WASHINGTON DC, DISTRICT OF COLUMBIA, UNITED STATES - 2021/01/06: Pro-Trump supporters and far-right forces flooded Washington DC to protest Trump's election loss. Hundreds breached the U.S. Capitol Building, aproximately 13 were arrested and one protester was killed. (Photo by Michael Nigro/Pacific Press/LightRocket via Getty Images)
الرئيسية / مقالات رأي / الجيش الأمريكي وغوغاء الكابيتول

الجيش الأمريكي وغوغاء الكابيتول

BY: Charles C. Krulak – Project Syndicate

الشرق اليوم-  أثار الكشف عن ضلوع العديد من الأفراد السابقين والحاليين في القوات المسلحة الأمريكية في العصيان المسلح الذي شهده مبنى الكابيتول الأمريكي، قلقا كبيرا. ومع ذلك، بصفتي جنديا قديما وقائدا متقاعدا في صفوف مشاة البحرية الأمريكية حيث أديت 53 عاما من الخدمة، فقد رأيت أحداث 6 يناير على أنها تتويج متوقع للهُوة المتزايدة بين الجيش الأمريكي والمجتمع المدني.

إنه شقاق له جذور تاريخية عميقة. إذ عندما خرجت الولايات المتحدة منتصرة من الحرب العالمية الثانية، حققت سلسلة من الأهداف الإستراتيجية المفصلة بوضوح. وسواء كان الأمريكيون يرتدون الزي الرسمي أم لا، فقد كانوا “جميعًا منخرطين”، وقدموا بشغف التضحيات اللازمة لهزيمة قوى المحور. وعندما انتهت الحرب، عاد الجنود والنساء الأمريكيون إلى بلد كان فخوراً بما أنجزوه، وموحدًا ومتشوقًا للمضي قدمًا.

وبمجرد العودة إلى الوطن، انضم العديد من قدامى المحاربين إلى منظمات مثل قدامى المحاربين في الحروب الخارجية والفيلق الأمريكي، حيث كانوا محاطين بأشخاص متشابهين في التفكير خدموا وعانوا وضحوا معًا. وكانت الوظائف وفيرة، وكان الأمريكيون يفخرون ببلدهم وجيشهم.

كذلك، في الحرب الكورية التي اندلعت بعد ما يقل عن عقد من الزمان، على الرغم من أن أمريكا لم تكن أبدًا “منخرطة بالكامل”، إلا أنه كان لديها أهداف استراتيجية واضحة. وكما هو الحال في الحرب العالمية الثانية، قام الجنود والنساء الأمريكيون بعمل رائع وعادوا إلى بلادهم التي قدرت ما أنجزوه.

ولكن بعد ذلك اندلعت الحرب في الفيتنام، حيث لم يعرف معظم الأمريكيين حقًا ما الذي تقاتل بلادهم من أجله. وعندما وصل الصراع أخيرًا إلى نهايته المُخزية في نيسان/أبريل 1975، لم يكن هناك انتصار للاحتفال (وبالتأكيد لم تكن الألعاب النارية هي التي حلقت من سطح السفارة الأمريكية في سايغون). وعلى عكس الأجيال السابقة، لم يتم تكريم أولئك الذين قاتلوا في فيتنام لخدمتهم وتضحياتهم. ومما له نفس الأهمية، أن رد الفعل الشعبي العنيف ضد الحرب أدى إلى إنهاء التجنيد العسكري، مما أدى إلى تحول جذري في العلاقة بين الجيش والشعب الأمريكي. ومنذ ذلك الحين، اتسع الشرخ الناجم عن التحول إلى جيش كامل من المتطوعين.

وبعد فيتنام، كانت حرب أمريكا الكبرى هي عاصفة الصحراء التي خاضتها في عام 1990. ومرة أخرى، تم تحقيق أهداف استراتيجية واضحة بطريقة دراماتيكية، وعاد الجنود والنساء الأمريكيون إلى بلد فخور بهم- على وشك أن يصبح القوة العظمى الوحيدة المتبقية في العالم مع انهيارالاتحاد السوفيتي في العام التالي

ومع ذلك، بحلول نهاية حرب الخليج، بدأت العولمة والتغير التكنولوجي بالفعل في إعادة تشكيل المجتمع الأمريكي. إذ انقلبت الصناعات القديمة رأسا على عقب، واختفت العديد من وظائف التصنيع. وعلى الرغم من أن الهجرة لم يكن لها سوى تأثير ضئيل على الصورة الاقتصادية الكبيرة، إلا أنها أصبحت قضية سياسية ساخنة بالنسبة لأولئك الذين وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل. وفي الوقت نفسه، بدأت موجة جديدة من قضايا العدالة الاجتماعية تكتسب زخمًا خلال هذه الفترة. ولم يكن الجيش الأمريكي، الذي يعتبر صورة مصغرة لأمريكا، محصنًا من هذه الديناميكيات السياسية.

وفي ضوء هذه الخلفية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، شرعت أمريكا في “حربها الطويلة الأمد”. وعلى غرارحرب فيتنام، تفتقر “الحرب على الإرهاب” إلى أهداف إستراتيجية واضحة، وفقدت قبول عامة الناس بمرور الوقت. ويؤيد كثير ممن شاركوا فيها العبارة الملفقة التي تقول أنه بينما كان الجيش في حالة حرب، كانت أمريكا في وول مارت. وبعد جولات متعددة من الخدمة العسكرية في العراق أو أفغانستان كان أبطالها الجنود من الرجال والنساء الذين ضحوا بسنوات من حياتهم، لم يتلق هؤلاء أي تقدير يُذكر.

ونقل المؤرخ (راسل إف. ويغلي) في كتابه “الطريقة الأمريكية للحرب” لعام 1973، عن الجنرال الأمريكي (جورج سي مارشال) قوله، “لا يمكن للديمقراطية خوض حرب مدتها سبع سنوات”، لأن أي صراع طويل الأمد سيفقد في النهاية دعم الناخبين. وكلما طالت مدة الحرب- لا سيما عندما تنتقل عبر الأجيال- زاد الانفصال بين المواطن العادي، والجنود، والبحارة، والطيارين، ومشاة البحرية.

إن الحرب على الإرهاب هي خير مثال مستمر على ذلك، حيث تساعد في تسليط الضوء على مظاهر الاضطرابات والتطرف التي عبر عنها الرأي العام في مبنى الكابيتول. واستنتجت أقلية صغيرة من أفراد الخدمة العسكرية السابقين والنشطين الساخطين أن هناك خطأ ما في أمريكا التي قاتلوا وضحوا من أجلها. لقد أججت الانتخابات الرئاسية الأخيرة هذا السخط وأقنعت البعض بأن من واجبهم مواجهة من تصورهم على أنهم “أعداء” محليون. وفي غضون ذلك، استغل القادة السياسيون هذه المشاعر لمصلحتهم الخاصة.

وساهمت جائحة كوفيد-19 أيضًا في حدوث عاصفة قوية. ومع تخلص الاقتصاد من الوظائف- خاصة في المستوى الأدنى من توزيع الدخل- لم تعد التفاعلات وجهاً لوجه ممكنة. ومع تعميق الانحلال الاجتماعي، أصبح من الصعب خوض تجربة التضامن. لقد أصاب القلق أو الملل الكثيرين، ووجد البعض ملاذًا في مجتمعات الإنترنت التي تتبع الأيديولوجيات المتطرفة. وأدت الانتخابات الرئاسية لعام 2020 إلى وصول الوضع إلى نقطة الغليان. وسعى قائد عام للقوات المسلحة صراحة إلى إبطال انتخابات حرة ونزيهة بالأكاذيب والترهيب، واستجابت أقلية صغيرة من مساعديه لدعوته إلى العمل.

ولكن يجب أن يتحلى الأمريكيون بالإيمان. فعلى الرغم من بعض الحالات الاستثنائية، إلا أن الجيش الأمريكي لا يتزعزع في دعمه لدستور الولايات المتحدة وتفانيه في العمل من أجله. وسيتم اكتشاف أولئك الذين لديهم آراء متطرفة في صفوفه، والتعامل معهم بصورة مناسبة. وإذ نتطلع إلى المستقبل، سيتم تعزيز أساليب التجنيد لاستبعاد المتطرفين. وسيتعين على مسؤولي التوظيف النظر ليس فقط في نشاط المرشحين على وسائل التواصل الاجتماعي ولكن أيضًا إلى “طلاء الجسم” (الوشم)، والمؤشرات المحتملة الأخرى التي تدل على التعاطف مع المتطرفين أو العنصريين. ويجب أن تكون المقابلات أكثر دِقة، ويجب تحسين المستوى التعليمي للأعضاء النشطين.

ورغم أن المسار المقلق للعلاقات العسكرية والمدنية الأمريكية قد خلق أرضًا خصبة لتطرف بعض الأفراد، من المهم أن نتذكر أن المتمردين يمثلون استثناءً. لقد دافع الجيش الأمريكي عن الديمقراطية الأمريكية لقرون وسيواصل القيام بذلك، تماشياً مع أنبل تقاليدنا.

شاهد أيضاً

بأية حال تعود الانتخابات في أمريكا!

بقلم: سمير التقي – النهار العربي الشرق اليوم- كل ثلاثة او أربعة عقود، وفي سياق …