الرئيسية / مقالات رأي / النسر الأمريكي يتحدى تنين الصين

النسر الأمريكي يتحدى تنين الصين

بقلم: حازم الغبرا – العرب اللندنية

الشرق اليوم- عام مضى على تفشي جائحة كورونا في العالم عبر فايروس جديد فشلت مناعة الإنسان في التغلب عليه. فهذه الجائحة التي أدت ولا تزال تؤدي إلى مقتل الملايين كما تسببت ولا تزال تتسبب في خسائر اقتصادية فادحة قدرت بعشرات التريليونات من الدولارات، حيّر التعاملُ معها العلماءَ والساسة على حدّ سواء.

وبعد التوصل إلى لقاحات فعالة والمضي في حملة تلقيح عالمية لم يرَ التاريخ البشري لها مثيلا وظهور بشائر الانتصار على المرض في الأفق القريب، عادت إلى الواجهة أسئلة محيرة تم التغاضي عنها ريثما تنتهي الأزمة.

بالرغم من الإجماع العام على انطلاق الفايروس جغرافيا من مدينة ووهان الصينية، فما زال مجهولا مصدره الأصلي وسبب انتقاله إلى الإنسان وانتشاره عبر القارات.

ووهان تحوي المركز الوحيد في الصين المجهز لتخزين وإجراء التجارب على فايروسات شديدة الخطورة على البشر وعلى رأسها الفايروسات التاجية. وهذا المركز الجديد نسبيا كان موضع انتقاد وريبة من قبل خبراء الصحة العامة في الولايات المتحدة بسبب التقصير في تدريب العاملين فيه على التعامل مع الأخطار البيولوجية وضعف خبرة الباحثين في مختبراته بشكل عام وأغلبهم من طلاب الجامعة الذين لم يتخطوا العشرينات من العمر.

وعلى مرمى حجر من ذلك المركز، يتموضع سوق ووهان المفتوح. وهو سوق في الهواء الطلق يعرض فيه الباعة ما هب ودب من الحيوانات الأليفة والمتوحشة ليستهلكها الشاري كطعام. فالمائدة الصينية، خصوصا في مدن الداخل، اشتهرت بعدم التمييز بين مخلوقات الله. فكل ما طار أو مشى أو سعى لحمه مستساغ.

ويتم تكديس هذه الحيوانات وهي حية أو شبه حية فوق بعضها البعض ما يسهل انتقال الأمراض بينها بشكل يندر حدوثه في الطبيعة، وحصول طفرات فايروسية خطيرة خلال هذا الانتقال.

وبينما تُجمع أغلب النظريات على انتشار الفايروس بين العامة عبر مركز الأبحاث البيولوجي أو سوق اللحوم، ما زالت ماكينة النظام الصيني الإعلامية تحاول طرح نظريات مغايرة بغية تضليل الرأي العام وتخليص الحكومة الصينية من المسؤولية المباشرة أو غير المباشرة. فتارة تطرح نظرية وصول الفايروس إلى الصين عبر علب طعام مجمد وتارة أخرى تدّعي أن لديها معلومات تؤكد أن الفايروس ظهر خارج الصين قبل ظهوره داخلها.

وهذا التوجه المحموم من الصين لتحريف الحقائق يفرضه تعاظم الأصوات المطالبة بمعرفة من المسؤول عن الجائحة وإن كانت بكين قد لعبت دورا فاعلا في نشر الفايروس بقصد أو دون قصد. ويفرضه أيضا التحقيق واسع النطاق الذي يقوم به فريق دولي من الخبراء تحت مظلة منظمة الصحة العالمية في ووهان لتقصّي الحقائق.

فحتى لو لم تكن للصين مسؤولية مباشرة تجاه الانتقال الأولي للفايروس إلى الإنسان، فقد يظهر أن تقصيرها في إبلاغ المنظمات الدولية والدول الأخرى باكتشاف هذا الفايروس الجديد الذي أدّى إلى تفشي المرض بشكل واسع حتى أنه لم تعد وسائل الاحتواء من إغلاق المطارات والحدود تجدي نفعا.

وربما يظهر أيضا أن الصين سمحت لسكان ووهان، الذين يعمل عدد كبير من شبابهم في أوروبا وأميركا بالسفر رغم معرفتها بانتشار العدوى وخطر انتقال المرض خارج البلاد.

ورغم مضي أكثر من عام على الجائحة فقد توفر للصين وقت أكثر من كاف لطمس الحقائق ومحو الأدلة، ومن المتوقع أن يلقي تقرير خبراء منظمة الصحة العالمية نسبة من اللوم على الحكومة الصينية. وهي حكومة شديدة الحساسية تجاه الانتقاد العلني الذي لم تعتد عليه بالرغم من خروقاتها المتكررة للأعراف والقوانين الدولية في مجالات الاقتصاد وحقوق الإنسان والبيئة على سبيل الذكر لا الحصر.

هناك خط تصعيدي من الإدارة الأميركية تجاه بكين بشأن الجائحة قبل تقرير منظمة الصحة العالمية حول منشأ الفايروس

سيؤدي لوم بكين بالتأكيد إلى ردّة فعل شعبية دولية غاضبة. فالصين، مصدر الفايروس، لم تتمكن فقط من السيطرة على الوباء بشكل سريع أثار التعجب والشكوك فحسب، بل أيضا تمكنت من الاستفادة اقتصاديا من الجائحة بسبب حاجة العالم إلى الكمامات والمعدات الأخرى الواقية وتوقف عدد لا يحصى من المصانع في الدول الأخرى عن العمل لتأتي المعامل الصينية وتسدّ الحاجة وتحقق مكاسب طائلة.

وقد أفضى ذلك لتوسع الاقتصاد الصيني، بينما تعاني شعوب الولايات المتحدة والدول الصناعية الكبرى الأخرى خصوصا في أوروبا من الانكماش الاقتصادي والكساد والبطالة.

وهنا تتجه الأنظار إلى واشنطن. فكيف ستقوم إدارة بايدن بانتهاز هذه الفرصة النادرة لجرّ الصين لمواجهة غير تقليدية ضد دول العالم الأكثر نفوذا، خصوصا بعد أن شددت حملة بايدن الانتخابية مرارا على ضرورة التعامل بحزم مع الصين وخروقاتها؟

المؤشرات حتى الآن تدل على خط تصعيدي من طرف الحكومة الأميركية تجاه الصين في إطار مسألة الفايروس وتقرير منظمة الصحة العالمية المنتظر، حيث استبق مدير مجلس الأمن القومي الأميركي نشر التقرير بنسخته النهائية وعبّر علنا عن قلقه من الضغوط والتدخلات الصينية التي تواجه فريق التحقيق من جهة ومنع بكين من وصول الفريق إلى ما يحتاجونه من معلومات لإتمام تقريرهم من جهة أخرى.

والاتفاق الواضح بين الجمهوريين والديمقراطيين على ضرورة التعامل العاجل مع خطر التوسع الصيني يفتح المجال على طيف واسع من الخيارات للرئيس بايدن قد لا تكون العقوبات الاقتصادية أقصاها أو أقساها.

ومن الواضح أن انشغال واشنطن بالحرب على الإرهاب في العقدين الماضيين أتاح لبكين فرصة التوسع ومنافسة الولايات المتحدة في مجالات ومناطق كان الأميركيون يسيطرون عليها دون منازع، وقد يكون الوقت قد حان الآن لتثبت واشنطن تفوقها على دولة كبرى كالصين بعد أن انشغلت لسنوات في نزاعات مع منظمات مارقة في غياهب تورا بورا وأزقة الفلوجة.

وقد أضحى ردع بكين ضرورة ملحة بالنسبة إلى واشنطن، فسياساتها بدأت فعلا بتقويض المصالح الأميركية حيث تطرح الصين نفسها شريكا اقتصاديا وحتى سياسيا بديلا للغرب. ففي الملف الإيراني، على سبيل المثال، ستضعف اتفاقية التعاون بين الصين وإيران المتوقع إتمام توقيعها وبدء العمل بها في الأشهر القادمة تأثير العقوبات الاقتصادية على طهران لتكون طوق نجاة للنظام الإيراني الذي لم يبرز التزاما جديا في التوصل إلى اتفاق جديد مع واشنطن.

والتحدي الحقيقي هنا يتمحور حول قدرة الدبلوماسية الأميركية على رصّ صفوف الحلفاء، خصوصا الأوروبيين، في مواجهة الصين التي لا تعتبر ندا مراوغا وماكرا فحسب، بل بحوزتها أيضا أسلحة اقتصادية قد تتفوق من حيث قدرتها على الأسلحة العسكرية.

وأي نزاع مع الصين قد يتحول سريعا إلى حرب استنزاف اقتصادي قد لا تكون دول الغرب جاهزة لخوضها خصوصا وهي في طور التعافي من أزمة كورونا.

وبالفعل، دعا بايدن علنا منذ أيام خلال تصريحاته في مؤتمر ميونخ الأمني، وهو يعتبر أول ظهور علني للرئيس الأميركي في مناسبة دولية، الأوروبيين للعمل مع الولايات المتحدة لمجابهة تجاوزات الصين وسياسة ليّ الذراع التي تنتهجها خصوصا في مجال الاقتصاد. مشدّدا على أن قوانين التجارة العالمية يجب أن تسري على الجميع بشكل متساو ودون استثناء.

والدور الأوروبي هنا ليس مضمونا بالنسبة إلى واشنطن. فبالرغم من العلاقة غير الحميمة تاريخيا بين أوروبا والصين، فقد حلت الصين هذا العام مكان الولايات المتحدة لتصبح شريك أوروبا التجاري الأول بعد أن انفتحت شهية المستهلك الصيني على منتجات أوروبا الفاخرة وعقاراتها الفخمة. وهذا سيجبر الساسة الأوروبيين على التفكير مرتين قبل اتخاذ أي خطوة عدائية ضد بكين.

تُجمع أغلب النظريات على انتشار الفايروس بين العامة عبر مركز الأبحاث البيولوجي أو سوق اللحوم، ما زالت ماكينة النظام الصيني الإعلامية تحاول طرح نظريات مغايرة

لكن لدى واشنطن أسلحتها أيضا، فملفات خروقات الصين لحقوق الإنسان في سنجان وهونغ كونغ جاهزة، ووزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري الذي باشر مهامه كمبعوث خاص لشؤون المناخ يضع بكين نصب عينيه. كما أن واشنطن تدرك تماما أن التطور الاجتماعي والاقتصادي في الصين بدأ يفضي إلى مطالبة مواطنيها بالمزيد من الحقوق والحريات ممّا سيقدم لأميركا حلفاء في الداخل الصيني.

والولايات المتحدة ما زالت كذلك متفوقة على الصين عسكريا وتقنيا بأشواط، فالصناعات الصينية تعتمد على التنفيذ والتقليد للابتكارات الغربية بالرغم من استثمارات الصين الكبيرة في مجالات التعليم والبحوث.

ومع أنه من الصعب التكهن في هذه المرحلة الباكرة من حكم إدارة بايدن إلى أي حد يمكن أن تتطور الأزمة بين بكين وواشنطن، لكن نجاح الولايات المتحدة وأي تحالف تحت قيادتها بترويض التنين الصيني يمثل اغراء قد لا يتمكن الرئيس الجديد من مقاومته. فهكذا نجاح سيعيد بلا شك الهيبة لأميركا ويؤكد موقعها كقطب عالمي اوحد لا ينازعها عليه أحد وسيمنح بايدن إرثا سياسيا متميزا دون شك.

شاهد أيضاً

روسيا التي لا تساند أحداً… علاقة غير عادلة مع إيران

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي الشرق اليوم– في مقالته في صحيفة “وول ستريت جورنال” …