الرئيسية / مقالات رأي / الإعلام وقوته في صناعة عالم مختلف

الإعلام وقوته في صناعة عالم مختلف

بقلم: مالك العثامنة – صحيفة الاتحاد

الشرق اليوم- هل للإعلام دور في حل النزاعات وبناء السلام؟ قد يبدو سؤالاً عادياً جداً وتقليدياً بامتياز، لكن فعلياً هناك دور إعلامي خطير وحيوي ومهم في حل النزاعات، بل وربما تأجيجها أحياناً، وذلك حسب نوع الخطاب المستخدم. والخطاب لا يقتصر على الكلمات، فالصورة أو المضمون المخفي بين السطور أحياناً يصبح رصاصة أو ما يتجاوز مفعول قذيفة، وقد يكون الخطاب كذلك زناد المسدس الذي يفجر كبسولة البارود في الطلقة.

«ألان ثومسون»، صحفي كندي مخضرم، التقيته في مؤتمر إعلامي في تونس قبل سنوات، وقد أيقظتني طروحاته من وهم «مركزية الكون»، التي اتخيلها لقضايا العالم العربي، حين ذكرنا أننا نعيش على كوكب واحد مع آخرين، ومن خلال عرضه لأهم ما في تاريخه الصحفي من قصص، قصة مجازر رواندا، عرض الرجل بخبرته المهنية التي لخصها في كتاب مطبوع أيضاً، مجمل فكرة الدور الإعلامي للصحافة في حل النزاعات، أو تأجيجها، ودور الإعلامي من خلال مهنيته في بناء السلام.

العمل ليس سهلاً، حتى في عصر الثورة الرقمية وتكنولوجيا المعلومات، فإن المهارة تكمن في توظيف أدوات الثورة التكنولوجية في خدمة المهنية، لا العكس. أن يكون لك منصة تخاطب بها العالم، ليس إنجازاً يذكر اليوم، لكن أن توظف أدوات المعرفة والتواصل بطريقة مهنية وجهد احترافي هو التميز الحقيقي. في رواندا، كان هناك فيديو التقطه صحفي بريطاني عام 1994، أي بزمن لم يكن فيه التصوير سهلاً، الفيديو الذي التقط مجزرة في شارع في قرية رواندية معزولة عن إدراك العالم، وثّق القتل بدم بارد، ووثق منهجية القتل المعتمدة كاستراتيجية مدروسة من قبل مليشيات أغلبية تُبيد أقلية، كان العالم حينها يتحدث عن رواندا كصراع بين قبائل، دون فهم التفاصيل، وكان هذا الفهم القاصر كافيا لمليشيات الأغلبية التي تحكم، كي تستمر بمنهجية الإبادة دون قلق من رد فعل.

الفيديو الذي انتشر في العالم، غيّر وجهة النظر، كان قتلاً بدم بارد لرجل جاثي على ركبتيه يُصلي في لحظاته الأخيرة، وامرأة خلفه على الأرض تحمل طفلها على ظهرها، وحولهما جثث مترامية. طريقة القتل والوقت الطويل الذي أخذته العملية أثبت للعالم أن فهمه لما يحدث في رواندا قاصر جداً، وحين تصحح الفهم، تدخل العالم وتداعى، لتنتهي حرب رواندا التي انتهت اليوم إلى دولة مستقرة ومزدهرة وسياحية. صحفي شجاع واحد، وثّق اللحظة في ظروف دموية قاسية، فرسم الطريق للعالم نحو أول خطوة لبناء السلام. صديقنا بدوره «ألان ثومسون»، وبعد سنوات طويلة من فيديو مجزرة هذا الشارع الترابي البعيد والمعزول، بقي مسكوناً كصحفي في القصة، فاستأذن ( لاحظ أدبيات المهنة هنا)، صاحب الفيديو بمتابعة القصة لمعرفة هوية القتلى في الفيديو، تعريفهم للعالم يعيد لهم إنسانيتهم بدلاً من أن يبقوا غباراً على هامش النسيان. ذهب «ألان» إلى القرية، وبقياسات بسيطة من زاوية تصوير الفيديو وموقع الشارع حدد بالضبط البقعة التي تمت فيها العملية، ثم قابل الناس وحفر في ذاكرة الجيل الذي عاش الحرب، حتى توصل إلى شهود عيان ثم إلى أهل القتيلين (الرجل والمرأة).. وجد صوراً لهما ووثق أسماءهما في كتاب مهني.. هكذا تكون الصحافة.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …