الرئيسية / مقالات رأي / سد النهضة ..ماراثون التفاوض وحلول اللحظة الأخيرة ؟

سد النهضة ..ماراثون التفاوض وحلول اللحظة الأخيرة ؟

بقلم: عثمان الدلنجاوي – صحيفة الجمهورية المصرية

الشرق اليوم- لا صوت يعلو فوق سد النهضة الذي اقترب موعد ملئه الثاني مهدداً بالعطش والفناء حياة نحو150 مليون إنسان في مصر والسودان إذا ما أخفقت المفاوضات التي هي الأطول في التاريخ دون الوصول لاتفاق ملزم بشأن ملء وتشغيل السد خصوصاً في فترات الجفاف.

 وسائل إعلام عديدة ومعها مواقع تواصل اجتماعي تحاول تصوير ما يجري بأنه أجواء حرب .. بعضها دون أن يدري يحرض على ضرب السد على طريقة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي رعت بلاده مفاوضات انتهت بانسحاب أثيوبيا بعد توقيع مصر بالأحرف الأولى على مسودة اتفاق شارك فيها الأمريكان وممثل للبنك الدولي ؛غير مبالية بعقوبات أمريكية قررتها إدارة ترامب ثم جاءت إدارة بايدن لتلغي تلك العقوبات في مسلك عجيب يثير الشكوك والمخاوف في حقيقة نوايا الإدارة الجديدة نحو مصر تماماً كما فعلت مع الحوثيين في اليمن .

التعاون والتكامل بشتى صوره هو الأمر الطبيعي بين بلدي وادى النيل..لكن البعض ممن يسعون لتوتير الأجواء، وصب مزيد من الزيت على الموقف الملتهب يصورون الأمر على غير ذلك.. حتى إنه يحلو لهم كما قالت جريدة “رأي اليوم” اللندنية في افتتاحيتها وصف الزيارة الخاطفة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الخرطوم السبت الماضي واستغرقت عدة ساعات فقط بأنها “زيارة حرب” ورسالة قوية موجهة إلى إثيوبيا..بل ذهبت الجريدة نفسها لأبعد من ذلك حين ركزت على المشهد السياسي الداخلي لمصر قائلة: “من تابع فعاليات إحياء “يوم الشهيد” التي حضرها الرئيس السيسي في التاسع من مارس، وشاهد حالة الحماس، والبرامج الوثائقية عن بطولات الجيش المصري في جبهات القتال ضد إسرائيل… يدرك جيدًا أن القيادة المصرية ربما حسمت أمرها باللجوء إلى الخيار العسكري للتعاطي مع أزمة سد النهضة… وإن هذه الاحتفالات هي بداية التعبئة الشعبية والعسكرية تحضيرا لهذا الخيار”.

 مصر قيادة وشعباً لا ترجو الوصول لنقطة اللاعودة مع أثيوبيا التي من حقها -كما تعلن القاهرة دوماً- التنمية وتوليد الطاقة من السد كما تشاء،  بما لا يجور على حياة المصريين ومستقبلهم وحقوقهم التاريخية في نهر عظيم يراد له أن يصبح سلعة يتم بيعها لدولتي المصب واتخاذه كورقة ضغط سياسية لا علاقة لها بالتنمية من قريب ولا من بعيد وربما يتخذها الجانب الإثيوبي وسيلة للتعبئة السياسية والشعبية والتغطية على الفشل في بلد متخم بالصراعات والحروب الأهلية التي تهدد بانقسامه وذهاب ريحه، وأوضح مثال على ذلك ما يجري في إقليم تيجراي الذي تخلّى مجلس الأمن الدولى عن إصدار بيان يدعو إلى إنهاء العنف  في ذلك الإقليم الإثيوبي بسبب معارضة الصين وروسيا.

مصر ترجو السلام، و تسعى لتحقيق العيش المشترك في أمان لدول الحوض جميعاً، وتمد يد العون لهم، و تمد كذلك حبال الصبر ما استطاعت؛ حفاظاً على مقدرات الشعوب وقطعاً لطريق الفتنة والغواية التي تحاول أطراف بعينها جرجرتها إليها لاستنزافها وإضعاف شوكتها؛ وهو ما يفسر لنا لماذا لم تتطرًق قيادة مصر يوماً إلى حديث الحرب؛ فالحروب كما تدمر البنى التحتية وتستنزف الموارد تدمر العلاقات بين الدول والشعوب وتعطي الفرصة للصائدين في الماء العكر أن ينصبوا فخاخهم وشراكهم الخداعية قبل الانقضاض والمساومة ..وما الغزو العراقي للشقيقة الكويت وما أحدثه من تصدع وشق للضمير العربي وما جلبه من كوارث لأشقائنا في العراق  وما ذلك الزلزال عنا ببعيد .

ليس في عقيدة المصريين ما يدعوهم للبدء بالعدوان، ورسولنا الكريم يقول: “لا تتمنّوا لقاء العدو، وإذا لقيتُموهم فاصبروا” ..هذا الحديث وإن كان العلماء قد حملوا معناه على أن المراد: على  سبيل العجب بالنَّفس، أو الثِّقة بالنفس، ونحو ذلك..لكن المعنى الظاهر هو عدم المبادأة بالعدوان ما لم يكن فيها دفع للمضرة؛  لكن رد هذا العدوان إذا وقع أو دفعه قبل أن يقع هو أوجب الواجب ؛ فدفع الضرر مقدم على جلب المصلحة..وأي ضرر أكبر من تعطيش الملايين وإهلاك الحرث والنسل.

كثرت الأسئلة في الآونة الأخيرة: هل يؤدى التقارب بين مصر والسودان واتفاقهما على التعاون العسكري إلى تغيير أثيوبيا لموقفها المتعنت والمراوغ كسباً للوقت وفرضاً للأمرالواقع كما فعلت من قبل ،عندما بنت أديس أبابا 3 سدود مع كينيا، وسببت لها ضررًا كبيرًا، دون أن يتم الاتفاق بينهما بشكل مسبق.

 القاهرة تؤيد مطلب السودان بقبول وساطة الرباعية الدولية كآلية حاسمة للتفاوض فماذا يضير أثيوبيا إذا قبلت بها إذا خلصت نواياها.. الخرطوم تهدد بتدويل القضية واللجوء لمجلس الأمن.. الكرة الآن في ملعب أثيوبيا فليس مطلوباً منها سوى العودة لمسار التعاون الإقليمي، وقبول وسطاء دوليين أكثر حياداً وإدراكاً لخطورة نشوب حرب في القرن الإفريقي على استقرار المنطقة والقارة والعالم.

الأمم المتحدة دخلت على خط النزاع الثلاثي وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم أمينها العام إن المنظمة مستعدة للمشاركة فى عملية التفاوض، التى يقودها الاتحاد الإفريقى بشأن السد. .والسؤال : هل لدى القاهرة والخرطوم أوراق أخرى للحصول على حقوقهما المشروعة؟ ..نعم لديهما أوراق عديدة متنوعة؛ سياسية واقتصادية ودولية وإقليمية، وأولاها الإصرار على استخدام آلية الوساطة الرباعية الدولية التي تضم الاتحاد الأفريقي، الأمم المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد الأوروبي.

أما الجانب الاقتصادي فله شقان أولهما أن السدود التي عليها خلافات، لا يجوز تمويلها من الدول أو من المؤسسات المالية الدولية، وهنا يمكن للقاهرة والخرطوم في ظل تعنت إثيوبيأ أن تواصلا الضغط أمام المجتمع الدولي لتطبيق القوانين والمواثيق الدولية”..والشق الثاني –كما قال وزير الري الأسبق محمد نصر علام- يتمثل في التعاون مع دول عربية تضخ مليارات الدولارات في أثيوبيا لتمارس ضغوطها على الأخيرة حتى ترجع للمفاوضات وتقبل بحل يحفظ للجميع حقوقهم ولا يسبب ضرراً لدولتي المصب.

ويظل السؤال الأهم : هلى لدى البلدين – مصر والسودان-  خيارات أخرى، إذا أصرت إثيوبيا على الملء الأحادي..وهذا ما سوف تجيب عنه الأسابيع المقبلة.

شاهد أيضاً

أحلام مقتدى الصّدر وأوهام مناصريه

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربيالشرق اليوم– عندما يُشفى العراقيون من عقدة اسمها مقتدى الصدر يكون …