الرئيسية / مقالات رأي / هل فهمت إثيوبيا الرسالة؟

هل فهمت إثيوبيا الرسالة؟

بقلم: د. ياسر عبد العزيز – المصري اليوم


الشرق اليوم – يوم الأحد الماضي، نشرت في هذه الزاوية مقالاً تحت عنوان «العطش ليس خياراً مطروحاً»، وهو المقال الذي سعى إلى التأكيد على أهمية نهر النيل لمصر والمصريين، وشدد على أن فكرة المس به بمنزلة إعلان حرب وجودية ضدها.
وفي ختام هذا المقال كان هذا السؤال: «هل يمكن أن تعطش مصر والنيل يجري في وسطها؟».
أما الإجابة فكانت على هذا النحو: «لا يمكن أن تعطش مصر بالطبع؛ إذ سيصبح المس بحصتها المائية المحدودة غير الوافية باحتياجاتها بمنزلة إعلان الحرب عليها. ولتفادي العطش، فإن عليها أن تخوض تلك المعركة بمزيج من القدرات السياسية والاقتصادية والإعلامية، وهو مزيج لا يجب أن يُحرم من مساندة قوتها الصلبة».
وفي يوم الثلاثاء الماضي، كان الرئيس السيسي يتحدث في مؤتمر صحفي عالمي، على هامش زيارته لقناة السويس، بعد نجاح مصر في حل مشكلة الباخرة الجانحة باقتدار، وإعادة الممر الملاحي العالمي الأهم للخدمة بكامل طاقته واستعداده الفني، لينتهز الفرصة ويتحدث عن موقف مصر من التعثر الدائم والمُدبر لمفاوضات «سد النهضة».
لم يكن الرئيس منفعلاً بقدر ما كان حازماً، ولم يكن مباشراً بقدر ما كان واضحاً، لكن الخلاصة كانت محددة، ومفادها ببساطة أن مصر أكدت مجدداً رغبتها الصادقة في إيجاد حل سلمي عادل ومتوازن لأزمة السد، لكنها أيضاً وضعت الخيار العسكري على الطاولة لأول مرة.
لا أؤيد الحرب. ولا أؤيد القادة الذين يستسهلون الانخراط في الحروب. ولا أؤيد فكرة أن تتورط مصر في حرب، في هذه الآونة بطبيعة الحال.
ومع ذلك، فيصعب جداً أن تستبعد مصر فكرة الحرب تماماً عند تصديها لصيانة مصالحها الحيوية. ويصعب أيضاً أن يعتقد القادة الذين تتصادم طموحاتهم، أو تتناقض مصالحهم، مع المصالح المصرية، أن مصر ليس لديها خيار المواجهة، أو لا تمتلك طاقتها.
ظلت الإدارة المصرية، في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، حريصة على مقاربة محددة للشأن الخارجي، وهو أمر بات معروفاً للكافة، خارج البلاد وداخلها، ويمكن إجمال عناصر تلك المقاربة في كونها تعتمد لغة دبلوماسية وظيفية مقتصدة وبناءة وإيجابية، وأنها تركز على ما يجمع وتبتعد عما يفرق وينقض، وهي تتمسك بالمقاربات السلمية، وضرورة احترام القانون الدولي، ولا تسارع إلى المواجهة ولا تبرز الحس العدائي.
وقد بدا واضحاً لنا أن الاستراتيجية المصرية في هذا الإطار تعمد عادة إلى التحرك ضمن محاور، تضمن حدوداً دنيا مطلوبة من التضامن وتضافر القدرات واتساق السياسات مع الحلفاء، ولا تحرم الدولة من قدرتها على اتخاذ قرارات تناسب ظروفها في آن واحد، رغم صعوبة إحداث مثل هذا التوازن، واهتزازه في بعض الأحيان.
ولوقت قريب كانت مصر تنحو في سياستها الخارجية إلى استخدام مبدأ «الغموض الاستراتيجي»، وهو المبدأ الذي تبلور في عهد الرئيس ريجان، الذي كان يرى أنه من المناسب عدم إطلاع الأعداء والخصوم والمنافسين على خيارات إدارته إزاء تضارب المصالح بينها وبينهم، لأن هذا وفق رؤيته «يمكن أن يحد من حركة الولايات المتحدة ويقيد طاقتها ويمنح الأعداء فرصاً لتطوير أساليب المواجهة للسياسات الأمريكية».
لكن نقاشاً ساخناً دار في أروقة الإدارة الأمريكية بخصوص هذا المبدأ، وخلصت الإدارة لاحقاً إلى أنه من الضروري أن تخبر الأعداء والخصوم والمنافسين بالتكاليف التي سيتكبدونها في حال واصلوا التعنت والإضرار بالمصالح الأمريكية.
لقد خرجت مصر من دائرة «الغموض الاستراتيجي» مع تركيا في ليبيا، ورسمت خطاً أحمر نعرف الآن أنه قائم ورادع وفعال، وها هي تخرج منها مجدداً مع إثيوبيا، وأكدت لها أنه «لا أحد بعيداً عن قدرتها».
والأمل أن تفهم إثيوبيا الرسالة على النحو الصحيح، وأن تجنب المنطقة وشعوبها مخاطر التجربة.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …