الرئيسية / مقالات رأي / ممَّ نتعلّم دروس الحياة؟ من الأخطاء أم من النّجاحات؟

ممَّ نتعلّم دروس الحياة؟ من الأخطاء أم من النّجاحات؟

بقلم: سمير قسطنطين – النهار العربي

الشرق اليوم– دروس الحياة كثيرة، بعضها مُكلِفٌ جدّاً، والبعض الآخر أقلّ كلفة، إلا أنّ بعضَها الثالث قد لا يكلّف صاحبه أيّ كلفةٍ تُذكر. معظمنا يعتقد أنّنا نتعلّم من أخطائنا. قد يكون الاعتقادُ صائباً ولو جزئيّاً. لكن ما هو الخطأ في الأساس؟

الخطأ أو “الغلطة” قد يكون مسألة بسيطة مثل خطأ في الإملاء أو في مسألة حسابيّة. وقد يكون الخطأ أكثر أهميّة من مثل زلّة لسان، كما قد يكون قاتلاً عندما تتّخذ قراراً مصيريّاً مثل قرار الزواج من شريكٍ محدّد، أو قرار الهجرة إلى بلدٍ آخر، لتكتشف في ما بعد أنّك أخطأتَ في القرار. “الغلطة” إذاً هي الخطأ الّذي يقع فيه الإنسان والذي يُتَوَقَّع منه بالتالي أن يتحمّل نتائجه.

نسمع عبارات مثل: “غلطة الشّاطر بألف”، أو “تعلّمت درس كبير من هالغلطة اللي عملتها”. قد يقول لك أحدهم: “انشالله تكون تعلّمت”، أو “تعيش وتاكُل غيرا”، أي أنّك سوف تتعرّض لتجارب مشابهة في الحياة. “الغلطة” كلمة صغيرة، لكنّ معناها ومفعولها كبيران. من الممكن أن تغيّر هذه الغلطة حياتك بالكامل من مثل حملٍ خارج إطار الزواج، أو زواجٍ فشل في عمرٍ مبكر. عندما كان أولادي صغاراً كُنتُ أُردّد على مسامعهم كلاماً مثل هذا: “أنتم ستخطئون وستدفعون ثمن أخطائكم، لكن حاولوا أن تدفعوا هذه الأثمان في آخر الموسم لا في أوّله”، ذلك لأنّ الثمن يكون منخفضاً في زمن الأوكّازيون.

هناك عبارة نردّدها دائماً: “الغلط بيصير”، أو “ما في إنسان على وِجْ الأرض ما بيغلط”. من المؤكّد أنّنا وقعنا في حياتنا في أخطاء كبيرة، ومن المؤكّد أيضاً أنّنا سنرتكب غيرها. ألبرت أينشتاين قال مرةً: “الذي لم يرتكب الخطأ أبداً، لم يجرّب أيّ شيءٍ جديد على الإطلاق”.

السؤال المحور الآن هو: “هل نحن نتعلّم من أخطائنا؟ هل تلقِّنُنا الحياةُ فعلاً دروساً لا ننساها بسبب غلطاتِنا، و”منتعلّم مِنّا”؟ وهل من الممكن أن تتحوّل الـ “غلطة” في لحظة تعلُّمٍ ونموٍّ إلى “اختبار حياتي”؟ 

لا شكّ في أنّنا قد نتعلّم من أخطائنا إذا اعترفنا بالخطأ حتّى ولو كان هذا الاعتراف بيننا وبين أنفسنا، وإذا سألنا أنفسَنا بتجرُّد: “ما الذي حصل فعلاً”؟ و”هل كان من الممكن تجنُّب هذا الخطأ”؟ و”هل كان من الممكن القيام بهذا العمل بطريقة مختلفة”؟ و”هل تسرّعتُ في قراري”؟

وإذا أردْتَ فعلاً أن تذهبَ أبعدَ من ذلك، وأن تنطلقَ من جديد، يكون الاعتذار من الّذين تأذّوا أو تأثّروا سلباً من “غلطتك”، الخطوة الأصعب في طريق الخروج من الخطأ الذي ارتكبته. قد يكون هذا الشخص شريكك في العمل الّذي أقنعته بفكرة مشروعٍ فتحمّس وشاركك فيه. لكنّك لم تستَطِع تنفيذ المشروع كما يجب، ووصلتما إلى الفشل. قد يكون ولدك الّذي أجبَرْته على اختيار اختصاصٍ جامعي معيّن لأنّ الاختصاص يلائم مسارك المهني أنت ليتبيّن لك لاحقاً أنّ ابنك أمضى أسوأ أربع سنوات من حياته في الجامعة. إنّ عدم تقَبُّلنا الخطأ الذي نقع فيه يمنعنا من التقدّم نحو الأفضل بالشكل الصحيح. لا شكّ في أنّ تقبُّل الخطأ هو من أصعب الأمور على الإنسان.

كُلُنّا نظن أنّنا نتعلّم دائماً من أخطائنا على قاعدة أنّ “المؤمن لا يُلدَغ من جُحر مرّتين”، لكنّ هذا الاعتقاد ليس دقيقاً، والدليل أنّك ترى نفسك تكرّر الخطأ نفسَه تجاه نفسك أو الغير من دون أن تتّعِظ من الخطأ وتداعياته. كم من مرّةٍ تقول في نفسِك: “يا الله دايماً بعمل نفس الغلطة”! أحياناً تقول: “Sorry ما كنت مركّز”.

في المقابل، فإنّ الاستمرار والمتابعة بعد “الغلط” أمران ضروريّان في حياتك. لذا من الضروري أن تنفِّذ ما وعدْتَ به نفسك أو غيرك عندما أخطأت، وأن تستفيد من الخبرة الحياتيّة أو الخبرات التي اكتسبتها من الخطأ الذي ارتكبته سابقاً. هناك مقولة في اللغة الإنكليزية: “What doesn’t kill you, makes you stronger”. كُنْ أقوى لكن بطريقة إيجابيّة. دَعْ السّلبيّة جانباً.

أعود إلى السؤال الأساس وهو: هل فعلاً نتعلّم من الأخطاء؟ أم أنّنا نتعلّم من النجاحات؟ أم من كليهما؟ وإذا كان الخيار الثالث هو الصحيح، فمِمَّ نتعلّم أكثر؟ من الإخفاقات أم من النجاحات؟

هناك دراسات متعدّدة، ومنها دراسة أجرتها جامعة الـ MIT في بوسطن، تُثبت أنّ دماغَ الإنسان يتعلّم من نجاحاته أكثر ممّا يتعلّم من أخطائه. نحن نتعلّم من النجاح أكثر ممّا نتعلّم من الفشل. النجاح يعزّز الثقة بالنفس، وهذه الثقة تأخُذكَ إلى قراراتٍ جديدة ومغامرات حلوة. أنا لا أتحدّث هنا عن التهوّر والمخاطرات. أتحدّث عن المغامرة بمعنى الـ Adventure. الجميل في موضوع التعلّم من النجاح هو أنّ الأبحاث العلميّة أثبتَتْ أخيراً أنّ الخلايا العصبيّة تصبح مضبوطة بدقّة بعد النجاح أكثر منها بعد الفشل، وهو ما قد يؤدّي إلى نتائج أفضل في المستقبل نتيجةً لما سبّبه النجاح من تحسُّنٍ في عمليّة التعلُّم. ومن هنا يبدو أنّه إذا نجحتَ على دروب الحياة، يمكنك أن تتعلّم بشكل أفضل. لذا لا يعطيك النجاح الفرصة كي تتعلم دروسًا جديدة فحسب، بل إنك تتعلّم هذه الدروس أفضل ممّا لو كانت مبنيّة على الفشل. وكونِك ناجحاً قد يدفعك لاتّخاذ طريق نحو المزيد من الابتكار، تحصد فيه عوائد ذلك النجاح.

الخطأ أو “الغلط” هو جزء من الكائن البشري. الإنسان الذي يقدِّر أخطاءه، يتلقّى دروساً حياتيّة ثمينة؛ دروساً لا يمكن تعلّمها إلّا بالطريقة الصعبة فقط. الدروس لم تنتهِ بعد، وتحتاج إلى التعمّق داخل ذاتك. عندما تبدأ التّعلم واكتساب الخُبرات من “غلطتك”، من خلال التّأمل Reflection والغفران forgiveness، عندها تبدأ المواقف أو “الأخطاء” المتكرّرة في حياتك الاختفاء والزوال تدريجاً. الفشل قد يدفعك للبحث عن حلول وأفكار جديدة وهو ما قد يؤدي إلى نجاحٍ بعد فشل.

إذا تعلّمتَ دروس الحياة من فشلِك، فلا تحمل مرارة في قلبك بسبب ما حصل. الفشل يعلّمك حبّ التجربة من جديد، والمرونة والقيَم. ولعلّ الطريقة الأفضل هي أنْ تتذكّر دائماً أنّك لستَ “الخطأ” الذي ارتكبتَه، فهذا الخطأ لا يحدّد هويّتك أو من أنت، وأنْ تتذكّر أنَّ كلّ إنسان يُخطئ ويقع في الخطأ، فليس أحدٌ معصوماً عن الخطأ. إذا ندمتَ، لا تدَع الندم يُصبح غذاءك اليومي. من الضروري أن تسامِح نفسك.

لكنّك في الوقت نفسه تذكّر أنّ الإنسان يتعلّم بشكل أفضل وبطريقة إيجابية من نجاحاته، لذا حاوِل ألاّ تعيش في الماضي، في الأخطاء، بل فكِّر بالمرّات التي نجحتَ فيها بحياتك وتعلَّمتَ منها.

إنْ كُنتَ قد تعلّمتَ من أخطائك أو من نجاحاتك، فالمهم أن تتعلّم وأن تنمو باتّجاهاتٍ جديدة. عدم التعلُّم هو “الخطأ” الحقيقي بعد “الغلطة”، والتعلُّم هو “النجاح” الحقيقي، بغضِّ النظر عن كيفيّة التعلّم.

شاهد أيضاً

الصين والغرب والتجسس

بقلم: أحمد مصطفى – صحيفة الخليج الشرق اليوم- زادت في الآونة الأخيرة عناوين الأخبار المتعلقة …