الرئيسية / مقالات رأي / الثورة الإيرانية وضياع البوصلة

الثورة الإيرانية وضياع البوصلة

بقلم: محمد خلفان الصوافي – العرب اللندنية

الشرق اليوم- مرت الأسبوع الماضي الذكرى 42 على نجاح الثورة الإسلامية في إيران، إثر ثورة شعبية قادها آية الله الخميني من منفاه في فرنسا ضد نظام محمد شاه بهلوي بهدف تحسين المستوى المعيشي للشعب وإصلاح أوضاعه الاجتماعية التي كانت سيئة رغم ثراء دولته. ولكن اليوم وبعد مرور أكثر من أربعة عقود هل حقق الشعب الإيراني هدفه من الثورة؟

مثل هذا التساؤل يتردد كثيرا على لسان المراقبين للشأن الإيراني، وفي الوقت نفسه يثير فضول الناقمين على النظام الإيراني ويدفعهم إلى المقارنة مع أيام الشاه. أما بالنسبة إلى الشعب الإيراني البسيط، فإن التساؤل يفتح بابا للشكوى المرة، فهم من ساهموا في إيصال الملالي إلى السلطة، ويدفعهم للاحتجاج إلى درجة يكاد يتعذر معها إغلاق هذا الباب بسهولة، لأنه ينتقل كل يوم من شريحة اجتماعية إلى أخرى؛ مرة تجدها عند المتقاعدين، ومرة عند العاطلين عن العمل والفقراء. وبسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور، يصل الأمر بهم إلى درجة يتمنون معها أنهم لم يقوموا بالثورة، لأن ما فعله نظام الملالي أسوأ بكثير مما فعله الشاه، فهو على الأقل حفظ لهم هيبتهم أمام العالم.

لماذا كل هذا الغضب؟ في الواقع لو أراد أي مراقب للشأن الإيراني أن يقيّم تجربة الحكم في إيران خلال هذه الفترة لن يخرج إلا بسمتين أساسيتين هما الآن قرين النظام الإيراني. السمة الأولى، أن إيران الدولة التي كانت يوما تتغنى بأنها نموذج للاستقرار والتنمية أصبحت بعد الثورة مباشرة قائدة لكل ما يتسبب في الفوضى والدمار في المنطقة وتهديد استقرار العالم من خلال دعم الميليشيات والمتطرفين المنتشرين في منطقة الشرق الأوسط، والقيام بعمليات اغتيال المعارضين للنظام الإيراني في الدول الأوروبية وحتى الجوار، كما حدث مؤخرا في تركيا التي اعتقلت دبلوماسي إيراني بتهمة المشاركة في اغتيال معارض وغيرها من القصص وصناعة الأسلحة والصواريخ الباليستية.

السمة الثانية تخص الداخل الإيراني، وهي أن حالة الإنسان الإيراني البسيط الذي كان وقودا للثورة ضد نظام الشاه من أجل تحسين مستوى معيشته والاستفادة من ثروة بلاده الضخمة اكتشف أن ثورته تم اختطافها من قبل الملالي الذين يحكمون البلاد ويقودونها من حرب إلى أخرى مبذّرين ثروته. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أشارت دراسة إيرانية نشرتها وكالة أنباء الطلابية “إيسنا” إلى أن حوالي 33 في المئة من سكان إيران في حالة الفقر المطلق وأن 6 في المئة أي ما يعادل 5 مليون إيراني لا يجدون ما يأكلونه وأن هناك توقعات لأن يرتفع هذا العدد إلى 16 أو 20 مليون إيراني إذا ما جرى توخي الدقة في نشر الإحصائيات.

الواضح من سياسات قادة إيران الحاليين أنهم لا يعبأون كثيرا بالظروف المعيشية للشعب الإيراني. وكأن الأصل أن يتمتعوا هم “كنخبة” على رأس السلطة بالثروة الكبيرة للدولة الإيرانية فقط. بل الواضح أيضا أن أولوياتهم هي إنفاق أموال الشعب من أجل “استعداء” الجوار الجغرافي وصنع برامج نووية لا تخدم الشعب الإيراني وصناعة صواريخ لا تجلب لهم إلا المتاعب مع المجتمع الدولي.

إنجازات قادة الثورة الإيرانية تقتصر على التباهي أمام الرأي العام العالمي بعمليات الاغتيال لمعارضيها من الإيرانيين.

هناك في داخل النظام الإيراني من الأصوات الحية والمدركة أن بوصلة الثورة غيّرت اتجاهها الصحيح، أغلبهم اختفى من الساحة الإيرانية وعدد قليل منهم لا يريدون أن يقولوا ذلك للمرشد الحالي خامنئي القابض على السلطة في إيران أو للمتنفّذين والمستفيدين من الوضع بغض النظر عما يحصل للشعب الإيراني.

المرشد والحاشية يرتكبان خطأ كبيرا بتجاهل حالة الغضب الذي يعيشه الشعب الإيراني، فالمظاهرات تخرج من حين إلى آخر تقودها مختلف الشرائح الاجتماعية، وقد شهدت الأيام القليلة الماضية مظاهرات قادها المتقاعدون في طهران وأصفهان وكرمنشاه وغيرها من المدن الكبرى، وهذا دلالة ومؤشر على “كفر” الشعب الإيراني بالثورة وأهدافها.

استمرار النظام الإيراني في اختلاق الخلافات مع المجتمع الدولي وفي الإقليم من حوله يؤكد أنه لا يريد أن يركز على ضمان حياة كريمة للشعب الإيراني. شراء الذمم وبناء البرنامج النووي وخوض الحروب مع الجوار ليست من أولويات فقراء إيران. وهذه النقطة مهمة على نظام الملالي أن ينتبه لها، فهي كانت السبب في ثورة الإيرانيين ونجاحها قبل أربعة عقود.

شاهد أيضاً

سوريا وروسيا.. الفرص الناشئة

بقلم: عبدالحميد توفيق- العينالشرق اليوم– تدرك موسكو أن سوريا تشكل أحد التحديات الاستراتيجية المهمة التي …