الرئيسية / مقالات رأي / حوار لا «عسكرة»

حوار لا «عسكرة»

بقلم: علي قباجه – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – دخلت أزمة ميانمار في دوامة من الأحداث الدامية بعد انقلاب 1 فبراير 2021، لتضاف إلى سلسلة الأزمات المحلية والدولية التي كانت تواجهها على صعيد حقوق الإنسان بسبب دور الجيش في تهجير أقلية الإيجور. العنف الناجم عن سيطرة العسكريين على السلطة بالقوة أخذ منحى تصاعدياً، وأضحت البلاد على شفا حفرة من الحرب الأهلية حيث حذرت المبعوثة الخاصة إلى ميانمار من احتمال نشوب حرب على نطاق غير مسبوق في البلاد، ومن تدهور الأوضاع والدخول في حمّام دم وشيك. وبالفعل فإن عدد الضحايا بلغ نحو 600 قتيل إلى جانب آلاف الجرحى والمعتقلين وفرار عشرات الآلاف، حيث لا يتوانى الجيش عن فتح النار على المتظاهرين المطالبين بعودة الحكومة السابقة.
الحراك الشعبي خرج عن نطاقه التقليدي، بل بدأ يأخذ أشكالاً أخرى، أبرزها التوجه نحو العسكرة إلى جانب العصيان المدني، إذ أعلنت عشر حركات تمرد كبرى في ميانمار أبرزها «الاتحاد الوطني للكارين» أنها «ستعيد النظر» في اتفاق وقف إطلاق النار الموقع منذ 2015 مع الجيش، بسبب القمع الدموي، في حين أن الجيش لم يقف مكتوف اليدين أمام هذه التفاعلات، فاستخدم الطيران لمنعها من استغلال الحراك الجماهيري لتنفيذ أجنداتها في الحصول على حكم ذاتي، لكن ما يزيد من تفاقم التوتر هو قطاعات شعبية إلى دعم هذه الحركات في محاولة لردع الجيش عن استهداف أرواحهم.
الأحداث المتسارعة خرجت عن نطاقها المحلي أو الإقليمي، وتجاوزتها إلى العالمية، إذ بدأت الدول الكبرى في التحرك عبر فرض عقوبات على المؤسسة العسكرية، كما شكلت البلاد نقطة انطلاق للصراع بين الغرب وحلفائها في جنوب شرقي آسيا عمومًا والصين وروسيا، الحليفتين الاستراتيجيتين لميانمار، حيث تفاقم الخلاف بين المعسكرين الدوليين، فالصين طالبت بتعديل نص بيان مجلس الأمن لتخفيف حدته، ونجحت أخيراً في ذلك، بعدما تمت الإشارة في البيان إلى مقتل عسكريين في مواجهات، في محاولة لخلق توازن وتخفيف الضغط العالمي على الجيش.
روسيا دخلت على خط الأزمة بقوة بعدما حذرت من فرض عقوبات بحق ميانمار، معتبرة أن التهديدات والعقوبات ضد السلطات في ميانمار، لا تجدي نفعاً، وخطيرة للغاية، وأنها قد تؤدي إلى حرب أهلية.
انقلابيو ميانمار استغلوا هذه الخلافات، ورأوا أنها تصب في صالحهم، فوجود دول كبرى تدعمهم، ما يعطيهم متسعاً من الوقت لممارسة المزيد من القمع على معارضيهم، في محاولة للسيطرة على البلاد المضطربة، لكن في المقابل فإن أصوات المتظاهرين بدأت تعلو في حث العالم للتدخل في الأزمة وحمايتهم. إن استغلال كل طرف لمعسكر دولي يدعمه يشير بوضوح إلى أن البلاد تتجه لشرخ كبير، واقتتال مدعوم خارجياً قد يدمر البلاد الفقيرة أصلاً.
ليس ثمة مخرج للبلاد سوى بحوار جامع، يعطي كل ذي حق حقه، بحيث يتنازل كل طرف لصالح حكومة موحدة قوية، تعمل على انتشال البلاد من كبوتها، وتعمل على تعزيز العدالة الاجتماعية، ومعاملة الجميع سواسية.

شاهد أيضاً

عند الأفق المسدود في غزة

بقلم: عبدالله السناوي – صحيفة الخليج الشرق اليوم- استغلقت حرب غزة على أي أفق سياسي …