الرئيسية / مقالات رأي / منافسة ساخنة في القطب المتجمد الشمالي

منافسة ساخنة في القطب المتجمد الشمالي

بقلم: حازم الغبرا – العرب اللندنية

الشرق اليوم- القطب الشمالي منطقة تتجاوز مساحتها الـ14 مليون كيلومتر مربع معظمها نائية تقع في قمة الكرة الأرضية وتتضمن أراضي ومياه تابعة للولايات المتحدة الأميركية وكندا وروسيا وفنلندا والدنمارك وأيسلندا والسويد والنرويج.

لم تجذب هذه المنطقة عبر التاريخ اهتماما كبيرا من الدول الكبرى، باستثناء بعض الوجود العسكري بسبب موقع القطب على حدود دول حلف الناتو وروسيا، وبعض البعثات العلمية بسبب تأثير هذه المنطقة على المناخ العالمي والحقل المغناطيسي للأرض. فطبيعة جو هذه المنطقة القارس لا يؤهلها للحياة البشرية، كما أن طبقة الجليد السميكة التي تغطي أرضها وماءها تجعل التنقيب وحركة السفن صعبة وغير مربحة.

لكن التغيّر المناخي الذي يشهده العالم اليوم بدأ بتغيير طبيعة القطب الشمالي بشكل ملموس، كما وفرت التقنيات الحديثة في الحفر والتنقيب مجالا للوصول إلى الثروات الباطنية المدفونة تحت طبقات الجليد، فتهافتت دول القطب على بسط سيطرتها على أراضيه خلال العقدين الماضيين.

وسياسة القطب الشمالي معقدة للغاية بسبب عدم وجود ترسيم نهائي لأراضيه. فدول القطب تتعاون ضمن “مجلس القطب الشمالي” لكن هذه المنظمة تهتم بالأمور المناخية وليس من صلاحياتها التعامل مع نزاعات الحدود أو الثروات الباطنية. ومنطقة القطب الشمالي الجغرافية والمياه التي حولها ليست ملكا لدولة معينة حيث تنتهي حدود دول تلك المنطقة على بعد 200 كم من سواحلها حسب القانون الدولي.

ثم أتى مؤتمر الأمم المتحدة لقانون البحار في أوائل القرن الحادي والعشرين الذي أعطى دول المنطقة عقدا من الزمن لتوسيع حدودها في القطب الشمالي وبسط سيطرتها على أراض جديدة. وقامت روسيا فعلا عام 2007 بإنزال علم روسي مصنوع من مادة التيتانيوم عبر غواصة مأهولة إلى قعر البحر مما أثار مخاوف من اشتعال النزاع على أراضي القطب، ما دفع دول المجلس إلى الاجتماع عام 2008 والتوصل إلى “إعلان الوليسات” الذي يمنع دولة بعينها من السيطرة على مياه القطب الشمالي، كما طرح منظومة لفض النزاعات الجغرافية بين الدول الأعضاء.

ومع أن النزاع على هذه المنطقة لم يشهد تطورات كبرى في السنوات الماضية، إلا أن ذلك قد يتغير سريعا. حيث قامت دول الناتو بمناورات عسكرية واسعة النطاق شارك فيها ما يزيد عن 16 ألف جندي في شهر مارس من عام 2020. واتفق المحللون على أن الهدف من تلك المناورات كان إيصال رسالة واضحة لموسكو حول استعداد حلف الناتو للدفاع عن أمن بلدانه وحقوقها في القطب الشمالي.

وفي الأسبوع الماضي قامت روسيا بشن مناورات عسكرية بحرية رصدتها طائرات التجسس البريطانية في منطقة تحظر فيها حركة السفن حسب الاتفاق بين دول القطب. وجربت روسيا خلال هذه المناورات صواريخها الأحدث من طراز “زركون” التي تفوق سرعتها سرعة الصوت بمرات. ومع أن الطرف الروسي يدّعي أن الاختبارات الصاروخية في تلك المنطقة هدفها حماية التقنية الروسية المتطورة من التجسس، إلا أن القيام بهذه المناورات على القرب من حدود دول الناتو والولايات المتحدة أمر مقلق للغاية.

وتستعد الولايات المتحدة هذا الأسبوع لإجراء مناورات عسكرية افتراضية سرية للغاية هدفها قياس قدرة الولايات المتحدة على مواجهة أندادها في الصين وروسيا. ومن المتوقع أن يخصص جزء موسع من تلك المناورات لاختبار القدرة الأميركية على خوض حرب مع الروس في منطقة القطب الشمالي إن اقتضى الأمر.

وأكثر ما يثير قلق الغرب اليوم هو التعاون المتزايد بين الصين وروسيا في منطقة القطب الشمالي. فهذا التعاون سيفسح المجال للصين بالوصول إلى القطب، كما سيضاعف قوة روسيا العسكرية وقدراتها على بسط سيطرتها على المنطقة وثرواتها.

والصين مهتمة بشكل خاص بالممرات البحرية التي أصبحت متاحة اليوم بسبب ذوبان الجليد، فهذه الممرات ستسهل نقل البضائع إلى أوروبا وستختصر الطريق على السفن الآتية من آسيا، ما قد يؤثر سلبا على خطوط الملاحة والموانئ في الدول العربية.

الصراع على القطب الشمالي ليس إلا فصلا جديدا من المنافسة الدولية التي تشتعل اليوم بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى. فالغرب لن يقبل بتمركز عسكري صيني – روسي على حدوده غير المحمية في الشمال، وفي الوقت ذاته ترى الصين وروسيا في القطب فرصا اقتصادية كبيرة لا يمكن تجاهلها. ويتخوف الخبراء من أن اشتعال أزمة في القطب قد تكون له تداعيات خطرة للغاية على النظام البيئي الهش في تلك المنطقة وتأثير مباشر على مناخ الكوكب برمته.

شاهد أيضاً

روسيا التي لا تساند أحداً… علاقة غير عادلة مع إيران

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي الشرق اليوم– في مقالته في صحيفة “وول ستريت جورنال” …