الرئيسية / مقالات رأي / ” اليسارية الإسلامية”

” اليسارية الإسلامية”

بقلم: محمد كمال – المصري اليوم

الشرق اليوم- تشهد الأوساط الأكاديمية والثقافية الفرنسية هذه الأيام جدلا واسعا حول العلاقة بين اليسار والإسلام السياسي؛ الضجة بدأت عندما صرحت وزيرة التعليم العالى الفرنسية «فريديريك فيدال» أنها طلبت من المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية إجراء دراسة حول ما أسمته «اليسارية الإسلامية» Islamo-Leftism، وقالت «أعتقد أن اليسارية الإسلامية تضر بالمجتمع ككل وأن الجامعة ليست محصنة»، وألمحت إلى أن بعض الأكاديميين الفرنسيين ذوي الميول اليسارية يرفضون انتقاد ما وصفته بالراديكالية الإسلامية، وذكرت أن الهدف من الدراسة هو التمييز بين ما يتعلق بالبحث الأكاديمي وما يتعلق بالنشاط والرأي السياسي.

وتشير التقارير الصحفية إلى أن مصطلح «اليسارية الإسلامية» ظهر منذ حوالى 20 عامًا على يد المؤرخ الفرنسي «بيير تاجييف»، الذي وصفه بأنه تحالف سياسي بين المتشددين اليساريين والمتطرفين الإسلاميين. واستخدم الفيلسوف الفرنسى باسكال بروكنر المصطلح في كتاب له عام 2015، وذكر أن اليساريين يدركون قدرة الإسلام على إثارة الاضطرابات المجتمعية، وبالتالي فهم يروّجون لتحالفات تكتيكية مؤقتة مع الأحزاب الإسلامية الرجعية، وفى نفس الوقت، يتظاهر الإسلاميون بالانضمام إلى اليسار فى معارضة العنصرية والاستعمار الجديد والعولمة لتحقيق هدفهم الحقيقي المتمثل في فرض «الثيوقراطية (الدولة الدينية) الشمولية». مصطلح «اليسارية الإسلامية» انتقل إلى عالم السياسة، واستخدمته مارين لوبان، زعيمة التيار اليمينى المتطرف فى فرنسا، ووصفته بأنه أكبر تهديد فى القرن، كما استخدمه عدد من وزراء حكومة الرئيس ماكرون، كان آخرهم وزيرة التعليم العالى.

الجدل حول «اليسارية الإسلامية» ارتبط أيضا بتصعيد الهجوم على عدد من نظريات العلوم الاجتماعية، التى يصفها مسؤولون فرنسيون بأنها تمثل تهديدا لاستقرار المجتمع، وهي النظريات المتعلقة بالعِرق والنوع وما بعد الاستعمار، والتى تركز على أن العداء تجاه الإسلام، المتجذر فى التجربة الفرنسية الاستعمارية، يستمر فى تشكيل حياة المسلمين الفرنسيين.

الرئيس ماكرون وصف هذه النظريات فى خطاب له بأنها «نظريات العلوم الاجتماعية المستوردة بالكامل من الولايات المتحدة».

وأشار أحد المنتقدين لها إلى أن «الاستيراد المصطنع» لهذه النظريات من الجامعات الأمريكية هدفه المساهمة فى تقويض المجتمع الفرنسي، وخلق رواية خاطئة عن «العنصرية المنهجية» فى فرنسا ضد المسلمين، شبيهة بالروايات المتعلقة بالسود الأمريكيين، والتركيز على أن أوضاع المسلمين فى فرنسا هى نتاج سياسات الهوية القائمة على الضحية، وفقا للنمط الأمريكي.

فى هذا الإطار، ذكر ماكرون أن أحفاد المهاجرين العرب والأفارقة «يعيدون النظر فى هويتهم من خلال خطاب ما بعد الاستعمار أو مناهضة الاستعمار» والوقوع فى فخ نصبه أشخاص يستخدمون هذا الخطاب باعتباره شكلًا من أشكال «الكراهية الذاتية» التي تمت تغذيتها ضد فرنسا.

التصريحات السابقة أثارت ردود فعل من المجتمع الأكاديمي الفرنسي، ففي حين أيّد البعض التوجه إلى «الانجرافات الفكرية والأيديولوجية فى الأوساط الجامعية»، فقد أدانها البعض الآخر، ومنها المجلس الوطنى للبحوث العلمية، والذى تم تكليفه بالتحقيق فى الدراسات المرتبطة باليسارية الإسلامية، والذى أصدر بيانا جاء فيه أنه سيقوم بالدراسة التى طلبتها وزيرة التعليم العالى، ولكنه أدان فى نفس الوقت «محاولات نزع الشرعية عن مجالات البحث المختلفة، مثل دراسات ما بعد الاستعمار أو الدراسات المتعلقة بالعرق، أو أى مجال آخر من مجالات المعرفة»، وأنه يأسف لـ«الاستغلال السياسى» و«استغلال العلم» فى هذه القضايا. البعض أيضًا وصف تصريحات الوزيرة بأنه «ستار من الدخان» لإخفاء إخفاقات الحكومة فى دعم الطلاب «الذين يمرون بضائقة غير مسبوقة» خلال جائحة كورونا.

الجدل الأكاديمى السابق له بالتأكيد أبعاد سياسية، فهناك فريق من الساسة الفرنسيين يرفض فكرة المجتمع متعدد الثقافات (النموذج الأمريكى)، ويسعى إلى الحفاظ على هوية فرنسية موحدة، ينصهر فى إطارها كل من يعيش فى فرنسا، بغض النظر عن خلفيته الدينية أو العرقية. البعض الآخر هدفه انتقاد الانتهازية السياسية المتبادلة بين عناصر من اليسار المتطرف وتلك من تيار الإسلام السياسى. أما الهدف السياسى الآخر فيتعلق بأن الانتخابات الرئاسية الفرنسية موعدها هو العام القادم، وسوف يواجه فيها الرئيس ماكرون منافسة شديدة من مارين لوبان، زعيمة التيار اليمينى المتطرف، وبالرغم من أن ماكرون ينتمى لتيار يسار الوسط، إلى أنه يستهدف بحملته على الإسلام السياسى واليسار المتطرف جذب قطاعات من اليمين الفرنسى للتصويت له، وذلك باستخدام لغة قريبة من لغة اليمين.

خلاصة ما سبق، وبعيدا عن الجدل المتعلق بالحريات الأكاديمية، فإن الانتهازية السياسية بين بعض التيارات المدنية وتيار الإسلام السياسى، قد وجدت طريقها للمجتمعات الغربية، بعد أن عرفتها العديد من المجتمعات العربية والإسلامية، أما الدرس الأساسى الذى يجب أن تدركه حكومة الرئيس ماكرون- أو أي حكومة أخرى- فهو أن استخدام لغة اليمين بهدف جذب ناخبيه يعد سلاحًا ذا حدين، وقد يؤدي إلى تقوية اليمين بدلًا من سحب البساط من تحت قدميه.

شاهد أيضاً

إيران وإسرائيل… الحرب والحديث المرجّم

بقلم عبد الله العتيبي – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم- ضعف أميركا – سياسياً لا …