الرئيسية / مقالات رأي / النموذج الصيني

النموذج الصيني

بقلم: فارس الحباشنة – صحيفة “الدستور” الأردنية


الشرق اليوم – الصين تبرعت بمئة ألف جرعة مطعوم كورونا لتونس. ومدت أيدي العون والإغاثة الطبية لدول في العالم الثالث. فايروس كورونا ضرب الأحلاف والصداقات الكرتونية في النظام العالمي. فكل دولة سارعت لتنأى بنفسها عن الاشقاء والاصدقاء، وهي تواجه فايروسا لا يعرف الرحمة.
من أول يوم لكورونا وإعلان اكتشاف أول مصاب دخلت السياسة وصراعاتها على الخط. وتذكرون كيف هب الرئيس الأمريكي الخالع ترامب لاتهام الصين، وشيطنة الصينيين، ونعت الفايروس بالصيني، والترويج لفرضية أن الفايروس انطلق من مدينة ووهان.
ودخلت الصين في حرب سياسية وإعلامية مع واشنطن. وما يسجل لبكين أنها رغم موجة العداء الغربي والتجييش الأمريكي، وفرض عزلة كونية على الصين إلا أنها بقيت تتعامل بدبلوماسية إيجابية، ولم تقطع يد العون والإغاثة لدول العالم الثالث.
تقارير منظمة الصحة العالمية برات الصين من دم فايروس كورونا. ولجان التفتيش الطبي التي وصلت لووهان، عتقت بتقارير طبية دقيقة رقبة الصين من خطيئة الفايروس، والاتهام الغربي لمحاولة توريط بكين في مسؤولية قانونية وأخلاقية وإنسانية بأزمة فايروس كورونا، وما لحق الكرة الأرضية والبشرية من خراب وفوضى وموت، وفقر وجوع، وحصارات وبائية.
بينما واشنطن استغلت كورونا لضرب يد الصين، ومد يدها لتسيطر على سوق الأدوية في العالم، واحتكار إنتاج لقاح كورونا، وولادة أسواق سوداء لبيع اللقاح، وحرمان الدول الفقيرة والهامشية من الحصول على حصتها من اللقاح، فإن بكين فتحت ذراعيها لتكون أما حنونة للدول العاجزة عن تأمين لقاح لمواطنيها، وبعثت بعشرات الملايين من اللقاحات المجانية لدول أفريقية وأسيوية ولاتينية.
منافسة شرسة يعيشها العالم بين واشنطن وبكين، والرئيس الأمريكي الأسبق ترامب أدرك التقدم الصيني المذهل، ونمو الاقتصاد الصيني في مختلف المجالات العلوم والاتصالات والصناعة، وعلوم الفضاء، والانتاج والتصنيع العسكري، ومجالات الطاقة.
في زيارة سابقة للصين، والتقيت سياسيين ومقربين من «مراكز صنع القرار»، وكانوا يتحدثون بقوة وجاش عن الصين الجديد، وثنائية الصراع الصيني – الأمريكي في العالم. ويدركون أن بلادهم ستواجه تحديات كبرى لإكمال مسيرتها نحو النهضة الصينية والتقدم الحضاري والإنساني.
وفي سياق ذلك، زرت إقليم الاليغور، والتقيت بمواطنين مسلمين صينيين، وسمعت لروايات حية تكذب وتدحض ما يثار في الإعلام الغربي عن قضية الإيغور مسلمي الصين، وما يتدفق مع تقارير في الإعلام الغربي والأمريكي والتركي كاذبة ومضللة وغير دقيقة عن حقيقة أوضاعهم، وما يتمتعون من حقوق مواطنة كبقية الشعب الصيني، وإقليم الإيغور تدشن به الحكومة مشاريع تنموية وصناعية وزراعية كبرى.
في المعادلة السياسية والانسانية الصينية فإنها تجاهر في دعم الدول الفقيرة والهامشية في العالم، وتجاهر بدعم الاستقلال والسيادة الوطنية للدول، واستقلالها سياسيا واقتصاديا. والصين تقف اليوم مهتمة بالتوسع والنفوذ عن طريق التجارة وليس الحروب والعنف والاستعمار كمعظم الإمبراطوريات التاريخية.
الغرب ابتدع من العولمة طريقا لإعادة السيطرة واستعمار دول الجنوب. وطورتها أمريكا لاعادة صياغة العولمة على نمط حياة واستهلاك وتفكير وإعلان وإعلام، واستحقت أن تكون عولمة أمريكية بحتة. وعولمة أمريكا فشلت في ابتلاع وجر الصين لحضنها.
اليوم الصين دولة عظمى. والصين تزرع قيم عادلة ووازنة لحقوق الإنسان في النظام العالمي. قيم تتجاهل ما زرعه الغرب من قيم لعولمة أدت إلى زيادة الفجوة بين الشرق والغرب، والصراع الحضاري، وتدمير الاقتصاديات الوطنية في دول الجنوب، والتبعية السياسية والاقتصادية لأمريكا والغرب والارتهان لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وبيع مدخرات الأوطان، وسياسة إنتاج الحروب والصراعات والفوضى العدمية، ومحو الهويات الوطنية الثقافية والحضارية.
وهذا ليس غريبا على دولة دشنت مبادرة «الطريق والحزام»، مبادرة قاتلة للمسافات ومقربة بين الشعوب، وتمتد طريق المبادرة عبر شبكة مشاريع نقل ومواصلات وتقارب ثقافي وإنساني من أقصى آسيا إلى الغرب الأوروبي. والصين تقدم عونا صحيا وخدمة اجتماعية وصحية لدول الجنوب، والصين لا تقدم سلاحا ليتقاتل به أولاد العمومة والجيران، وتقدم بكين معولا ومحراثا وجهاز ري وتقطير، ومصنعا صغيرا لتشغيل أيد عاملة وتدوير الانتاج والاقتصاد، وتقدم مركزا للابحاث الزراعية والتكنولوجية والبيئة، ولا تتدخل في قرارات الدول وسيادتها.
الصين توزع اللقاح على دول العالم الثالث بعدالة وبالمجان. والعالم ما بعد كورونا حتما سيكون مختلفا. حماقة وعنجهية ومركزية الرجل الأبيض جعلت من الساسة وشركات الأدوية في الغرب يحتكرون اللقاح، ومنع توزيعه بعدالة على شعوب العالم.
في غمرة أزمة كورونا تتحمل الصين واجبا ومسؤولية إنسانية عظيمة إزاء دول الجنوب، وقد عبرت عمليا عن التزامها الأخلاقي بتقديم الخدمة والرعاية الصحية والاجتماعية للدول الفقيرة، والأهم فوق كل ذلك توزيع اللقاح بعدالة.

شاهد أيضاً

الأردن: معركة محور التّطرف!

بقلم: محمد صلاح – النهار العربي الشرق اليوم- ليس سراً أن مصر والأردن خسرا كثيراً …