الرئيسية / مقالات رأي / سدّ النهضة… هل يبقى النّيل أزرقَ؟

سدّ النهضة… هل يبقى النّيل أزرقَ؟

بقلم: سميح صعب – النهار العربي

الشرق اليوم- للمرة الأولى منذ بدء أزمة سد النهضة بين إثيوبيا من جهة، ومصر والسودان، من جهة ثانية، تكثف القاهرة والخرطوم تنسيقهما السياسي والعسكري إلى هذه الدرجة، في محاولة لمواجهة مضي أديس أبابا في خططها الرامية إلى تنفيذ المرحلة الثانية من ملء خزان سد النهضة على النيل الأزرق.  

وقد وصلت المفاوضات الثلاثية والثنائية مع إثيوبيا إلى طريق مسدود. وأخفق الاتحاد الإفريقي في وساطته. وأخفقت الولايات المتحدة في إقناع إثيوبيا بإرجاء قرارها بدء المرحلة الثانية من ملء الخزان المقررة مبدئياً في تموز (يوليو)، إلى ما بعد التوصل إلى تسوية مقبولة في هذا الشأن مع مصر والسودان.

القلق المشترك من تبعات الخطوة الإثيوبية، حمل مصر والسودان على طلب وساطة رباعية برئاسة الاتحاد الإفريقي وعضوية الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. لكن أديس أبابا، على جاري عادتها في التعاطي مع هذه القضية، ترفض فتح الباب أمام أي وساطات دولية، وتتمسك بمفاوضات ثنائية مع كل من مصر والسودان على حدة أو بمفاوضات ثلاثية. 

وإذا كانت المرحلة الأولى من ملء خزان السد، مرت العام الماضي من دون أن تثير رد فعلٍ كبيرٍ، فإن المرحلة الثانية، تبدو محفوفة بالمخاطر، وتنذر بردود مصرية وسودانية قد لا تبقى محصورة في حيز التهديد الكلامي فحسب.

والاتصالات المصرية-السودانية على أعلى المستويات، التي توجت بزيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للخرطوم ولقائه رئيس المجلس السيادي الحاكم الفريق أول عبدالفتاح البرهان قبل أيام، وتبادل الزيارات بين وزيري الخارجية ورئيسي أركان البلدين، والمناورات العسكرية المشتركة، كل هذه التحركات، توحي بأن مصر والسودان عازمان على توحيد موقفيهما من مسألة السد، بعدما كان برز بعض التباين في موقفيهما في الماضي حيال بعض النقاط، ما شجع أديس أبابا على اللعب على وتر هذا التباين.

وإذا ما أضيفت التحركات المصرية-السودانية، إلى مناخات التوتر والمناوشات السائدة على الحدود السودانية-الإثيوبية، خصوصاً عقب الحرب التي شنها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على إقليم تيغراي المجاور للسودان، فإن احتمالات اندلاع نزاع عسكري، لا تعود مستبعدة بالمرة.

لكن في إثيوبيا، يجعل آبي أحمد من السد قضية قومية توحد الإثيوبيين من حوله، لا سيما بعد حربه على تيغراي واستعانته بإريتريا، العدو القديم لإثيوبيا في هجومه على “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”، التي حكمت البلاد لأكثر من 20 عاماً على رأس تحالف فضفاض من القوميات والأحزاب الإثيوبية.

ومن أجل التغطية على المجازر التي ارتكبتها القوات الإثيوبية الفدرالية والقوات الإريترية في تيغراي، على ما أفاد أكثر من تقرير للأمم المتحدة ولمنظمات حقوقية دولية، يدفع آبي بقضية سد النهضة، كعامل توحيد بين القوميات الإثيوبية.

ومن غير الوارد بالنسبة إلى آبي أحمد الطامح إلى زعامة إفريقيا، وليس زعامة إثيوبيا فقط، والساعي إلى لعب دور إقليمي واسع، التراجع أمام الضغوط المصرية-السودانية. وعليه، ترجح كفة ذهاب الأمور إلى صدام عسكري. وكان لافتاً العام الماضي صدور تحذير للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قال فيه إن المصريين قد يعمدون إلى تفجير السد. وأتى هذا التحذير عقب فشل الوساطة الأميركية. 

الآن، ومع مضي إثيوبيا في رفض الوساطات أو حتى إرجاء المرحلة الثانية من ملء السد، التي جعلها آبي أحمد، مسألة حياة أو موت بالنسبة الى الإثيوبيين، ومع رفض مصر والسودان على الضفة المقابلة “أي إجراءات أحادية تهدف لفرض الأمر الواقع والاستئثار بموارد النيل الأزرق”، تحتدم نُذر مواجهة قريبة، إلا إذا أصغى الزعيم الإثيوبي لصوت العقل وأفسح في المجال أمام الوساطات والحلول الوسط.

إن مسألة سد النهضة تشكل تحدياً آخر للسيسي بعد الملف الليبي، وهو يدرك أن نجاح مصر في التعاطي مع هذه المسألة البالغة الحيوية بالنسبة الى مصر، يتوقف كثيراً على التنسيق والتعاون مع السودان. كما أن المساندة العربية عموماً لمصر والسودان تعتبر أيضاً عاملاً مهماً، قد يساعد في تليين موقف آبي أحمد.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …