الرئيسية / الرئيسية / The New York Times: هل تحتاج أميركا «حزباً ثالثاً»؟

The New York Times: هل تحتاج أميركا «حزباً ثالثاً»؟

BY: Bret Stephens


الشرق اليوم – في الشهر الماضي، أفرجت مؤسسة «غالوب» عن نتائج استطلاع رأي يُظهر أن الدعم العام لحزب ثالث يوجد حالياً في أعلى مستوى له على الإطلاق، وهو 62%، مقارنة بـ40% عندما بدأت مؤسسة «غالوب» تستطلع الرأي العام حول هذا الموضوع لأول مرة في عام 2003. هذا في حين يشعر 33% فقط من الأميركيين بأن الأحزاب الحالية «تقوم بعمل كاف في تمثيل الشعب الأميركي».
وفي ما يخص التأييد الذي تحظى به الأحزاب الثالثة في الولايات المتحدة، فإنها كانت في الغالب تقوم على الدعم الإقليمي (ستروم ثرموند في 1948، جورج والاس في 1968)، أو شخصيات قوية (تيدي روزفيلت في 1912، وروس بيروت في 1992)، أو تصويت احتجاجي (جون أندرسون في 1980، رالف نايدر في 2000)، أكثر مما كانت تقوم على حركات أو ائتلافات وطنية. لكن هناك ثلاثة أشياء مختلفة هذه المرة.
أولاً: الماركتان «الجمهورية» و«الديمقراطية» ضعيفتان. والواقع أن التراجع الحزبي قصة قديمة وليست جديدة، غير أنه في عام 2016، انهار الحزب الجمهوري أمام ما كان يرقى إلى استيلاء معاد على الحزب. وبالمقابل، يواجه «الديمقراطيون» خطراً أقل، تساعدهم في ذلك مزاوجة جو بايدن السياسية الذكية لسياسات يسارية ونبرة وسطية. لكن حقيقة أن زعيم الأغلبية في مجلس النواب يخشى ولاية ثانية لنائبه في مجلس النواب من دائرة كوينز، إنما يوحي أيضاً بشيء ما بخصوص الضعف الداخلي لمؤسسة الحزب الديمقراطي.
ثانياً، الأشخاص الذين يبدون أكثر توقاً إلى حزب ثالث يوجدون في أقصى الحدود السياسية. ولعل النتيجة اللافتة لاستطلاع «غالوب»، وإن لم تكن مفاجئة، هي أن الدعم الجمهوري لحزب ثالث قفز بـ23 نقطة مئوية في أعقاب هزيمة دونالد ترامب وحديثه عن تشكيل حزب جديد. وبالطبع، فإن إمكانية انقسام حقيقي للحزب الجمهوري في عام 2024 تظل بديهية.
ثالثاً: المنطقة المهمَلة في السياسة الأميركية لم تعد موجودة على الهوامش غير الليبرالية، بل في المركز الليبرالي. إنها المكان حيث ما زال يوجد معظم الأميركيين، مزاجياً وأخلاقياً، وقد يعودون إليه مستقبلاً إن مُنحوا الاختيار.
والواقع أنني لا أقصد بكلمة «ليبرالي» نظام رعاية اجتماعية تسهر عليه حكومة كبيرة، بل أقصد مبادئ روح الديمقراطية الليبرالية: احترام نتيجة الانتخابات، وحكم القانون، وحرية التعبير، ومبدأ البراءة (في محاكم القضاء والرأي العام على حد سواء) حتى يثبت العكس، واحترام السوق الحر القائم على التنظيم العقلاني والدعم الاجتماعي، واحترام الاستقلالية الشخصية، والتشكيك في السياسة القائمة على الانتماء الهوياتي، والالتزام بتكافؤ الفرص وليس بـ«الإنصاف» في النتائج، وإيمان عميق بمزايا الهجرة والتجارة الحرة والتكنولوجيا الجديدة والأفكار الجديدة، والوفاء للمُثل والمصالح المشتركة للعالم الحر. كل هذه الأشياء كانت تمثّل إلى حد ما الأرضيةَ المشتركة للحياة السياسية الأميركية، عرفها رونالد ريغن وبوش الأب وبوش الابن، بقدر ما عرفها باراك أوباما والزوج كلينتون. وكانت النقاشات التي تقسّم الحزبين، من قبيل حجم الحكومة وآلية التجارة، ترقى إلى شجارات ضيقة داخل عقيدة ليبرالية مشتركة. عقيدة ثبّتت أميركا أمام التحديات الداخلية والعالمية من أقصى اليمين وأقصى اليسار على حد سواء.
لكن الانقسام الأساسي في السياسة الآن ليس بين الليبراليين والمحافظين، مثلما كان المصطلحان يُفهمان، بل بين الليبراليين وغير الليبراليين.
«لا ليبرالية» اليمين يجسّدها أمثال ستيف ميلر حول الهجرة، وستيف بانون بخصوص التجارة، وجوش هولي بخصوص الانتخابات، وماجوري تايلور غرين بخصوص كل نظرية من نظريات المؤامرة الجنونية والمتعصبة.. فهذه كلها وجوه لما يعد حتى الآن أخطر شكل من أشكال «اللا ليبرالية»، لأنها أظهرت أنها قادرة على الفوز في الانتخابات، وحين تخسر فهي قادرة على تخريبها والطعن فيها.
لكن هناك أيضاً «لا ليبرالية» اليسار، ويجسّدها شطط حركة «أنا أيضاً» وتجاوزاتها التي دمّرت حيوات الناس، ومعاداة السامية بين بعض زعماء «مسيرة النساء»، وبيداغوجيا «مناهضة العنصرية» التي تصوّر الأشخاص الذين لا يتفقون مع نظرتها «المانوية» للعالم على أنهم عنصريون مفترضون، وإلغاء الوظائف وعقود الكتب والخطابات والآراء المعارضة في أماكن مثل «سلايت» ومطبوعات أخرى يفترض أنها ليبرالية. ويجدر بكل شخص على اليسار لم يلاحظ مناخ الخوف الذي بات يسيطر الآن على المؤسسات الليبرالية أن يبدأ في إيلاء ذلك انتباهاً أكبر.
والواقع أن «اللا ليبرالية» الجديدة مخيفة، لكنها يمكن أن تكون مفيدةً كذلك، إذ أن كل من اكتوى بنارها، يساراً أو يميناً، يعيد الآن اكتشاف مدى رحابة العقيدة الليبرالية القديمة، وتفاهة خلافاتها الداخلية حقاً، وكم من الأشياء المشتركة يمكن أن تجمعهم بأشخاص كانوا يعتبرونهم في الماضي أضداداً أيديولوجيين.
هذا ليس حزباً سياساً بعد، لكن يمكن أن يكون بذرة حزب. فأميركا تحتاج حزباً ليبرالياً يمثّل ما كانت عليه في الماضي، وما هي في حاجة ماسة لأن تكون عليه من جديد.

شاهد أيضاً

الصفدي: الأردن لن يكون ساحة للصراع بين إيران وإسرائيل

الشرق اليوم- صرّح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، اليوم السبت، أن بلاده لن تكون ساحة …