الرئيسية / مقالات رأي / جنوح «إيفر جيفن».. وهشاشة النظام التجاري العالمي

جنوح «إيفر جيفن».. وهشاشة النظام التجاري العالمي

بقلم: سالفاتور آر ميركوليانو – صحيفة “الاتحاد”


الشرق اليوم – تخيل التجارة العالمية مثل تيار ماء يتدفق من صنبور: يمكنك ضبط كمية الماء ويمكنك ضبط كمية الماء البارد والحار التي تحتاجها، والماء يتدفق مباشرة إلى الصرف بسلاسة، ولكنك إذا سددت الصرف يتجمع الماء ويملأ الحوض. وفي نهاية المطاف يفيض الحوض ويجد الماء المتدفق طريقا بديلا. وهذا هو الوضع الذي يواجه التجارة العالمية بعد أن فقدت سفينة الشحن العملاقة «إيفر جيفن» السيطرة في الطرف الجنوبي لقناة السويس، في وقت مبكر من صباح الثلاثاء الماضي.
بسرعة 13 عقدة (ما يعادل 15 ميلا في الساعة تقريبا)، سارت السفينة نحو الضفة الشرقية للقناة وجنحت مقدمتها في الجانب الآسيوي. ونظرا لأن القناة في تلك المنطقة أضيق من طول السفينة انحرفت مؤخرة السفينة يسارا. ومع انغراس مروحة السفينة ودفتها في طين أفريقيا، وامتداد جسم السفينة التي يبلغ ارتفاعها 1300 قدم عبر القناة عرضا، انسد الممر المائي الأساسي الذي ينقل 12% من التجارة البحرية في العالم. ويأتي هذا الحادث لينضاف إلى ظروف تجارية سيئة أصلا بسبب حرب الرسوم التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والوباء العالمي، مثلما لاحظنا جميعا، مع تأخر وصول شحنات سلع كثيرة من أوراق الحمام إلى الملابس والأجهزة الإلكترونية.
الوضع يبدو عبثيا، ولكنه يُبرز الطابع الهش للوجستيات الشحن العالمي الحديث الذي يتعامل معه معظم المستهلكين على أنه من المسلّمات. والواقع أن حتى الشحنات التي لا تمر عبر قناة السويس ستتأثر بما يحدث حاليا في القناة لأن المصانع تنتظر وصول مكوّنات أساسية من أماكن أخرى من العالم قبل أن تستطيع صنع منتجات لتصديرها. كما أن أسعار الغاز والنفط سترتفع. وقد لا تتضح التأثيرات على سلسلة الإمداد العالمية بشكل كامل إلا بعد حين. وكانت منظومة الشحن السريع التي تحرّك الكثير من التجارة العالمية الآن أصبحت متاحة أول مرة بفضل قناة السويس، ولهذا فليس من قبيل المفاجآت أن تمتد تداعيات تراكم عدد السفن التي تنتظر حل المشكلة عبر العالم.
إغلاق القناة بسبب جنوح سفينة «إيفر جيفن» قد يدوم أياما، أو يمكن أن يستمر لأسابيع، ومن الممكن لأشهر في حال أصيبت السفينة بضرر هيكلي. وبغض النظر عن المدة التي ستظل فيها عالقة في القناة فإن التأثيرات الاقتصادية والسياسية فورية، إذ تقدّر «لويدز» أنه في كل يوم تظل فيه القناة مغلقة فإن ما قيمته 9.6 مليار دولار من السلع، في المتوسط، ستظل عالقة وغير قادرة على الوصول إلى الأسواق في آسيا وأوروبا.
وبخصوص التأثيرات الفورية ستشهد أوروبا ارتفاعا في أسعار الوقود بسبب تأخر النفط القادم من الخليج العربي إلى الموانئ، كما سيُرى ملايين الزبائن الذين ينتظرون طلبيات تأخر وصولها في وقت ستنفد فيه مخزونات المستودعات ومواقع التوزيع قريبا. والموانئ التي تتوقع استقبال سفن، مثل روتردام وفيليكستو وهامبورغ، ستظل أرصفتها خالية وسترسل العمال إلى بيوتهم. والمصانع ومرافق الإنتاج التي تتطلب مواد من آسيا، مثل مصنعي السيارات في ألمانيا، قد تضطر لإغلاق خطوط إنتاجها بسبب عدم توافر مكوّنات أساسية، ما سيؤدي أيضا إلى تأخر الشحنات من أوروبا إلى أميركا الشمالية والجنوبية.
وحتى عندما يعاد فتح القناة، أو بينما تمر السفن عبر رأس الرجاء الصالح، مضيفة بذلك قرابة 3500 ميل إلى رحلتها، فإن وصول السفن المتأخرة، إلى جانب عمليات التسليم المجدولة، ستتسبب في تأخر في الموانئ شبيه بما يحدث حاليا في الموانئ الأميركية. ويشير العجز عن تحرير سفينة «إيفر جيفن» خلال المد الأخير، وقرار الالتجاء إلى شركة الإنقاذ الهولندية «سميت»، إلى أن الأمر قد يستغرق أياما، إن لم يكن مدة أطول، في وقت يتوقع فيه حدوث مد ربيعي في 31 مارس. ومع جنوح السفينة في القناة، وطفو وسطها فقط، هناك قلق بشأن تسبب الضغط في تصدعات في جسم السفينة، قلق يزداد أكثر كلما بقيت عالقة، وبينما تتم إزالة الوقود والصابورة والشحنات. وتمثّل هذه الأخيرة تحديا صعبا بسبب حجم السفينة وارتفاعها. وتستخدم هيئة قناة السويس حاليا جرافات لتجريف الأتربة بمحاذاة الجانب الأيمن من مقدمة السفينة، ومصدر القلق ليس من تلك الأدوات فحسب، وإنما من الأتربة التي تحت جسم السفينة والقلق بشأن تدحرج السفينة أو تصدعها.
ثم إننا ما زلنا لا نعرف سبب المشكلة. فهناك تقارير متضاربة تشير إلى أن السبب هو انقطاع للتيار الكهربائي، بينما يشير مشغّل السفينة إلى الرياح القوية وانخفاض الرؤية الأفقية. وفي كلتا الحالتين، فإن عدم وجود سفن قطر كبيرة لدى هيئة قناة السويس يرغم العالم حاليا على انتظار وصول هذه السفن. «بوسكاليس»، الشركة الأم لـ«سميت سالفيدج»، لديها واحدة من السفن المتخصصة الكبيرة راسية في ميناء بور سعيد في الطرف الشمالي للقناة. كما ينبغي لوسائل إنقاذ أخرى أن تبحر من مهمات حالية في الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط.
وخلاصة القول: إن جنوح سفينة «إيفر جيفن» أظهر للعالم، من جديد، مدى أهمية سلسلة الإمداد البحرية، ليس فقط لأولئك الذين يتلقون السلع من سفينة معينة، وإنما للجميع، وكيف أنه من السهل حدوث اضطراب يؤثّر علينا جميعا.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …