الرئيسية / مقالات رأي / أوكرانيا.. الاختبار الروسي لبايدن

أوكرانيا.. الاختبار الروسي لبايدن

بقلم: مصطفى فحص – الحرة

الشرق اليوم- أدى تدهور الأوضاع العسكرية على الحدود الروسية الأوكرانية إلى تصاعد حدة التوتر السياسي بين البلدين، وصل إلى مستوى التهديدات بالحرب، وازدادت المخاوف من انفجار الأوضاع بعد تصريح لوزير الدفاع الأمريكي أثار حفيظة الكرملين، الذي سارع إلى الرد بعنف على البنتاغون. فقد أكد الأخير لكييف خلال اتصال أجراه وزير الدفاع الأمريكي مع نظيره الأوكراني أنه “في حالة تصعيد العدوان الروسي فإن الولايات المتحدة لن تترك أوكرانيا وحدها”.

الكرملين من جانبه، سارع إلى رسم خطوطه الحمراء، وبعث برسالة صارمة لجميع المعنيين (أوكرانيا، أوروبا، الولايات المتحدة ومن خلفهم الأطلسي) بأنه لن يسمح بوجود قوات أمريكية في أوكرانيا تحت أي ذريعة. فبالنسبة لموسكو يمثل وجودهم على حدودها تهديدا مباشرا لأمنها القومي، لذلك حذرت أن الأمر سيزيد من حدة التوتر وسيدفعها إلى اتخاذ إجراءات إضافية لضمان أمنها. وأكد الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن ” التصريحات الأوكرانية حول إمكانية ظهور عسكريين أميركيين على الأراضي الأوكرانية، غير مقبولة وغير مناسبة”.

في المقابل، فإن واشنطن التي اتهمت موسكو بمحاولة زعزعة أمن أوكرانيا، تتعرض لأول اختبار جدي في أوروبا، حيث باتت مصداقيتها على المحك بسبب ضيق خيارتها، خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بالدفاع عن حلفائها، وحماية أمن أوروبا الجماعي من الخطر الروسي المتجدد، ما يضع إدارة بايدن أمام أول اختبار لمصداقيتها في تنفيذ وعودها بإعادة بناء الثقة والشراكة بين ضفتي الأطلسي وعودة واشنطن لقيادة العالم الحر والدفاع عنه.

من جهتها تقوم موسكو بعملية حشد لقواتها على طول الحدود الشرقية، تُظهر استعداداتها للقيام بعملية عسكرية في عمق الأراضي الأوكرانية، ما دفع كييف إلى التخوف من سيناريو روسي جديد شبيه بما جرى في شبه جزيرة القرم، يكون أقرب إلى حركة استباقية روسية لقطع الطريق على أي مناورة تقوم بها كييف تهدف إلى تغيير الواقع الميداني في إقليم دونباس الانفصالي الذي تسيطر عليه ميليشيات موالية لموسكو.

إن دفع موسكو بأرتالها العسكرية إلى الحدود الأوكرانية وتموضعها هناك أقرب إلى إنذار مبكر لكييف بعدم القيام بمغامرة عسكرية لاستعادة أراضي دونباس، خصوصا بعد أن حصلت على وعود أمريكية بدعمها، واحتمال حصولها على أسلحة أميركية فتاكة تؤمن لها توازنا ميدانيا، إضافة إلى تطويرها لسلاح المُسيّرات مع تركيا، الأمر الذي زاد من شكوك موسكو باحتمال قيامها بحرب تكتيكية خاطفة تستعيد فيها مناطق من إقليم دونباس على غرار الحرب التي خاضتها باكو في إقليم ناغورني قراه باغ. 

إلى جانب التوترات العسكرية، يخوض البلدان مواجهة دبلوماسية يحاول كل طرف ليّ ذراع الآخر، فقد عملت موسكو في الأسابيع الأخيرة على تهميش دور كييف في رباعية النورماندي، ولجأت إلى الحوار مباشرة مع أفراد مجموعة (فرنسا وألمانيا). ومن المؤكد أن اجتماع الترويكا الأوروبية الأخير (روسيا فرنسا ألمانيا) ومحاولات التقرب مع روسيا قد أثارت ريبة كييف، خصوصا أن موسكو تخطط لتحقيق انتصار دبلوماسي عليها وإجبارها تطبيق بنود اتفاقية مينسك.

يقول الخبير المتخصص بالشأن الأوكراني في المجلس الأطلسي بيتر ديكنسون إنه: “من الواضح أن ألمانيا اليوم مهتمة بإتمام مشروع “نورد ستريم 2″ (Nord Stream 2‏) لنقل الغاز الروسي إليها مباشرة، وبغض النظر عن تداعياته السياسية والأمنية)”. لا شك أن الاهتمام الأوروبي بروسيا ومحاولة تطمينها وعدم الانجرار وراء التصعيد الأمريكي معها، دفع النخبة السياسية الأوكرانية إلى اعتبار ما جرى في لقاء الترويكا أشبه بتواطؤ أوروبي مع روسيا ضد أوكرانيا، لذلك تعالت الأصوات في كييف بالدعوة إلى التفاهم أكثر مع واشنطن ومنحها مجالا سياسيا يوازي دور الرباعية. 

الضغط الروسي على كييف لا يمكن فصله عما تتعرض له القوى السياسية الأوكرانية الموالية لموسكو، خصوصا بعد قرار إقفال 3 محطات تلفزيونية تابعة للمعارضة، التي تراجع حضورها بسبب تراجع شعبية القوى السياسية الموالية لموسكو، إذ يؤكد أستاذ العلوم السياسية في أكاديمية (مو هيلا) الأوكرانية تاراس كوزيو قوله “كانت هذه القوى قادرة على تشكيل الأغلبية البرلمانية والفوز بالانتخابات الرئاسية قبل عقد من الزمن، لكنها تكافح الآن لاجتياز حاجز 20% في الإنتخابات الوطنية”. وعليه لا تبدو كييف مطمئنة للموقف الأوروبي، ولا يمكنها أن تقف وحيدة بوجه مغامرة روسية محتملة، لذلك باتت المسؤولية تقع على عاتق إدارة بايدن، فهل ستقرن أقوالها بالأفعال وتعود مرة جديدة إلى الواجهة أو المواجهة على حدود أوروبا الشرقية حيث  تتملك موطئ قدم على مرمى حجر من موسكو.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …