الرئيسية / مقالات رأي / هل أمريكا عائدة بقوة؟

هل أمريكا عائدة بقوة؟

بقلم: حسام ميرو – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- في مؤتمر ميونيخ للأمن الذي عقد مؤخراً عبر شاشة الفيديو، تعهّد الرئيس الأمريكي جو بايدن ب «عودة التحالف بين ضفتي الأطلسي»، مشدداً في الوقت ذاته على ضرورة مواجهة التحديات الصينية والروسية، وفي الملف الإيراني، قال بايدن إنه سيعمل مع حلفائه الأوروبيين في مواجهة «أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار»، وأوضح أن الطريق إلى ذلك سيكون عبر المفاوضات، ولم يفت الرئيس أن ينوّه في أول مناسبة دولية كبرى يحضرها إلى أن أمريكا «عائدة بقوة» إلى موقع القيادة، ولئن حفلت كلمة بايدن بترحيب أوروبي متوقع، إلا أن وعوده من الناحية العملية تحتاج إلى تدقيق كبير، خصوصاً أن العالم قد تغيّر كثيراً خلال الأعوام القليلة الماضية، خصوصاً في العام الأخير، الذي شهد حالة شك بالكثير من البديهيات السياسية والاقتصادية.

 أمضى الرئيس بايدن نحو نصف قرن من عمره في مواقع سياسية بارزة قبل أن يصل إلى منصب الرئيس، وقد شهد في مسيرته تحولات أمريكية ودولية كثيرة، بعضها كان دراماتيكياً، كما في سقوط الاتحاد السوفييتي، وصعود الصين السريع في التنافسية على الإنتاج والأسواق، وتحولات الشرق الأوسط، و«الاتفاق النووي» مع إيران، ثم انسحاب إدارة الرئيس الأسبق دونالد ترامب منه، ولكل هذا فإن الرئيس بايدن قد يكون أول المدركين بأن ما أطلقه من وعود قد تكون دونه عقبات وتحديات كبرى، ومن بينها تحديات داخلية، تتعلق بطبيعة التحولات التي أصابت الاقتصاد الأمريكي نفسه، من حيث الخلل في طبيعة القطاعات الرائدة، ودورها في تحديد السياسات العامة للدولة.

رغبة أمريكا في العودة القوية والسريعة إلى مركز الصدارة في العالم هي رغبة الحزب الديمقراطي، وعوضاً عن «أمريكا أولاً»، وهو الشعار الذي تبناه الرئيس الأسبق دونالد ترامب، والذي عنى من وجهة نظر الديمقراطيين تسعيراً للصراع مع الأعداء والحلفاء على حد سواء، فإن الديمقراطيين راغبون في إدارة الصراعات بطريقة مختلفة عن الإدارة الجمهورية السابقة، والدفع بأمريكا من جديد إلى موقع السيادة في الساحة العالمية، على اعتبار أن سياسات ترامب كادت أن تطيح بأهم حلف استراتيجي لواشنطن، المتمثل بالاتحاد الأوروبي، ودفعه نحو خيار التقارب أكثر مع الصين، وهو ما لا يرغب الديمقراطيون رؤيته يتحوّل إلى واقع عملي.

 لكن هل سيكون بإمكان أمريكا أن تتبوأ من جديد موقع السيادة المنفردة على العالم؟ وهل يملك الديمقراطيون الرؤية والأدوات لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي؟ وهل تقع مسؤولية تراجع الموقع الريادي الأمريكي على عاتق الإدارة السابقة وحسب، أم إنها نتاج تراجع تدريجي بدأ في عهد إدارات سابقة، ومنها إدارة الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما التي استمرت لولايتين (2009-2017)؟

 في بداية الولاية الأولى للرئيس أوباما، كان الناتج القومي الإجمالي للصين نحو 5 تريليون دولار، وفي نهاية ولايته الثانية، كان قد وصل الناتج القومي للصين إلى أكثر من 11 تريليون، أي بزيادة قدرها نحو 45%، وبلغة الأرقام والحقائق العملية، فإن إدارة أوباما والديمقراطيين لم تتمكن فعلياً من مواجهة صعود الصين المتسارع في سوق العمل الدولي، وزيادة حصتها من الإنتاج والأسواق، وزيادة مساحة الشراكات مع جهات استثمارية كبرى، بما فيها الاستثمار والتعاون المشترك مع شركات أمريكية عولمية، وهو ما يعني أن صعود الصين بثبات وسرعة، قابلة في الوقت نفسه تراجع أمريكي في التنافسية على الإنتاج والأسواق، وهو ما يعني فشل السياسات الأمريكية المتعاقبة في مواجهة نمو الصين، وتحولها إلى عدو، يصعب تخيّل هزيمته في إطار ديناميات النظام الدولي الراهن.

 وأيضاً، فإن عودة روسيا بقوة إلى الساحة الدولية من خلال ملفي أوكرانيا وسوريا، كانت قد حدثت خلال ولايتي أوباما، وتزامنت هذه العودة؛ بل كانت في أحد أوجهها، نتيجة للتردد الذي اتسمت به سياسات أوباما والديمقراطيين حيال ملفات عدة، وهو ما أوحى لموسكو بأن واشنطن تقوم بعملية انكفاء، ما يتطلب فعلياً ملء الفراغ الذي ستتركه في ساحات عدة، وساعد ذلك التردد على عودة روسيا إلى الشرق الأوسط، وأصبح اليوم حقيقة لا يمكن تجاهلها، وعلى الجميع التعامل معها، وفي مقدمتهم واشنطن.

 تعاملت الولايات المتحدة مع الفرص الدولية التي أتيحت لها بعد سقوط الاتحاد السوفييتي بنوع من التجريبية، وبدلاً من أن تسهم في بناء نموذج جديد للنظام الدولي يقوم على التعددية، عملت من الناحية الفعلية على زيادة التناقضات في النظام الدولي، ما جعل مكانتها الدولية تتراجع تدريجياً، وبناء عليه فإن شعار «أمريكا عائدة بقوة» قد لا يكون إلا مجرد شعار لا يرتكز إلى مقومات عملية كافية، تكفل له التحول إلى واقع ملموس.

شاهد أيضاً

إسرائيل لم تُغلق ملف الهجوم الإيراني بل افتتحت “المقايضة”!

بقلم: فارس خشان – النهار العربي الشرق اليوم- يبدو جليًّا أنّ البيت الأبيض وعد إسرائيل …