الرئيسية / مقالات رأي / إيران: مسلسل التنازلات الأمريكية يتسارع

إيران: مسلسل التنازلات الأمريكية يتسارع

بقلم: علي حمادة – النهار العربي

الشرق اليوم- بدأ مسلسل التراجعات الأميركية الخطرة أمام إيران، فبالإضافة الى إبلاغ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن جميع الأطراف المعنية بالاتفاق النووي الإيراني عن تصميمها على العودة الى الاتفاق، ثم مسارعة الإدارة الى تفويض الشركاء الأوروبيين الدعوة الى اجتماع غير رسمي مع إيران تحضره الولايات المتحدة للبحث في مسألة الاتفاق النووي، الأمر الذي رفضته إيران معتبرة أن العودة الى الاتفاق لا تحتاج الى اجتماعات، بل إلى مسارعة واشنطن لرفع العقوبات عن إيران كمقدمة للعودة الى الاتفاق من جميع الأطراف.

ولكن التراجع الأهم الذي أتى بعد مسلسل التحرشات الإيرانية بالقواعد والمنشآت الأميركية من خلال استهدافها بالصواريخ، وبدء طهران رفع منسوب تخصيب اليورانيوم، ومنع التفتيش المفاجئ على المنشآت النووية الذي تقوم به فرق “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”. فقد عمدت واشنطن الى المباشرة بالإفراج عن أرصدة إيران المحتجزة في الخارج، وذلك بسماحها للعراق بالإفراج عن مليار دولار عائدة لإيران محتجزة في مصارفها، أضف الى ذلك قيام كوريا وسلطنة عمان بالإفراج عن أرصدة إيرانية بلغت ملياري دولار بعد استحصالهما على موافقة الولايات المتحدة. وهكذا تحصل طهران هذا الأسبوع على ثلاثة مليارات دولار دفعة واحدة بموافقة الإدارة الأميركية التي تعتبر أنها تقدم لإيران بادرة حسن نية للعودة الى الاتفاق النووي. 


هنا لا بد من التذكير بأن لدى إيران اصوالاً محتجزة في الخارج تقدر بأربعين مليار دولار موزعة كالآتي: 


– 20 مليار لدى الصين.
– 7 مليارات لدى الهند.
– 6 مليارات لدى كوريا الجنوبية.
– ملياران لدى العراق.
– نصف مليار لدى اليابا.

وثمة من يعتقد في القطاع المصرفي الدولي أن الأرصدة المجمدة أكبر بكثير، وتصل الى حدود مئة مليار دولار. وقد توافق إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على الإفراج عن أرصدة أخرى، في حال حصول تقدم في التفاهمات مع إيران حول العودة الى الاتفاق النووي. وتنتظر الإدارة الأميركية ومعها الشركاء الأوربيون أن يتقدم وزير الخارجية الإيراني، وهو المدلل في الغرب، محمد جواد ظريف كما قال بـ”خطة عمل بناءة ملموسة عبر القنوات الدبلوماسية” من أجل تسريع العودة الى الاتفاق النووي. وخصوصاً في ظل الحماسة الكبيرة التي يبديها الأوروبيون، وحتى إدارة بايدن للعودة الى الاتفاق، من دون أن يوحوا بأنهم حقاً سيتوقفون عند الشق الآخر المتعلق بمعالجة هواجس الحلفاء في المنطقة، لجهة تطوير برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، والتدخلات العسكرية في أنحاء الشرق الأوسط. هذا من دون الأخذ بعنصر البرنامج النووي العسكري السري الذي ما توقف يوماً حتى بعد التوقيع على الاتفاق النووي سنة 2015. 


وللدلالة على حماسة الشركاء الأوروبيين، ما نقله موقع الرئاسة الإيرانية عن وزير الخارجية الإيرلندي سيمون كوفني قوله خلال اجتماعه البارحة بالرئيس حسن روحاني في طهران موفداً من مجلس الأمن للعب دور مسهل لتنفيذ قرار المجلس الرقم ٢٢٣١ الذي وضع إطاراً قانونياً للاتفاق النووي الذي أبرم بين مجموعة الـ٥+١ وإيران: “أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق كان خطأ تاريخياً، وأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مصممة على العودة الى الاتفاق”. 
كل ذلك فيما لا يتوانى المسوؤلون الإيرانيون، وفي مقدمهم الرئيس حسن روحاني في انتقاد الأروربيين، معتبرين أنها لم تحترم التزاماتها عندما انزلت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب العقوبات بإيران، بل إنها خضعت له بشكل عام. 


غير أن المشكلة لا تتوقف عند تصميم الرئيس بايدن على العودة الى الاتفاق، وعلى البحث عن “إخراج” للعودة، بل إن الأمر يتعلق أيضاً بالتوتر الكبير الحاصل في الشرق الأوسط على خلفية التراجعات المستمرة للأميركيين أمام الإيرانيين، والمخاوف المتزايدة لدى حلفاء أميركا العرب والإسرائيليين من استغلال إيران الفترة الرمادية الراهنة من أجل التسريع في البرنامج النووي العسكري، وصولاً الى انتاج القنبلة النووية. وهذا ما لم تقبل به إسرائيل، حتى لو اقتضى الأمر أن تواجهه لوحدها من دون الولايات المتحدة. ففي الوقت الذي تواصل إيران التحرش بالمملكة العربية السعودية عبر إطلاق مئات الصواريخ والمسيّرات من اليمن في اتجاه المدن والمنشآت السعودية، تتواتر أنباء عن قيام إيران بنشر أنظمة دفاع صاروخية مضادة للطائرات والصواريخ في محيط عدد من المنشآت النووية الحيوية في الداخل. كما أن الإسرائيليين يرصدون نشر “حزب الله” صواريخ دقيقة في اتجاه إسرائيل انطلاقاً من لبنان، وتخزين كميات منها في المدن والأحياء السكنية في أنحاء عدة من لبنان. كل ذلك إيذاناً باحتمال فتح جبهة لبنان في حال نشوب نزاع مسلح بين إسرائيل وإيران. 


ولعله من المفيد التوقف عند تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس الأخيرة الذي رفع من وتيرة التصريحات التهديدية إزاء إيران قائلاً: “إن الجيش الإسرائيلي يعدل خططاً لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية”. مضيفاً: “إذا أوقفهم العالم قبل ذلك فهذا جيد جداً. ولكن اذا لم يفعل فعلينا أن نكون مستقلين، وعلينا أن ندافع عن أنفسنا”. 


وهنا، من المفيد أيضاً التوقف عند رد وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي الذي قال: “إن إسرائيل تعلم أن ردنا على أي تهور سيكون تدمير حيفا وتل أبيب”. ويوضح: “أن تدمير حيفا وتل أبيب تحول الى خطة بإنتظار إشارة من المرشد (علي خامنئي) لتنفيذها، وسنسوي حيفا وتل أبيب بالأرض في حال ارتكاب إسرائيل أي حماقة ضد إيران”.


كل ما تقدم يؤشر الى أننا اليوم أمام سباق بين عودة أميركا وإيران الى الاتفاق النووي مع فتح مفاوضات جدية حول بقية الملفات، وبين أن تتأخر المسألة الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في حزيران (يونيو). عندها يمكن أن تشتعل المنطقة، لا سيما أن التنافس بين المحافظين والإصلاحيين على الرئاسة يتخذ من بند العودة الى الاتفاق النووي رهينة في المعركة. والأميركيون ومعهم الأوروبيون يمكن أن يعملوا على دعم مرشح إصلاحي (يمكن أن يكون محمد جواد ظريف) من خلال تقديم تنازلات سريعة للعودة الى الاتفاق النووي، تزامناً مع رفع العقوبات الأميركية وتحرير أكبر قدر من الأرصدة الإيرانية في الخارج قبل موعد الانتخابات. في الانتظار ستعيش المنطقة مرحلة من تحبس فيها أنفاسها. 

شاهد أيضاً

رهان أمريكا على الهدنة

بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج الشرق اليوم- فرضت غزة نفسها بقوة على صانع القرار …