الرئيسية / مقالات رأي / وساطة الأمم المتحدة في نزاع سد النهضة.. الماهية والمآل

وساطة الأمم المتحدة في نزاع سد النهضة.. الماهية والمآل

بقلم: أيمن سلامة – سكاي نيوز

الشرق اليوم- دَخل الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة على خط النزاع المستفحل بين الدول الثلاثة مصر والسودا، وأثيوبيا حول أكبر سدود أفريقيا قاطبة “سد النهضة”، حيث أبدي الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، أمس الجمعة لوزير الخارجية المصري سامح شكري استعداده للتوسط بين أطراف النزاع.

ويأتي هذه التطور مواكبا للرعاية الحالية لمنظمة الاتحاد الإفريقي للنزاع، بالنظر لكونها التنظيم الإقليمي المعني بتسوية النزاعات الإفريقية وفقا للفصل الثامن من ميثاق منظمة الأمم المتحدة، فضلا عن الميثاق التأسيسي لمنظمة الاتحاد الإفريقي.

وَصَفت المادة 97 من ميثاق منظمة الأمم المتحدة بأنه “الموظف الإداري الأكبر في المنظمة”، بَيد أن ذلك التوصيف لا يعني أن كافة اختصاصات الأمين العام للمنظمة ذات صفة إدارية، بل يمتلك الأمين العام اختصاصات سياسية في ذات الوقت، أفردت إحداها المادة 99 من الميثاق حيث تنص على أن “للأمين العام أن ُينبه مجلس الأمن إلى أية مسألة يري أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدولي”، وهنا يتماثل اختصاص الأمين العام مع اختصاص الدولة العضو في المنظمة، حيث سبق لمصر أن نبهت مجلس الأمن بموجب المادة 35 من الميثاق إلى ذات النزاع في غرة مايو العام الماضي 2020.

يمتلك الأمين العام للمنظمة ووفقا للمادة 99 اختصاصات سياسية تنفيذية تتخطي أي اختصاص سبق أن تقررت للموظف الرئيسي في منظمة دولية، وسبق لأمناء المنظمة العمومين أن مارسوا الاختصاصات التنفيذية للأمين العام للأمم المتحدة، ومن بين الأمثلة التي مارس فيها الأمين العام هذا الاختصاص ما حصل في 25 يونيو عام 1950 عندما لفت الأمين العام نظر مجلس الأمن إلى العدوان على جمهورية كوريا، أيضا في 13 يوليو عام 1960 عندما طلب الأمين العام عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن بسبب أزمة الكونغو، ويقينا فإن قلة هذه السوابق في هذه الناحية لا ترجع إلى تكاسل الأمين العام وإنما تُعَزى إلى أن الدول عادة ما تكون أسرع إلى تنبيه مجلس الأمن إلى الأخطار التي تحيق بالسلم والأمن الدوليين إلى مجلس الأمن، ولعل التنبيه المصري لمجلس الأمن السابق الإشارة إلية، يعدا مثالا صارخا في ذلك الصدد.

يَختص الأمين العام باختصاصات سياسية عديدة، منها ما يتعلق بإدراج الموضوعات ضمن جدول أعمال أجهزه الأمم المتحدة، وإصدار تصريحات واقتراح مشروعات قرارات وتقديم تعديلات على المقترحات الأخرى، وكل ذلك زوّد الأمين العام بأساسٍ واضحٍ لمباشرة نفوذ محسوس على أجهزه الأمم المتحدة، ومن الأمثلة التي تُساق في هذا السياق تصريح الأمين العام أمام الدورة الاستثنائية للجمعية العامة في 8 أغسطس عام 1958 والذي أوجز برنامج شامل لأزمة الشرق الأوسط حين نزلت القوات الأميركية في لبنان والقوات البريطانية في الأردن.

تُخَول المادة 98 من ميثاق منظمة الأمم المتحدة الأمين العام للمنظمة صلاحية تتصل بحل النزاعات الدولية وذلك من خلال حضوره لكل اجتماعات الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وبما رُخّص له بمقتضي اللوائح الداخلية لكل من الجمعية العامة ومجلس الأمن في أن يبدي رأيه خلال مناقشات هذه الأجهزة للمسائل المدرجة في جدول الأعمال، وبما رخصت له اللائحة الداخلي للجمعية العامة من سلطة إعداد جدول أعمالها المؤقت، وما نصت عليه هذه اللائحة، وتخوله هذه اللائحة إدراج أية مساله يرى ضرورة عرضها على الجمعية العامة ولو لم يطلب إليه عرضها، وللأمين العام حق إبداء رأيه في المسائل المدرجة في جدول أعمال كل من المجلس الاقتصادي والاجتماعي بدعوة من رئيس المجلس.

يعود للأمين العام الصلاحية في استخدام الوسائل الدبلوماسية أو السياسية لمنع نشوب النزاعات الدولية أو وتصاعدها أو انتشارها، وتكون لآرائه وأفعاله أثرا مهما حين يشارك في المفاوضات والوساطة والمساعي الحميدة وإنشاء أجهزة فنية خاصة لتسوية النزاعات، فضلا عن إجراء مشاورات يومية اعتيادية مع زعماء العالم وأفراد أخرين وحضور الدورات المختلفة لهيئة الأمم المتحدة، والسفر إلى جميع أنحاء العالم، من أجل المساهمة في حفظ السلم والأمن الدوليين ومنع نشوب النزاعات الدولية وتسويتها حين تندلع، غير أن نجاحه في ذلك يتوقف على شخصيته وخبراته السياسية، وعلى قوه شخصيته ومدى تأثيره بقدرته على الإقناع وثقة الأطراف المتنازعة به.

لقد نجحت الوساطات التي تقام بها منظمة الأمم المتحدة في حالات عديدة منها تدليلا وساطة “رالف بانش” في المفاوضات التي أنهت القتال بين إسرائيل والدول العربية عام 1948، ووساطة الأمم المتحدة أيضا في النزاع على كشمير بين الهند وباكستان في جولات عديدة من نزاعات البلدين المسلحة، وتُشرك الجمعية العامة للأمم المتحدة أمينها العام في بعض حالات البحث عن حل للنزاع، فقد تمنحه تكليفا بوضع تقرير أو متابعة موضوع ما، وتكفي الإشارة في هذا الخصوص إلى التكليف الذي منحته له بشأن موضوع الجدار العازل في فلسطين، ضمن توصية أوصت بأن يظل موضوع الجدار قيد النظر.

لقد نما دور الأمين العام في مجال استخدام الوسائل السياسية لحل النزاعات نموا كبيرا إبان حقبة الحرب الباردة، بسبب عدم التوصل إلى إجماع بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، نظرا لانقسام العالم إلى كتلتين شرقية وغربية، فهذا الوضع المُعقّد خلق مجالا رحبا للعمل على المفاوضات والمساعي الحميدة والوساطة والتوفيق بين هاتين الكتلتين في النزاعات الخطيرة التي تعرض على منظمة الأمم المتحدة، وكان الأمين العام السادس للمنظمة الأممية بطرس غالي أشار في تقريره المعنون “خطة للسلام” إلى المهام السياسية والدبلوماسية المعتادة التي يمكن أن يقوم بها الأمين العام للمنظمة كقيامه بالمساعي الحميدة والوساطة في مواجهة النزاعات القائمة، كما أوصى في ذات التقرير إلى قيام المنظمة بمهمة الدبلوماسية الوقائية، والتحذير المبكر للأزمات، وتأهب قوات حفظ السلام للتدخل السريع.

من المهم بمكان إدراك مسألة جد مهمة في سياق الوساطة كوسيلة دبلوماسية غير إلزامية لتسوية النزاعات الدولية، وهي أن المقترحات التي يقدمها الوسيط بشان الحل السلمي التوفيقي للنزاع لا مُلزمة للأطراف، فالاقتراحات المقدمة من الوسيط ليست اكثر من مجرد نصيحه، ولا يملك الوسيط الدولي قرارا نافذا في مواجهة أطراف النزاع، ففي نهاية المطاف الدول هي التي تسيطر على الوسيلة الدبلوماسية للتسوية، وقرار قبول الوساطة ذاتها فضلا عن قبول أو رفض الحل التوفيقي للوسيط مرهون بإرادة أطراف النزاع، فقد سبق أن رفضت الولايات المتحدة في عام 1898 عروض الوساطة من بابا الفاتيكان والنمسا وفرنسا وبريطانيا العظمى لتسوية النزاع الذي ثار بينها وإسبانيا.

لا َضير أن تتزامن أو تتابع العديد من أشكال التسوية السلمية للنزاعات الدولية سواء كانت هذه الوسائل قضائية إلزامية أو دبلوماسية غير إلزامية ، وتمثيلا، ففي النزاع حول “قضيه لوكربي” بين ليبيا من جانب، وبريطانيا والولايات المتحدة من جانب أخر، وبالرغم من سبق اضطلاع كل من محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن بالفصل في النزاع، فقد عرضت منظمات الاتحاد الإفريقي، وجامعه الدول العربية، والمؤتمر الإسلامي، وحركة عدم الانحياز، مبادراتها المختلفة للتوسط بين أطراف النزاع ، فضلا عن دول أخرى من بينها مصر والسعودية وكندا وفرنسا وسويسرا وجنوب إفريقيا، والأخيرة عرضت من جانبها أن تكون مقرا لمحاكمة المشتبه بهما، بيد أن الولايات المتحدة وبريطانيا رفضت هذه المقترحات كلها، وبعد سبعة أعوام وجدت ليبيا أنها مُجبرة على تغيير موقفها وقبلت بالوساطة الدولية المقترحة من المملكة العربية السعودية وجنوب إفريقيا كحل وسط يقضي بمعاقبة المشتبه فيهما في بلد ثالث محايد، وحين أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1192 لعام 1998 الخاص بمحاكمات المشتبه بهما في بلد ثالث المحايد، اتخذت الترتيبات الخاصة بتقديم المشتبه بهما الليبيين أمام هيئه قضائية اسكتلندية في هولندا وبحضور مراقبين دوليين يعينهم الأمين العام للمنظمة الأمم المتحدة.

ختاما، إن سعي السودان ومصر لإشراك أطراف ثالثة أخرى من أجل تسوية سلمية للنزاع الذي طال دون أي مآل منذ عشرة أعوام، يهدف لتسريع وتيرة الرعاية التي تضطلع بها منظمة الاتحاد الإفريقي منذ العام الماضي، وإذا كانت وساطة الأمين العام للأمم المتحدة تشكل تطورا إيجابيا في ذلك الصدد، فالأمر يخضع لقبول كافة أطراف النزاع لوساطته ومقترحه التوفيقي لتسوية النزاع.

شاهد أيضاً

إسرائيل تختار الصفقة بدلاً من الرد الاستعراضي

بقلم: علي حمادة – صحيفة النهار العربي الشرق اليوم– تجنبت ايران رداً إسرائيلياً استعراضياً يفرغ …