الرئيسية / مقالات رأي / العطش ليس خيارًا مطروحًا

العطش ليس خيارًا مطروحًا

بقلم: د. ياسر عبد العزيز – المصري اليوم


الشرق اليوم – لطالما ظل نهر النيل يصنع الحياة ومعها البهجة للمصريين على مر العصور، ولطالما ظل أيقونة أبدية تزرع الحيوية والأمل، منذ نشأ على جانبيه أحد أقدم المجتمعات الزراعية التي عرفها التاريخ والحضارات التي ألهمت البشرية.
ولطالما ظل المصريون يقولون، مع آلاف الأشعار والأغاني التي كان هذا النهر العريق محورها، إن «النيل جاي جاي»، في دلالة على أنه لا توجد قوة على وجه الأرض يمكن أن تعرقل سير هذا النهر البديع من منابعه في وسط القارة السمراء إلى حيث مصبه على ساحل البحر المتوسط.
ولا يكتسب النيل موقعه في الوجدان المصري من تمركزه العبقري في وسط صحراء البلاد، زارعًا الاخضرار والظل والخصب والحياة فحسب، ولا من كونه علامة فريدة جاذبة ظلت تميز مصر إلى جوار الأهرامات على مر العصور، ولا لأن هيرودوت قال إن «مصر هبة النيل» ثم رددها العالم بعده، ولكن أيضًا لأنه يوفر أكثر من 95% من احتياجات المصريين من المياه.
ولأن مصر ليست من الدول الممطرة، وليست لديها مياه جوفية صالحة للاستخدام على نطاق واسع، وليست في رفاهية اقتصادية أو تطور صناعي يُمكِّنها من تحلية مياه البحر لسد احتياجات سكانها، الذين بلغوا أكثر من 100 مليون نسمة، فإن نهر النيل بالنسبة إليها يُعد مسألة حياة أو موت. بالطبع يُعد نهر النيل بالنسبة لمصر والمصريين مسألة حياة أو موت، إذ ماذا يعني أن تُمس حصيلة المياه الأساسية التي يعتمد عليها السكان في الشرب والزراعة وغيرهما من الاستخدامات الحيوية، خصوصًا إذا عرفنا أن حصة مصر من ماء النيل لا تزيد على 55.5 مليار متر مكعب سنويًا، وهي حصة لا تفي بالاحتياجات الحقيقية في ظل التزايد السكاني الكبير.
ولذلك فإن مصر تصنف ضمن دول الفقر المائي، وترشحها بعض الدراسات الموثوق بها لدخول مرحلة فقر مائي أعمق بحلول عام 2025، إذا ظلت حصتها المائية على ما هي عليه، ولم تطور مصادر مائية جديدة، تسد احتياجات السكان المقبلين الذين يتزايدون بوتيرة مزعجة.
لا تزال مصر تخفق في حلحلة موقف إثيوبيا وإقناعها بضرورة التفاوض بشكل جاد للوصول إلى حل عادل ومتوازن لمشكلة سد النهضة، ولا تزال أديس أبابا تراوغ وتناور وتستهلك الوقت لإنفاذ إرادتها في إتمام ملء السد وتشغيله من دون اتفاق.
تبدو مصر في موقف قانوني جيد ويُعتَدّ به، إذ تقر كافة بيوت الخبرة والمدارس والتجارب القانونية المعتبرة كلها بالحقوق المكتسبة في مجالات توزيع المياه، كما أن الاتفاقيات المائية خصوصًا تكتسب وضعًا جيدًا على مر التاريخ، بالنظر إلى أن استخدامات السكان تتكرس على مدى السنين وفق الإيرادات المتواجدة بحكم التعاهد، ولأن الحديث بأن اتفاقيات ما قد تم توقيعها في عهود استعمار لا يفتح الباب بسهولة لمراجعتها، وإلا فإن المراكز القانونية للكثير من البلدان في دول العالم الثالث خصوصًا ستصبح في مهب الريح لأن معظم هذه الدول أنشئ باتفاقيات مماثلة، وسيفتح التشكيك فى تلك الاتفاقيات نفسها الأبواب للتشكيك في سيادة تلك الدول ووجودها ذاته. أما من الناحية السياسية، فيبدو أن موقف مصر ليس على النحو المأمول، خصوصًا في ظل تمتع إثيوبيا بمساندة من عدد من الدول النافذة، والحدود والقيود التي تؤطر إقدام مصر على أي ممارسة خشنة. فهل يمكن أن تعطش مصر والنيل يجري في وسطها؟
لا يمكن أن تعطش مصر بالطبع، إذ سيصبح المَسّ بحصتها المائية المحدودة غير الوافية باحتياجاتها بمنزلة إعلان الحرب عليها. ولتفادي العطش، فإن عليها أن تخوض تلك المعركة بمزيج من القدرات السياسية والاقتصادية والإعلامية، وهو مزيج لا يجب أن يُحرم من مساندة قوتها الصلبة.

شاهد أيضاً

الأردن: معركة محور التّطرف!

بقلم: محمد صلاح – النهار العربي الشرق اليوم- ليس سراً أن مصر والأردن خسرا كثيراً …