الرئيسية / مقالات رأي / بايدن والتحدي الإيراني…تجنّب ضعف أوباما وتهور ترامب

بايدن والتحدي الإيراني…تجنّب ضعف أوباما وتهور ترامب

بقلم: هشام ملحم – النهار العربي

الشرق اليوم- قالت مصادر مطلعة على المداولات المتعلقة بالعلاقات الأميركية – الإيرانية وتحديداً كيفية عودة الولايات المتحدة وإيران إلى الالتزام ببنود الاتفاق النووي الموقع في 2015، أن المشاورات سوف تتكثف في الأيام القليلة المقبلة وبخاصة مع الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق: فرنسا وبريطانيا وألمانيا.ويوم غد (الجمعة) سوف يشارك الرئيس بايدن في اجتماع الكتروني (افتراضي) نظمته بريطانيا للدول الصناعية السبع، لمناقشة التعاون الدولي لمكافحة جائحة كورونا، إضافة الى قضايا دولية أخرى، من بينها سبل إحياء وتطوير الاتفاق النووي مع إيران. ويأتي هذا الاجتماع قبل يومين من الموعد الآحادي الجانب الذي وضعه البرلمان الإيراني لمنع وكالة الطاقة النووية الدولية من حق القيام بأعمال التفتيش المفاجئة للمنشآت النووية الإيرانية.

المسؤولون الأميركيون يرفضون هذه الشروط وغيرها من الضغوط والممارسات الإيرانية مثل رفع مستوى تخصيب اليورانيوم الى مستوى 20 في المئة، إذا لم تلغِ واشنطن العقوبات الاقتصادية التي فرضها الرئيس السابق ترامب، ويقولون غنها لن تغير من موقفهم العلني المعروف، وهو أن على إيران أن تعلن أولاً عودتها للالتزام ببنود الاتفاق، وبخاصة تخصيب اليورانيوم بنسبة 3 في المئة، قبل ان تعود واشنطن الى الاتفاق، الذي انسحب منه الرئيس ترامب في 2018. 

المصادر المطلعة أشارت الى احتمال أن تؤدي الاتصالات الأميركية – الأوروبية، ومن بينها الاتصالات التي سيجريها اليوم (الخميس) وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن وديبلوماسيين أوروبيين آخرين والتي ستتركز على سبل إنقاذ الاتفاق النووي، والى مساعٍ أوروبية تمهد لعودة واشنطن وطهران الى العمل بالاتفاق النووي كخطوة أولى.

هذه الاتصالات الأميركية – الأوروبية تتزامن مع المشاورات التي تجريها إدارة الرئيس بايدن مع قادة الكونغرس، لاطلاعهم على مضمون الاتصالات مع الدول الأوروبية وما تعتزم أن تقوم به الإدارة في الأسابيع والأشهر المقبلة، بخاصة أن هناك تحفظات في الكونغرس، ليس فقط من الجمهوريين بل من بعض الديموقراطيين لعدم الاستعجال للعودة الى الاتفاق النووي قبل الحصول على ضمانات بتطويره – كما تؤكد إدارة بايدن – لجهة شمول أي اتفاق موسع الحد من قدرات إيران الصاروخية، ولتوسيع فترات تجميد إنتاج إيران من اليورانيوم المخصب وتحديد أجهزة الطرد المركزي.

ويوم أمس، وبعد حوالي شهر من دخوله الى البيت الأبيض أجرى الرئيس بايدن أول اتصال هاتفي مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو استمر لساعة حيث ناقشا “أهمية مواصلة المشاورات الوثيقة حول القضايا الأمنية الاقليمية، بما فيها إيران”. ويعتقد أن معارضة نتنياهو القوية لإحياء الاتفاق النووي مع أيران كانت من بين الأسباب التي اخرت اتصال بايدن بنتنياهو.

وعلى الرغم من التشدد الإيراني العلني والمواعيد الاعتباطية التي وضعتها طهران، وإنذاراتها لإدارة بايدن، وعلى الرغم من إصرار المسؤولين الأميركيين على شروطهم لإحياء وتطوير الاتفاق النووي، إلا أن هناك مؤشرات من الطرفين حول وجود رغبة حقيقية باستئناف المفاوضات النووية. وفي تصريحاته العلنية يكرر وزير الخارجية أنتوني بلينكن الحديث عن أن إيران لا تزال بعيدة جداً عن العودة الى الالتزام بالاتفاق النووي، ولكنه يستدرك دائماً بالإشارة الى رغبة واشنطن بالعودة الى المسار الديبلوماسي مع إيران. وهذا ما كرره قبل أيام في مقابلة إذاعية جواباً عن سؤال حول ما اذا كان لا يستبعد استئناف “الديبلوماسية المباشرة ” مع إيران، حين قال: “إذا كنا سنتوصل الى اتفاق، فإن هذا يتطلب الديبلوماسية، وهذه هي الوظيفة التي نمارسها”.

أولويات الرئيس بايدن الملحة، هي داخلية بامتياز، وأبرزها مكافحة جائحة كورونا كمقدمة لإنعاش الاقتصاد. خارجياً، أولوياته هي إحياء التحالفات الأميركية التقليدية، التي قوضها أو أضعفها الرئيس السابق ترامب، وبخاصة إحياء العلاقات الأطلسية، لردع التدخلات الروسية في الشؤون الداخلية لدول حلف شمال الأطلسي، (الناتو)، وغيرها من سياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاستفزازية، وايضاً تحسين العلاقات مع اليابان وكوريا الجنوبية في الشرق الأقصى، لتعزيز قدرة واشنطن على مواجهة النفوذ الصيني الاستراتيجي والاقتصادي في شرق آسيا. أما في الشرق الاوسط، فقد أكد بايدن خلال حملته الانتخابية وبعد انتخابه، أن إحياء وتطوير الاتفاق النووي مع إيران، هو أبرز أولوياته في المنطقة. وأول قرارات إدارة بايدن في الشرق الأوسط، مثل تجميد صفقات الأسلحة للسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، في سياق رغبته بإنهاء الحرب في اليمن، وإلغاء تصنيف الحوثيين كتنظيم إرهابي، كلها تصب في مجرى سياسته الأساسية وهي اعتماد المسار الديبلوماسي مع إيران.

تعيينات بايدن تؤكد ذلك ايضاً. بعض كبار المسؤولين في إدارة بايدن، كانوا من أبرز المسؤولين الذين فاوضوا إيران خلال ولاية الرئيس الأسبق باراك اوباما، على المستويين الثنائي (المفاوضات السرية التي أجراها نائب وزير الخارجية آنذاك وليام بيرنز مع الإيرانيين في عمان، والذي عينه بايدن مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية  السي آي ايه) والمفاوضات المتعددة الأطراف التي شارك فيها لاحقاً روبرت مالي (المبعوث الجديد لإيران) وويندي شيرمان التي أشرفت على المفاوضات، والتي عينها بايدن نائبة لوزير الخارجية بلينكن. ولهذا الفريق الأميركي خبرة واسعة في المفاوضات مع إيران، والمعروف عن بعضهم، أنهم نصحوا الرئيس الأسبق اوباما باعتماد موقف متشدد أكثر تجاه نشاطات إيران التخريبية في المنطقة، ولكن اوباما كان يخشى من أن يؤدي أي تصد قوي لإيران في سوريا والعراق إما الى رد إيراني عسكري يمكن أن يؤثر سلباً في المفاوضات النووية، او الى انسحاب إيران من المفاوضات. 

ولكن كيفية تعامل ادارة الرئيس بايدن حتى الآن مع استفزازت إيران واختباراتها للإدارة الأميركية الجديدة عبر عملائها في لبنان والعراق غير مشجعة لأولئك الذين يطالبون بموقف أميركي قوي تجاه إيران لا يعكس الضعف النسبي لإدارة الرئيس اوباما، او تهور الرئيس ترامب، الذي عاقب إيران من أجل العقاب، وليس لتحقيق أهداف سياسية محددة. وكان هناك تجاهل اميركي لافت ومستغرب في اعقاب اغتيال المثقف اللبناني لقمان سليم  والمعروف بمعارضته القوية والشجاعة لسياسات وانتهاكات “حزب الله” وهيمنته على الدولة اللبنانية، لأي إشارة الى تهديدات “حزب الله” للقمان سليم، او أي اشارة الى جوهر نشاطات وكتابات لقمان سليم حول “حزب الله” وإيران. بيان الوزير بلينكن دان الاغتيال واستنكر اللجوء الى اعمال العنف، ولكن بيانه كان خالياً من أي سياق. بيان بلينكن في أعقاب الهجوم الصاروخي في أربيل العراق، والذي أدى الى قتل وجرح متعاقدين من بينهم عدد من الأميركيين أشار الى غضب الإدارة الأميركية وتضمن التعازي والمواساة، وكأن الهجوم وقع خارج أي سياق سياسي.

من الواضح أن إيران تمتحن إدارة الرئيس بايدن. ومن الواضح ايضاً أن إدارة بايدن، تريد من خلال ردود فعلها الفاترة، أن تقول للإيرانيين إنها لن تتصرف أو ترد مثل إدارة الرئيس السابق ترامب، وكأنه لا توجد هناك خيارات أخرى بين ضعف أوباما وتهور ترامب.

لن يلوم أحد إيران، اذا قرأت في ردود فعل إدارة بايدن على هذه الامتحانات الأولية، ضعفاً مماثلاً لضعف إدارة الرئيس الأسبق باراك اوباما. لا يوجد هناك تناقض بين استئناف المفاوضات مع إيران للتوصل الى اتفاق نووي يخدم مصلحة السلام  والاستقرار في المنطقة ويمنع سباقَ تسلح نووي إقليمياً، وبين التصدي لعدوانية النظام  الإيراني.

شاهد أيضاً

هل تنجح طهران خارج محور المقاومة؟

بقلم: عادل بن حمزة- النهار العربيالشرق اليوم– دخلت منطقة الشرق الأوسط فصلاً جديداً من التصعيد …