الرئيسية / مقالات رأي / 2001-2021 عشرون سنة بين إرهابين في أمريكا

2001-2021 عشرون سنة بين إرهابين في أمريكا

بقلك: هشام ملحم – النهار العربي

الشرق اليوم– ألغى مجلس النواب الأميركي جلساته التي كانت مقررة اليوم (الخميس) بعد أن كشفت شرطة الكونغرس عن معلومات استخباراتية حول “مؤامرة محتملة لاقتحام مبنى الكابيتول من قبل عناصر مسلحة في الرابع من آذار (مارس)”. وامتنعت شرطة الكونغرس عن تسمية التنظيم المتطرف أو توفير أي معلومات اضافية بسبب “الطبيعة الحساسة” للمعلومات. ويدّعي اتباع الحركة المتطرفة المعروفة باسم QAnon أن الرابع من الشهر الجاري وهو اليوم الذي كان يتم فيه تنصيب الرؤساء الأميركيين حتى عام 1933، هو اليوم الذي سيتم فيه تنصيب الرئيس السابق دونالد ترامب رئيساً للبلاد. ولكن مجلس الشيوخ الذي يناقش خطة الغنعاش الاقتصادي الطموحة التي طرحها الرئيس جو بايدن، قرر المضي قدماً بالجلسة المقررة اليوم. وطلبت السلطات الأمنية من أعضاء المجلس والموظفين فيه اتخاذ الإجراءات الاحترازية.

المفارقة هي أن الكشف عن المؤامرة المحتملة، جاء في الوقت الذي تواصل فيه لجان الكونغرس المختصة مناقشة الإخفاقات الاستخباراتية والأمنية التي وقعت في السادس من كانون الثاني (يناير) الماضي حين اقتحم مئات المتطرفين والعنصريين الذين يؤمنون بتفوق العنصر الأبيض وأعضاء الميليشيات المؤيدين للرئيس السابق ترامب مبنى الكابيتول لمنع الكونغرس من التصديق على انتخاب الرئيس بايدن.

جلسات لجان الكونغرس حول اقتحام الكابيتول أكدت من جديد عمق الخلاف بين الديموقراطيين والجمهوريين حول ما حدث في ذلك اليوم، وتحديداً هوية المتطرفين الذين اقتحموا المبنى وتسببوا بقتل 5 أفراد وجرح 140 شرطياً، وهو خلاف مماثل للخلاف بين الحزبين حول نتائج الانتخابات الرئاسية. في الفترة الفاصلة بين يوم الانتخابات في الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي ويوم تنصيب جوزف بايدن الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة في العشرين من كانون الثاني (يناير) الماضي، قام ترامب وأنصاره بنشر وترديد ما عرف آنذاك “بالكذبة الكبيرة” وهي أن الانتخابات كانت مزورة، وأن بايدن والديموقراطيين سرقوا الانتخابات منه، ورفعوا الشعار السيّئ الصيت “أوقفوا السرقة”.

اقتحام الكابيتول، كان النتيجة الحتمية لتأثير هذه الكذبة على أنصار ترامب، بخاصة أن الرئيس السابق كان يرددها يومياً أمام أنصاره، واستخدمها لدعوتهم الى واشنطن للتظاهر في السادس من كانون الثاني (يناير) لمنع الكونغرس من التصديق على انتخاب بايدن. هذه الكذبة الكبيرة، التي لا تزال تصدقها أكثرية الناخبين الجمهوريين وفقاً لاستطلاعات الرأي، أدت الى ولادة كذبة أخرى، في أعقاب اقتحام الكابيتول، والتي يروجها أو يلّوّح بها ضمناً قادة جمهوريون داخل الكونغرس وخارجه، تقول إن الذين اقتحموا الكابيتول هم بالفعل متطرفون يساريون وفوضويون انتحلوا صفة مؤيدي ترامب وادعوا أنهم ينتمون الى ميليشيات يمينية مؤيدة لترامب من أجل تشويه صورة ترامب وأنصاره.

هاتان السرديتان المتناقضتان بين الجمهوريين والديموقراطيين – حول من فاز في الانتخابات ومن اقتحم الكابيتول – تهيمنان على السجال السياسي في البلاد منذ أشهر، وليس من المتوقع أن ينتهي هذا السجال والتوترات التي خلقها طالما بقي ترامب وأنصاره يصرون على نشر أكاذيبهم وأساطيرهم الخطيرة، لأن ما يفعلونه هو محاولة إعادة كتابة التاريخ، وقلب حقائق اقتحام الكابيتول رأساً على عقب.

ولكن مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (الأف بي آي) كريستوفر راي قام يوم الثلثاء بإحداث ثقب كبير في بالون أكاذيب الجمهوريين، حين أكد خلال جلسة الاستماع التي نظمتها اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، ولأكثر من مرة أن الذين اقتحموا الكابيتول هم عناصر ينتمون الى الميليشيات اليمينية، ومن العنصريين البيض، وقال: “لم نرَ حتى الآن، أي دلائل حول تورط المتطرفين والفوضويين، او أي من عناصر الحركة المناوئة للفاشية في أحداث السادس من كانون الثاني (يناير)”، وذلك في إشارة الى اليساريين والفوضويين، الذين شاركوا في تظاهرات اتسم بعضها بأاعمال شغب خلال الاحتجاجات التي أعقبت قتل جورج فلويد الأفريقي الأصل خنقاً بركبة شرطي أبيض في الصيف الماضي. وقال راي في بداية مداخلته إن “الخطر الأكبر الذي نواجهه هو من المتطرفين العنيفين في الداخل، من أولئك الذين تدفعهم مشاعرهم العنصرية والإثنية، وتحديداً أولئك الذين يؤمنون بتفوق العنصر الأبيض”. وأضاف راي أن هذه العناصر مسؤولة عن معظم الهجمات العنيفة التي ادت الى مقتل العشرات منذ 2019.

ووصف كريستوفر راي اقتحام وحصار مبنى الكابيتول بأنه “سلوك إجرامي، ونحن في الأف بي آي نصنفه كإرهاب داخلي”. وأضاف أن اقتحام الكابيتول “لم يكن حدثاً معزولاً. ومشكلة الإرهاب الداخلي مماثلة لانبثاث السرطان في كل أنحاء البلاد منذ وقت طويل وهي لن تختفي في أي وقت قريب، ونحن في الأف بي آي نقرع ناقوس الخطر منذ سنوات”. وازدادت الهجمات الإرهابية الداخلية من ألف حادث في 2017 حين عينه الرئيس ترامب مديراً لـ”الأف بي آي”، الى 1400 في السنة التالية، وارتفع العدد الى 2000 الآن. وتضاعف عدد الموقوفين من البيض العنصريين ثلاث مرات خلال وجوده في منصبه. وفي السنوات الخمس الماضية قتل متطرفون عنصريون يؤمنون بتفوق العنصر الأبيض عشرات المدنيين من الأميركيين من اصل أفريقي، والمتحدرين من اصول أميركية – لاتينية ومن اليهود بما في ذلك مهاجمة المصلين في كنيسة للسود في ولاية ساوث كارولينا،، وفي كنيس يهودي في مدينة بيتسبيرغ، وضد عشرات الأميركيين اللاتينيين في مدينة الباسو، بولاية تكساس.

ولكن بعض الأعضاء الجمهوريين في اللجنة حاولوا تحويل الاهتمام عن التنظيمات والميليشيات اليمينية وعنفها الى الحديث عن التهديد الذي تمثله الحركة المناوئة للفاشية والتي قام بعض أعضائها ببعض أعمال الشغب خلال تظاهرات السنة الماضية، والتي كان ترامب يبالغ دائماً بخطرها. العضو الجمهوري الأبرز في اللجنة تشارلز غراسلي، بعد أن قال بسرعة إن اقتحام الكابيتول كان عملاً رهيباً، أمضى معظم وقته وهو يستجوب راي في الحديث عن الحركة المناوئة للفاشية وغيرها والمتظاهرين اليساريين الذين شاركوا في الاحتجاجات المناوئة للعنصرية في اعقاب قتل جورج فلويد. أما السناتور الجمهوري جون كورنن، فشكك بالرواية المعروفة عن اقتحام الكابيتول، ولمّح الى تورط عناصر يسارية في الاقتحام، مدعياً أنه “سمع” أن فئات مختلفة من اليمين واليسار شاركت في الاقتحام. ولو استمع المرء، للأعضاء الجمهوريين فقط خلال الجلسة لكان اعتقد أنها مخصصة لبحث خطر الإرهاب اليساري، وليس إرهاب الجماعات العنصرية البيضاء والميليشيات اليمينية التي يحذر “الأف بي آي” من خطرها منذ سنوات.

ويعتبر السناتور الجمهوري رون جونسون، من أبرز غلاة المدافعين عن الرئيس السابق دونالد ترامب، وأكثرهم رفضاً لحقيقة ما حدث خلال اقتحام الكابيتول. السناتور جونسون يرفض اعتبار الاقتحام كما يصفه الكثيرون “عصياناً مسلحاً…”، وادّعى أنه لم يشعر بالخوف خلال اقتحام الكابيتول، وقال إن الخطر الذي تعرض له نائب الرئيس مايك بنس حين كان المهاجمون يهتفون “اشنقوا مايك بنس” كان مبالغاً فيه.

قبل عشرين سنة، زار إرهاب تنظيم “القاعدة” الولايات المتحدة وتسبب بأبشع وأفظع هجوم ارهابي تعرضت له الولايات المتحدة في تاريخها، وأدى الى قتل ثلاثة آلاف مدني في مدينة نيويورك، وشمال ولاية فيرجينيا (موقع وزارة الدفاع) وولاية ينسلفانيا. ذلك العمل الإرهابي أدى الى حربي أفغانستان والعراق، كما أدى الى تغييرات سياسية وإدارية جذرية في الولايات المتحدة ووضع إرهاب الجماعات الإسلامية المتطرفة في أبرز أولويات الولايات المتحدة، التي قامت في أعقاب هجمات أيلول (سبتمبر) الى تشكيل وزارة الأمن الوطني التي أصبحت من أكبر الوزارات في الحكومة الأميركية.

بعد عشرين سنة من تنظيمات مثل “القاعدة” و”داعش” وأسماء مثل أسامة بن لادن، وأنور الظواهري، وأبو بكر البغدادي، يتحدث الأميركيون اليوم، عن تنظيمات متطرفة أميركية، ذات أسماء مثل “الشباب الفخورون” و “المحافظون على قسم اليمين” واسماء قادتها. بعد عشرين سنة من مكافحة إرهاب الخارج، تواجه الولايات المتحدة اليوم، ارهاباً داخلياً أخطر سياسياً من إرهاب الخارج، لأن هذا الإرهاب الداخلي يتغذى ثقافياً وسياسياً من نقمة فئة من الأميركيين تجد نفسها مهددة بسبب التغييرات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها الولايات المتحدة منذ عقود وأدت الى جعلها أقل بياضاً وأقل مسيحية مما كانت، وأكثر سمرة مما كانت، ما يفسر انتشار المشاعر العنصرية وظاهرة العداء للمهاجرين السمر والمسلمين وهي المشاعر التي جسّدها وعبّر عنها أفضل تعبير الرئيس السابق دونالد ترامب، وفئة كبيرة من حزبه الجمهوري.

شاهد أيضاً

رهان أمريكا على الهدنة

بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج الشرق اليوم- فرضت غزة نفسها بقوة على صانع القرار …