الرئيسية / مقالات رأي / تصعيد أمريكي تجاه الصين وروسيا

تصعيد أمريكي تجاه الصين وروسيا

بقلم: هشام ملحم – النهار العربي

الشرق اليوم– شهد الاسبوع الماضي توتراً  نوعياً جديداً في علاقات الولايات المتحدة مع منافسيها العالميين الصين وروسيا ليس من المتوقع أن يتم تخطيه في أي وقت قريب، أو دون اجتماعات على مستوى القمة. وكان من الواضح ان ادارة الرئيس بايدن أرادت ان تقول للبلدين وللعالم وبلغة فظة وغير ديبلوماسية أن الرئيس الاميركي الجديد يختلف جذرياً عن سلفه دونالد ترامب، وأن مرحلة “التراجع” في وجه روسيا قد انتهت، وأن واشنطن سوف تتصدى، بالتعاون مع حلفائها الآسيويين وتحديدا اليابان وكوريا الجنوبية لسياسات الصين التوسعية في شرق آسيا، كما فعل وزير الخارجية انطوني بلينكن، ومستشار الامن القومي جيك سوليفان في أول اجتماع مع نظرائهما الصينيين في ولاية آلاسكا قبل ايام، وان مسألة حقوق الانسان سوف تكون في طليعة اهتمامات الولايات المتحدة في علاقاتها مع موسكو وبيجينغ.

وكان من اللافت ان الرئيس بايدن، هو الذي بدأ بتصعيد انتقاداته القوية لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، حين وصفه “بالقاتل” في اشارة الى التهم الموجهة لبوتين بانه حاول تسميم المعارض الروسي أليكسي نافالني، قبل سجنه في معسكر يتعرض فيه السجناء لمعاملة قاسية. موقف بايدن المتشدد من بوتين لم يكن مفاجئاً، وان كانت نبرته غير متوقعة. موقف بايدن، جاء في اعقاب الكشف عن تقرير لاجهزة الاستخبارات الأميركية أكدت فيه أن روسيا تدخلت مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية الاخيرة لصالح الرئيس السابق دونالد ترامب. وهذا ما دفع بالرئيس بايدن في مقابلة مع شبكة التلفزيون “أي بي سي” للقول إن بوتين سوف “يدفع ثمن” تدخله في الانتخابات، دون أن يوضح طبيعة الثمن، وإن قال إنه سيأتي في وقت قريب. وجاء موقف بايدن في أعقاب الاعلان عن معاقبة عدد من أركان الحكومة في موسكو اضافة إلى 14 جهاز روسي. 

وقام الرئيس بايدن بالتمهيد للمواجهة العلنية مع الصين، والتي اتخذت بعض السمات المسرحية، خلال أول لقاء بين كبار المسؤولين المعنيين بالسياسية الخارجية للبلدين في اجتماع في آلاسكا، حين أوفد وزيري الخارجية والدفاع، أنطوني بلينكن ولويد أوستن للتشاور والتنسيق مع اليابان وكوريا الجنوبية. وفي التلاسن العلني والفظ بين الجانبين في ألاسكا، أصر بلينكن أولاً، ونظيره الصيني وانغ يي لاحقاً على بقاء الصحافيين لتسجيل وتغطية بياناتهما، وكان واضحاً أن الهدف المزدوج لادارة بايدن هو التصدي لبيجينغ على مختلف الجبهات الاستراتيجية والاقتصادية وحقوق الانسان، بعد تعزيز العلاقات مع حلفاء واشنطن في شرق آسيا الذين ينظرون بقلق متزايد لمحاولات الصين بسط هيمنتها على الدول القريبة منها. وتزامنت  المواجهة الاولى في آلاسكا يومي الخميس والجمعة الماضيين، مع اجتماع افتراضي عقده بايدن مع قادة أوستراليا والهند واليابان، لتنسيق المواقف مع هذه الدول الحليفة تجاه الصين وغيرها من التحديات في تلك المنطقة من آسيا والمحيط الهادئ التي يريد بايدن ان يضعها في طليعة أولوياته الخارجية، وهي المنطقة التي أراد الرئيس الاسبق باراك أوباما “التحول” اليها من منطقة الشرق الاوسط، وان لم يفعل ذلك بنجاح.

وكان المسؤولون الاميركيون قد قالوا قبل اجتماع ألاسكا إن الوزير بلينكن والمستشار سوليفان يريدان وضع ” قواعد تعامل ” جديدة مع بيجينغ تشمل رسم خطوط حمراء في التعامل مع الصين التي وصفها بلينكن بـ”الامتحان الجيوسياسي الاكبر في القرن الحادي والعشرين”. وكان بلينكن قد قال للكونغرس قبل الاجتماع إنه سيقول بصراحة كاملة للصينيين ما هي القضايا التي تقلق واشنطن في علاقاتها مع بيجينغ. وهذا ما فعله بلينكن، وان تحول اجتماع المصارحة الى اجتماع لتراشق التهم الفظة.

الوزير بلينكن أثار محاور التوتر بين البلدين بدءاً من الخلافات التجارية، ومروراً بسياسات بيجينغ العدائية تجاه حلفاء واشنطن في المنطقة ومياههم الاقليمية التي تنتهكها الصين، وانتهاء بانتهاكات الصين لحقوق الإنسان في التيبيت، وضد مواطنيها المسلمين في  شينجيانغ وضد تايوان. ورد الصينيون برفض تدخل واشنطن في شؤونهم الداخلية والتأكيد بانه “لا يمكن خنق الصين” التي  ستحمي “سيادتنا القومية وأمننا ومصلحتنا في تنمية الصين”. كما اتهموا واشنطن بالخبث لانها تسيء معاملة مواطنيها من اصل افريقي، كما رفضوا محاولات واشنطن نشر “الديموقراطية الاميركية” في العالم.

موقف بايدن المتشدد من الصين، هو استمرار لموقف الرئيس السابق ترامب المتشدد، وان كان اسلوب بايدن يختلف لجهة مواجهة الصين من خلال التعاون والتنسيق مع الحلفاء، ولجهة التركيز على القضايا الخلافية الاستراتيجية والسياسية الحقيقية، وليس كما كان يفعل ترامب اتهام الصين بتصدير فيروس كورونا. وهناك بعد داخلي لتصلب بايدن في هذه المرحلة المبكرة من ولايته تجاه الصين، وهو رغبته بتحصين نفسه ضد انتقادات قيادات الحزب الجمهوري له خلال الحملة الانتخابية والاشهر الاولى له في البيت الابيض بانه سيتبع سياسة وفاقية مع الصين.

تصلب بايدن تجاه بوتين، واسلوبه في التصدي لسياسة روسيا العدائية تجاه اوروبا منذ احتلالها لاراضي في شمال اوكرانيا واحتلالها وضمها لشبه جزيرة القرم في 2014 مماثل بعض الشيء لاسلوب المواجهة مع الصين، حيث ستسعى واشنطن لاعادة تعزيز تحالفها التقليدي مع الدول الاوروبية لخلق جبهة موحدة ضد روسيا.  الموقف الموحد تجاه روسيا سيكون من بين القضايا الرئيسية التي سيناقشها الوزير بلينكن حين يزور بلجيكا هذا الاسبوع لعقد أول اجتماعات وجها لوجه مع المسؤولين الاوروبيين لتعزيز العلاقات الاطلسية التي تزعزعت خلال ولاية الرئيس السابق ترامب. واضافة الى روسيا سيناقش بلينكن مع وزراء خارجية حلف شمال الاطلسي (الناتو) الوضع في فغانستان، والصين، وايران والامن الالكتروني وأمن الطاقة. ومن المتوقع ان تشمل محادثات بلينكن حول الطاقة خط انابيب الغاز المعروف باسم Nord Stream 2  الذي يجري بناءه لتصدير الغاز الروسي الى المانيا عبر أوكرانيا، والذي تعارضه الولايات المتحدة. وكان بلينكن في الاسبوع الماضي قد حذر الشركات التي تشارك في بناء هذا الخط من أن واشنطن قد تفرض عليها العقوبات.

لم يكن مستغرباً ان يتخذ بايدن موقفاً متشدداً من بوتين، أولا لكي يؤكد اختلافه عن أسلوب سلفه ترامب، وثانياً لارغام الرئيس الروسي على دفع ثمن لتدخله في الانتخابات الاميركية والاوروبية، وللهجمات الالكترونية التي تشنها روسيا ضد المؤسسات والشركات الاميركية، ولاعادة وضع حقوق الانسان على قائمة اهتمامات واشنطن في علاقاتها مع موسكو، وهي مسألة تجاهلها ترامب كليا. الاميركيون غير قلقين لان بوتين قرر استدعاء سفيره من واشنطن “للتشاور”، بعدما وصفه بايدن “بالقاتل” ويقولون ان بايدن ليس مهتما بالدخول في حرب باردة جديدة مع روسيا، ولكنه يصر على محاسبة بوتين على انتهاكاته، وسوف يحاول التعاون مع موسكو إذا اقتضت مصالح الامن القومي الاميركي ذلك، ويشيرون في هذا المضمار الى اتفاق البلدين على تمديد اتفاقية الحد من الاسلحة النووية لمدة خمسة سنوات اضافية.

حتى الان العقوبات التي فرضها بايدن ضد مصالح شخصيات روسية لن توجع بايدن او روسيا. كما ليس من الواضح ما هو “الثمن” الذي سيرغم بايدن نظيره الروسي على دفعه. وعلى الرغم من وجود معارضة قوية في الكونغرس من قبل الحزبين الجمهوري والديموقراطي ضد خط انابيب الغاز، لانه سيعزز من نفوذ بوتين في اوروبا، وعلى الرغم من تهديدات واشنطن بمعاقبة الشركات الاوروبية التي تشارك في بنائه، الا ان فرض العقوبات الاميركية الذي يمكن ان يهدد مستقبل الخط البالغة كلفته 11 مليار دولار، سوف يكون محفوفا بالمشاكل لانه سيكون بمثابة ضربة كبيرة لالمانيا، ولشركات اوروبية عديدة. وفي الاسابيع القليلة المقبلة، سوف يجد بايدن نفسه معرضاً لضغوط من الكونغرس لوقف خط الانابيب، وضغوط  مضادة من المانيا ودول أوروبية اخرى ومن شركات عالمية للسماح باكماله. بايدن لا يستطيع بناء جبهة موحدة مع اوروبا لمواجهة التصلب الروسي، وفي نفس الوقت تقويض خط انانبيب الغاز الذي تريده المانيا.  أي قرار  يتخذه بايدن بهذا الشأن ستكون له مضاعفات بعيدة المدى على علاقات واشنطن مع موسكو، وعلى علاقاتها مع حلفائها الاوروبيين. 

شاهد أيضاً

أيهما أخطر؟

بقلم: محمد الرميحي – النهار العربي الشرق اليوم- جاء الزمن الصعب لنسأل أنفسنا: أيهما الأكثر …