصادي، خصوصا إذا كان النشاط يولد قيمة لأعضاء آخرين في المجتمع. وهذا بالضبط ما حدث أثناء الوباء، فالقيود والتكاليف الاقتصادية التي ينطوي عليها الإغلاق الوطني للولايات المتحدة هي التكلفة التي يدفعها الشباب والأميركيون الأصحاء لحماية الأفراد المعرضين لمخاطر كبيرة. وعلى عكس العديد من البلدان الأخرى، طُبقت العديد من القيود ذاتيا وطوعيا في النهاية. وفي الولايات المتحدة، على عكس المملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، لا يتم تغريم أي شخص لعدم ارتدائه الكمامة، أو مراقبته لضمان الامتثال للحجر الصحي، وهذا، بالطبع، له سلبيات واضحة، إذ ساهم الافتقار إلى الإنفاذ والاستجابة المنسقة في تسجيلها لثالث أعلى معدل في حالات الإصابة بالعدوى، واحتلالها المركز الثاني عشر في تصنيف لأعلى معدلات الوفيات بين دول العالم جميعا، ولكن هناك أيضا جانب إيجابي مهم: يكشف سلوك الناس عن استعدادهم للمساهمة في الرفاهية العامة، وليس خوفهم فقط من عقوبات عدم الامتثال.

يلتزم الأفراد الأقل عرضة للخطر بقيود كوفيد19 لأنهم يريدون ذلك، ويعتقدون أن القيام بذلك سيساعد في الحفاظ على سلامة الآخرين وكذلك أنفسهم، وخلال الوباء دفعت الأغلبية السليمة ثمناً باهظاً لحماية أقلية ضعيفة، ونظراً لأن الحكومات الفدرالية وحكومات الولايات لم تجبر على الامتثال، يمكننا القول إن الناس دفعوا ثمن ذلك عن طيب خاطر (على الرغم من أنهم لم يفعلوا ذلك بسرور)، ولم يكن الجهد موحدا ولم يتبع الجميع الاحتياطات نفسها، ولكن في النهاية، قلص عشرات الملايين من حريتهم ونوعية حياتهم لأكثر من عام، وهذا الجهد المكلِف جدير بالملاحظة، نظرا للمخاوف المنتشرة من أن أميركا تقوَّض في الوقت الراهن بسبب الشعبوية والمصالح الذاتية. وسيكون من العار أن يغفل الأمريكيون عن هذه المكاسب التي حققوها بشق الأنفس في تقييمهم للوباء، فالثقة تنتقل أيضا عبر الأجيال، ويجب على الآباء تذكير أطفالهم، ويجب على المعلمين تثقيف طلابهم حول التضحيات التي قدمها الملايين للحفاظ على سلامة الغرباء، ولدى الولايات المتحدة الآن فرصة فريدة لتعزيز الثقة والتضامن والتعاون، ومن ثم لمواجهة التحديات الاقتصادية المقبلة.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …