الرئيسية / مقالات رأي / الأحادية الأمريكية بين الثبات والتغير

الأحادية الأمريكية بين الثبات والتغير

بقلم: ناجي صادق شراب – صحيفة إيلاف

الشرق اليوم- يزداد الحديث عن احتمالات وسيناريوهات السمو الأميركى، وهل يبقى هذا القرن قرنًا أميركيًا، أم يشهد تحولات في بنية النظام الدولى لتفسح الولايات المتحدة المجال للصين وروسيا لتزاحماها على قمة النظام الدولي؟ وهل تسمح أميركا ليس فقط بمشاركتها في صناعة القرار الدولى، بل بالأعتراف رسميًا بهذا الدور؟

تاريخيًا، السمو الأميركى بدأ مع نهاية القرن العشرين، وهنا ساهمت ثلاثة عوامل في هذه الأحادية الأميركية: أولها مع انهيار الاتحاد السوفياتي وهزيمة الشيوعية، لم تعد الولايات المتحده تواجه مشروعًا أيدولوجيًا عالميًا يمكن أن ينافسها؛ ثانيًا، مع تفكك الاتحاد السوفياتي وتجزئته وانهيار مؤسساته الأمنية والاقتصادية، لم يعد يوجد بديل للولايات المتحده أمنيًا واقتصاديًا. العامل الثالث هو نشر القيم الديمقراطية وتبنيها من خلال العديد من المنظمات والحركات الإنسانية.

يمكن أن نضيف عاملًا رابعًا هو القدرات الإنتاجية والعلمية والعسكرية والنووية للولايات المتحدة. اليوم، هذه المحددات لم تعد قائمه بقوة، وبدأت تبرز تحديات جديدة أبرزها صعود النموذج الصينى كمنافس حقيقى وخصوصًا بعد نجاح الصين في مواجهة وباء كورونا والفشل الأميركي بأكثر من سبعة ملايين إصابة وأكثر من مئتي ألف وفاة، وقوة روسيا المزاحمة والمنافسة في العديد من مناطق النزاع حيث أصبح القرار الروسي حاسمًا فيها. ولم يعد النموذج الليبرالي هو الوحيد، فظهرت أنظمة الحكم الشمولية، وبرز أكثر من نموذج أمام دول العالم خصوصًا الصيني الذي يقوم على مبدأ الإنجاز والقدرة. هذا إلى جانب التحديات الداخلية التي بدأت تواجهها الولايات المتحده ببروز الشعبوية والقومية الأميركية الجديدة، والانكفاء نحو الداخل وتنامي الأحتجاجات الاجتماعية بشكل غير مسبوق، وبدء التشكيك في قوة نموذج الأمة الأميركية الواحدة.

الملاحظ أن قيادة الولايات المتحدة باتت محل نقاش وتشكيك، وإن كانت الولايات المتحدة ما زالت تملك من القوة ما يؤهلها للتتمسك بقيادتها العالمية، وفرض قرارها الدولى، وتحكمها في العديد من المنازعات والتطورات الدولية. ومن الصعب الحديث عن تدهور دائم للولايات المتحدة، في الوقت الذى تتجاوز فيه نفقاتها العسكرية نفقات منافسيها السبعة الأخرين، وامتلاكها شبكة من القواعد العسكرية في العديد من الدول، ما يضمن لها دورًا في خلق وحفظ السمو الأميركى حتى اللحظة.

لا توجد دولة حتى الآن يمكن أن تقدم ضمانات أمنية حقيقية للنظام الدولى كالولايات المتحدة. ويلاحظ اليوم تراجعًا في الموازانات العسكرية والنفقات الدفاعية. ولا شك في أن انهيار الأتحاد السوفياتى أغلق باب الشيوعية اللينينية كنموذج أيديولوجي عالمي، إلى جانب آلياتها كحلف وارسو وأوروبا الشرقية التي تحولت إلى حلف الناتو والأتحاد الأوروبى والشركات العابرة.

معظم هذه التحولات ذهب في اتجاه الولايات المتحدة. وحتى منتصف التسعينيات، ساد النموذج الليبرالى ومؤسساته المرتبطة بواشنطن. اليوم، تقدم قوى عظمى أخرى تصورات ورؤى منافسة للنظام العالمي، والذى لم يعد حكرًا على الولايات المتحدة، خصوصًا الأنظمة الأتوقراطيه التي تحاول أن تستميل الدول الضعيفة. هذا ولم تعد المنظمات الدولية حكرًا على السمو الأميركى، وبرزت شبكة جديدة من المنظمات الأقليمية والمؤسسات المدنية العابرة للحدود التي تنافس النفوذ الأميركى.

غيرت هذه التحولات الخارطة الجيوسياسية في منتصف السبعينيات، عندما تعهد الرئيسان الصينى جيانج زيمين والروسى بوريس يلتسين تشجيع نظام أكثر تعدديه للعالم، وإقامة نظام دولى جديد. هذا الأعلان يعتبر لحظة فارقه للتعاون بين روسيا والصين بعد سنوات من عدم الثقة، فهما تتحدان اليوم في منازعة النظام الليبرالى للنظام الدولى، وتحاولان إعادة بناء نظام دولى جديد من خلال مؤسسات وآليات جديدة. ويبدو التوافق بينهما في الأمم المتحدة وفى التصويت في مجلس الأمن وفى المبادرات المقدمة. وهما أستخدمتا الفيتو ضد كل المشاريع التي تقدمها أميركا والغرب بشأن قضايا مثل سوريا وإيران. وبين عامي 2006 و2018، صوتت الدولتان بنفس الموقف بنسبة تصل إلى 86 في المئة، مقارنة بنسبة 87 في المئة بين عامي 1991 و2005، على النقيض الصين والولايات المتحده اللتين توافقتا منذ عام 2005 على 21 في المئة من العمليات التصويتية.

ليست الصين وروسيا فقط من تريدان جعل السياسة العالمية أكثر تأييدًا وقبولًا للنظم غير الديمقراطية، وأقل سموًا للنظام الأميركى. فبنك الصين يمنح القروض للعديد من الدول الأفريقية والعالم النامى. ولعبت الصين دورًا مهمًا في أزمة 2008 المالية، وقدمت القروض ومساعدات الطوارئ التي ساهمت في تخفيف القيود على الدول التي لها سجل في انتهاك حقوق الأنسان.

إلى جانب ذلك، يبرز العديد من الحركات اليمينية والشعبوية وحتى الشيوعية في الغرب، وكلها يدفع في اتجاه تراجع السمو الأميركي في النظام العالمى. ويبدو أن هذا النظام دخل في مرحلة تنافس حقيقى مصحوب بالتهديد بين الولايات والصين، ما قد يبنئ بمواجهة عسكرية وبدء حرب باردة تؤكد أن النظام الدولى يتجه نحو التحول، لكن من السابق لأوانه الحديث عن فقدن السمو والرعاية والتفوق الأميركي،ـ وإن تراجع بعض مظاهر هذا السمو. فما زالت الولايات المتحدة الأقوى في العالم، بكل معايير القوة الشاملة وخصوصًا العسكرية والنووية والاقتصادية. وتحتاج عملية التحول إلى فترة من الزمن لتتبلور معالمها النهائية، وإلى معرفة الإجابة عن السؤال: هل تنجح إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الذى يتبنى شعار عودة أميركا في استعادة هذا الدور العالمى؟ الأجابة ليست سهلة في عالم تحكمه موازين وقوى عالمية وإقليمية جديدة.

شاهد أيضاً

أميركا إذ تتنكّر لتاريخها كرمى لعينيّ نتنياهو

بقلم: راغب جابر- النهار العربيالشرق اليوم– فيما تحارب إسرائيل على أكثر من جبهة، تزداد يوماً …