الرئيسية / مقالات رأي / Project Syndicate: إعادة بناء عالم تسوده المساواة

Project Syndicate: إعادة بناء عالم تسوده المساواة

الشرق اليوم- قبل خمسة وسبعين عاما، أصدر ميثاق الأمم المتحدة نداءً واضحا للعمل الجماعي لمواجهة التحديات الجديدة التي يفرضها عالم مترابط، واليوم، أصبح عالمنا مترابطا أكثر من أي وقت مضى، ومع ذلك فإن ظاهرة عدم المساواة المتفشية تقلل من تقبلنا للعمل الجماعي الذي نحتاجه.

لقد كشفت جائحة كوفيد19 عن مجموعة واسعة من التفاوتات وضاعفتها، وإذا كان القادة جادين في “إعادة البناء بصورة أفضل”، يجب أن يضعوا السياسات للتغلب على القوى النظامية التي تكمن وراءها في قلب أجنداتهم.

وتتجلى إحدى حالات هذه التفاوتات في الفجوة بين الجنسين، فمنذ أن بدأ الوباء، عانت النساء من فقدان الوظائف بمعدل أعلى من الرجال- لأسباب ليس أقلها أنهن يمثلِن نسبا مفرطة في العديد من الصناعات الأكثر تضررا، مثل الخدمات الغذائية وتجارة التجزئة- وواجهن مستويات أعلى من الهشاشة الاجتماعية وانعدام الأمن الغذائي، ومن المتوقع أن يؤدي الوباء إلى زيادة الفجوة بين الجنسين في حالة الفقر المدقع أيضا.

وفضلا عن ذلك، أشار المفكرون من الحركة النسائية مثل (سيلفيا فيديريتشي)، أن عبء العمل المنزلي- الذي تتحمله النساء بالفعل بصورة غير متناسبة مع غيرهن- أصبح أثقل بكثير خلال عمليات الإغلاق بسبب الوباء، وفي الوقت نفسه، عادة ما تكون النساء ضحايا للعنف المنزلي، الذي أصبح أكثر تواترا وشدة منذ أن بدأ الوباء.

وليس من المستغرب أن المرأة عانت في صحتها العقلية بصورة غير متناسبة مع غيرها خلال العام الماضي، وكان عبء الوباء ثقيلًا بصورة خاصة على النساء اللائي يتعرضن أيضا لأشكال أخرى من التهميش على أساس العرق، أو العمر، أو وضعهن كمهاجرات.

وعلى نطاق أوسع، أدى الوباء إلى توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وشهد عدد قليل من أصحاب المليارات ارتفاعا هائلا في ثروتهم خلال العام الماضي، في حين واجه العمال الأقل مهارة خسائر أكبر بكثير في الوظائف والأرباح مقارنة بالعمال ذوي المهارات العالية، وتمكنت الشريحة العشرية الأعلى دخلاً، التي يتألف جزء كبير منها من العمال الذين تمكنوا من العمل عن بعد أثناء الوباء، من زيادة مدخراتهم، في حين أن العديد من العمال المسَرحين اقترضوا ليظلوا صامدين، مما أدى إلى زيادة عدد الأشخاص المثقلين بالديون، أو الذين لديهم القليل من المدخرات.

وعلى المستوى العالمي، كانت هناك اختلافات شاسعة بين قدرة البلدان المتقدمة والبلدان النامية على الاستجابة لأزمة كوفيد19، وحشدت الاقتصادات المتقدمة، ما متوسطه 25% من ناتجها المحلي الإجمالي للتخفيف من آثارها، مقارنة بـ7% في البلدان النامية، و1.5% فقط في البلدان الأشد فقراً، وبينما قد يتم تلقيح سكان البلدان الغنية بالكامل بحلول منتصف عام 2022، فإن أكثر من 85 دولة فقيرة لن تصل إلى اللقاحات على نطاق واسع قبل عام 2023.

وفي هذا السياق، يجب أن يعني “إعادة البناء بصورة أفضل” إنشاء اقتصاد يصلح للجميع، وهو ما أطلق عليه الرئيس الأمريكي آنذاك، باراك أوباما، في عام 2013 “التحدي الحاسم لعصرنا”، ولكن المسألة ليست مجرد تمكين أولئك الذين “تخلفوا عن الركب” بسبب العولمة، من خلال توفير المزيد من الموارد للتعليم والتدريب وبناء القدرات. إن هذا “الحل” المعتمد على نطاق واسع يستند إلى افتراضات وردية بشأن النظام العالمي المعاصر، ولكنها معيبة للغاية.

وفي الواقع، تتطلب معالجة أوجه عدم المساواة الحالية تقييما أكثر شمولاً، وانتقادات للقوى النظامية الأساسية، فالتأثير غير المتناسب للوباء على النساء، على سبيل المثال، هو نتيجة مباشرة للقواعد والمعايير الأبوية الراسخة بعمق، والتي تُديم الهياكل المجزأة في المنزل وسوق العمل، وأماكن العمل.

وبسبب هذه القواعد والأعراف، عندما تتدهور البنية التحتية للرعاية، تتحمل النساء الركود، وعندما تكون الوظائف نادرة، تخسر النساء أكثر من غيرهن، ثم تُجبَر العديد من النساء على العمل غير المستقر، حيث يتعرضن للعنف الجسدي والجنسي، ولذلك، حتى إن حطم عدد قليل من النساء الحواجز غير المرئية، تبقى غالبيتهن على الأرض ليزلن الشظايا المكسورة.

إن المبادرات التي تهدف إلى تمكين المرأة في النظام الحالي هي بالتأكيد أساسية، ولكن أي شيء قريب من المساواة الحقيقية سيتطلب منا معالجة الآثار الخبيثة لديناميكيات السلطة الأبوية، وهذا يعني تحدي النظام الذي تترسخ فيه وإصلاحه.

وينطبق الشيء نفسه على سد الفجوات بين الأغنياء والفقراء، داخل البلدان وفيما بينها، وكما جادل الخبير الاقتصادي الحائز جائزة نوبل، جوزيف إي ستيغليتز، فإن قواعد اللعبة مصممة لتقوية موقف البلدان التي تقبع بالفعل في قمة سلم التنمية، وكبح تلك التي تعرف نموا أقل.

أفادت تلك القواعد الدائنين على حساب المدينين، وأثارت المضاربة بدلاً من الاستثمار المنتج، وأدت حقوق الملكية الفكرية وغيرها من الممارسات التجارية التقييدية إلى زيادة القوة السوقية للشركات الدولية الكبرى، بما في ذلك عمالقة التكنولوجيا، على حساب الموردين والمستهلكين الأصغر، مما يقوض الابتكار.

ومكّنت قواعد اللعبة الشركات الكبرى من إخفاء أرباحها في الملاذات الضريبية، بدلاً من دفع نصيبها العادل أو السعي وراء استثمار يولد فرص عمل، وأدى التأثير على الإيرادات الحكومية إلى إضعاف قدرة الدولة على توفير السلع العامة، وتصحيح إخفاقات السوق، بل حتى تلبية الاحتياجات الملِحة للمواطنين أثناء الأزمات.

والأسوأ هو أن الإدراك المتزايد بأن اللعبة مزيفة قد أدى إلى تراجع ثقة عامة الناس في المؤسسات، وأدى إلى التشرذم السياسي والاستياء الاجتماعي، وأدى إلى تعميق انعدام الثقة بين البلدان، وتعكس أزمة كوفيد19 عواقب هذه الاتجاهات بما في ذلك الشك في اللقاحات ونقص التنسيق الدولي.

وقبل خمسة وسبعين عاما، أصدر ميثاق الأمم المتحدة نداءً واضحا للعمل الجماعي لمواجهة التحديات الجديدة التي يفرضها عالم مترابط، واليوم، أصبح عالمنا مترابطا أكثر من أي وقت مضى، ومع ذلك فإن ظاهرة عدم المساواة المتفشية تقلل من تقبلنا للعمل الجماعي الذي نحتاجه، ويتطلب عكس هذا الاتجاه معالجة ديناميكيات القوة غير العادلة المضمنة في النظام الاقتصادي العالمي.

لقد قال سيمون دي بوفوار محذراً: “لا تقامروا بالمستقبل، تصرفوا الآن دون تأخير”.

شاهد أيضاً

إسرائيل تختار الصفقة بدلاً من الرد الاستعراضي

بقلم: علي حمادة – صحيفة النهار العربي الشرق اليوم– تجنبت ايران رداً إسرائيلياً استعراضياً يفرغ …