الرئيسية / مقالات رأي / بايدن والبرنامج النووي الإيراني

بايدن والبرنامج النووي الإيراني

بقلم: السفير عمرو حلمي – المصري اليوم

الشرق اليوم – تحظى توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران بمعارضة إسرائيلية شديدة، تشاركها فيها مجموعة من الدول العربية، والتي ترى أن تراجع إدارة بايدن عن العديد من سياسات الرئيس ترامب، لا يجب أن يذهب إلى حد العودة إلى هذا الاتفاق في ظل الصعوبة البالغة لإمكانية تصور تراجع إيران عن انتهاكاتها له، بعد أن قامت بتشغيل مجموعات متطورة جديدة من وحدات الطرد المركزي، ورفع تخصيب اليورانيوم إلى ٢٠% المستخدم في صناعة الأسلحة النووية، والذي بلغ رصيدها منه، وفقا للوكالة الدولية للطاقة النووية 2440 كيلو جراما تعادل ثمانية أمثال ما هو مسموح به في الاتفاق النووي.

واتصالا بذلك صرح الجنرال أفيف كوخافي، رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي مؤخرا أن إسرائيل لديها خطط جاهزة للهجوم على إيران، تهدف إلى إحباط محاولاتها الرامية إلى التحول لقوة نووية، مؤكدا خطورة عودة الولايات المتحدة الأمريكية لهذا الاتفاق. وكانت إسرائيل قد قامت بعدد من العمليات ضد البرنامج النووي الإيراني منها الاستحواذ على جانب من قاعدة المعلومات الخاصة به، ثم اغتيال العالم الإيراني محسن فخري زاده يوم 27 نوفمبر الماضي والذي كما يقال يعتبر المسؤول الأول عن تصميم رؤوس نووية يمكن تركيبها على نوعيات من الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى التي يتراوح مداها من 110 إلى 2500 كليومتر والتي تدخل إسرائيل بسهولة ضمن نطاقها.

وتعد تلك القضية من بين القضايا الساخنة التي ستواجه إدارة الرئيس بايدن ضمن مجمل سياساتها حيال منطقة الشرق الأوسط، والتي من المتوقع أن تشهد المزيد من التفاعلات، إذ تكثف إسرائيل من اتصالاتها مع الإدارة الأمريكية الجديدة على المستويات السياسية والأمنية، حيث يعتزم رئيس الموساد زيارة واشنطن قريبا لتأكيد مخاطر التوجهات الأمريكية الجديدة للتعامل مع إيران أخذا في الاعتبار أن الشخصيات التي تتولى مسؤولية الملف الإيراني في الإدارة الأمريكية الجديدة هي نفس الشخصيات التي كانت تتولى هذا الموضوع في إدارة الرئيس أوباما بمن فيهم أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي الجديد ووليام بيرنز رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وجاك سوليفان مستشار الأمن القومي، وروبرت مالي المبعوث الخاص بشأن إيران في الإدارة الأمريكية الجديدة.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد انسحبت من هذا الاتفاق عام 2018، بعد أن وصفه الرئيس ترامب بالضعف الشديد نظرا لعدم كفاية إجراءات التحقق التي تضمن وضع نهاية لطموحات إيران النووية، ولتجاهله معالجة بواعث القلق الأخرى من إيران والتي تشمل أيضا إمكاناتها الصاروخية – خاصة المتوسطة والبعيدة المدى التي يمكن أن تمثل وسيلة لإيصال أسلحة نووية، وما تمثله سياساتها من تهديد لأمن الخليج ولأمن إسرائيل، وأيضا لمجمل الأوضاع في العراق وسوريا ولبنان واليمن، فضلا عن دعمها للإرهاب، ولم تقتصر الإجراءات التي اتخذتها إدارة ترامب على مجرد الانسحاب من هذا الاتفاق، بل ذهبت إلى حد فرض عقوبات على إيران ضمن سياسة تهدف إلى ممارسة أقصى درجات الضغط، والتي شملت عرقلة إمكانية قيام إيران بمواصلة صادراتها من البترول وفرض عقوبات على الشركات الأجنبية التي تتعاون معها.

وبالتوازي مع الاتصالات التي أجرتها الإدارة الأمريكية الجديدة مع ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والترحيب الذي يبديه الاتحاد الأوروبي بالتوجهات الأمريكية الجديدة، وما يتردد عن الحرص الأمريكي على التشاور مع عدد من الأطراف الإقليمية، يمكن القول إن هناك مجموعة من العوامل التي ترجع إلى واقع الداخل الإيراني ذاته وكذلك لحالة الانقسام والاستقطاب الداخلي الذي تشهده الولايات المتحدة الأمريكية، والتي يمكن أن تؤثر فيما يمكن أن تتخذه الإدارة الأمريكية في النهاية حيال إيران وبرنامجها النووي وإمكاناتها الصاروخية وسياساتها التي تؤثر سلبا في الأمن والاستقرار الإقليمي، فضلا عن دورها فى دعم الإرهاب والأصولية والتطرف.

فعلى مستوى الأوضاع الداخلية الإيرانية، من المتوقع أن تطالب إيران، حيث يواجه الرئيس حسن روحاني، معارضة شديدة من المحافظين في الانتخابات المقررة في يونيو 2021، بثمن باهظ للعودة إلى الاتفاق، بما في ذلك الرفع الفوري للعقوبات الأمريكية التي فرضتها إدارة ترامب، وتقديم تعويضات بمليارات الدولارات عن الخسائر التي لحقت بالاقتصاد الإيراني من جراء تلك العقوبات، وهي مطالب قد لا يستطيع الرئيس بايدن الاستجابة لها في ظل عدم وجود مؤشرات يمكن أن توحي باستعداد إيران تفكيك وحدات الطرد المركزي الإضافية التي قامت بتركيبها ووقف عمليات تخصيب اليورانيوم، كما أنه من غير المتصور أن تقوم إيران أيضا بتفكيك برنامجها الصاروخي أو الحد من تدخلاتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، خاصة أن الإيرانيين ومعهم كل من روسيا والصين يدركون أن إدارة الرئيس بايدن قد تكون إدارة لفترة ولاية واحدة، إذ ليس من المستبعد أن يعود ترامب أو أن يخرج ترامب جديد بعد أربعة أعوام من الآن يمكن أن يرجع الأمور إلى المربع الأول، لذا ستركز إيران بدرجة رئيسية على رفع العقوبات الأمريكية والسماح باستئناف تصدير البترول دون تقديم تنازلات جوهرية يمكن أن يوافق المرشد الأعلى ومعه الحرس الثوري عليها لإدارة أمريكية مشكوك في فرص تجديد ولايتها مستقبلا.

أما بالنسبة لحالة الانقسام والاستقطاب الداخلي الذي تشهده الولايات المتحدة الأمريكية ونظرا لأن قضية إيران وتغيير سياسة التعامل معها لا يمكن إقرارها برمتها من خلال أوامر تنفيذية رئاسية، لذا فإن تناول الكونجرس لها قد يشهد معارضة كبيرة ليس فقط من قبل الجمهوريين بل قد ينضم إليهم عدد من الديمقراطيين، خاصة أن إسرائيل لن تتردد فى التأثير على مواقفهم أخذا في الاعتبار “أن الطبيعة غير السلمية للبرنامج النووي الإيراني لم تعد محل شك”، بعد أن تخطت إيران ما كان مفروضا عليها الالتزام به في اتفاق عام 2015، سواء فيما يتعلق بإنتاج البلوتونيوم أو اليورانيوم عالي التخصيب والذي يتم في المفاعلات الإيرانية في نطنز وفوردو وآراك، وهو ما يجعل التسرع في رفع العقوبات الأمريكية المفروضة حتى ولو تم بصورة تدريجية عملية محفوفة بالمخاطر، وقد لا يترتب عليه تراجع إيراني فعلى عما حققته من إنجازات في تطوير برنامجها النووي أو في برامجها الأخرى للتسلح، حتى ولو تم الاتفاق على من سيتخذ الخطوة الأولى التي يمكن أن تؤدي إلى استئناف التفاوض.

فالمواجهة الراهنة بين البلدين هي في حقيقة الأمر مواجهة بين أوباما وبايدن من ناحية، وبين المرشد الأعلى علي خامنئي ومعه الحرس الثوري من ناحية أخرى، مع تأييد أوروبي وكذلك من روسيا والصين لإعادة إحياء اتفاق 2015 بصورة أو بأخرى، وهو ما يتزامن مع توجهات إسرائيلية للتحرك منفردة إذا ما اقتضت الحاجة ذلك، بما قد يؤدي إلى تقويض آمال الإدارة الأمريكية الجديدة في العودة للماضي وتحقيق نتائج مختلفة.

شاهد أيضاً

أميركا إذ تتنكّر لتاريخها كرمى لعينيّ نتنياهو

بقلم: راغب جابر- النهار العربيالشرق اليوم– فيما تحارب إسرائيل على أكثر من جبهة، تزداد يوماً …