الرئيسية / مقالات رأي / اليأس الذي يهدد إيران

اليأس الذي يهدد إيران

بقلم: بهروز غماري – صحيفة الخليج

الشرق اليوم– هالة لاجوردي، أستاذة علم الاجتماع الإيرانية، توفيت الأسبوع الماضي في طهران عن عمر يناهز 56 عاماً. ولم يكشف شقيقها الذي نشر خبر وفاتها على تويتر عن سبب الوفاة. عرف المقربون منها أنها عانت نوبات الاكتئاب لسنوات عديدة، خاصة بعد أن تم فصلها من منصبها في جامعة طهران منذ أكثر من 10 سنوات.

 تلقت لاجوردي تعليمها داخل البلاد وحصلت على درجة الدكتوراه من جامعة طهران في النظرية السياسية. وقد لوحظ تألقها عندما وظفها نفس القسم الذي منحها درجتها كأستاذ مساعد بعد أن قدمت لها أطروحة الدكتوراه. أثبتت لاجوردي نفسها كمفكرة عامة مؤثرة من خلال عملها في Aarganun، وهي مجلة مخصصة للنقد الأدبي والفلسفة والنقد الفني والنظرية السياسية.

 ومن عام 1995 إلى عام 2006، بصفتها عضواً في مجلس الإدارة، ساهمت بانتظام في المجلة من خلال الترجمات الدقيقة لنصوص المنظرين الذين أثّروا في عملها. تشمل القائمة الطويلة لترجماتها أعمال ثيودور أدورنو، وهربرت ماركوز، وريتشارد رورتي، وبول ريكور، وهاند جورج جادامر، وبول فاليري، وغيرهم الكثير. ولقد لعبت دوراً رئيسياً في تعريف جيل جديد كامل من الإيرانيين بالنقد كمهنة فكرية.

 إن مساهمتها الدائمة هي التي تجعل وفاتها مرتبطة بذكرى الثورة – فكتابها (الحياة اليومية في إيران الحديثة 2010)، الذي استند إلى أطروحتها، هو نظرة نقدية للتحول في الحياة اليومية للإيرانيين، وخاصة حياة النساء، بعد عقدين من ثورة 1979. كتبت لاجوردي عن فترة من الحياة بعد الثورة عندما كان الناس في جميع مناحي الحياة يحاولون تأسيس إحساس بالعودة إلى الوضع الطبيعي والنظام خارج الحماسة الثورية ودمار الحرب.

 كتبت لاجوردي كتابها خلال العقد الذي شهد صعود المجتمع المدني، في الوقت الذي نظر فيه جيل جديد من الإيرانيين إلى الداخل على أمل تحقيق إمكانيات في التحولات التأسيسية والتغيير الاجتماعي. ورأت لاجوردي نفسها كأحد مواضيع دراستها. ولقد فهمت تجربة السيادة الفردية على أنها “مسار على حافة شفرة الحلاقة”.

 ولا أعرف ما إذا كانت اختارت “حافة الشفرة” في ذلك المقطع في كتابها كمرجع لرواية سومرست موجام. لكن مخاوفها في كتابها حول التوتر بين الوعي بالذات وإمكانيات المرء الحقيقية في الحياة، بين الأمل واليأس، تذكرنا بالنقوش في كتاب موجام “فالحافة الحادة لشفرة الحلاقة يصعب تجاوزها؛ هكذا يقول الحكماء وأن الطريق إلى الخلاص صعب”.

لم تكن حافة شفرة الحلاقة لطيفة مع لاجوردي. فقد تم فصلها من وظيفتها بعد الاحتجاجات الحاشدة على نتائج الانتخابات الرئاسية في عام 2009. وأصبحت الحياة اليومية صراعاً من أجل عالم الحياة اليومية. وقد خنقت طبقة سميكة من اليأس والاكتئاب آفاق الأمل والبهجة.

 وفي مذكرة حول وفاة هالة لاجوردي، كتب أحد زملائها عباس كاظمي: “البشر المذهلون الذين تلاشىوا وماتوا، وكثير منهم لا نعرف أسماءهم، ذهبوا إلى اليأس في هجرة أبدية. الثورات، مسارات على حافة شفرة حلاقة، ومغامرة دموية في عالم يعد بالأمل ويواجه اليأس. رأت هالة لاجوردي بتألق حقيقي أن الحياة اليومية للأمة لن تكون كما هي بعد أن خضعت لثورة تاريخية”.

الحكام الحاليون للبلاد يجب عليهم الاعتراف بأن هذا اليأس يقوض شرعية حكمهم. فاليأس مرض يهدد سيادة البلاد. لقد ترك الكثير من الناس قطار الثورة منذ بدايتها، وتنحى كثيرون وطرد آخرون. ولكن اليوم هناك توقعات يجب تحقيقها، ومطالب يجب الوفاء بها، وأصوات يجب أن تُسمع.

 وقد يتم إسكات الأشخاص الذين يجعلون أصواتهم مسموعة، وقد وقع البعض مثل هالة لاجوردي في اليأس المطلق، وغادر البعض الآخر إلى المنفى، وأضفى البعض طابعاً رومانسياً على الحياة قبل الثورة، وروج البعض للعقوبات الأمريكية المنهكة المفروضة على الأمة بأكملها كإيقاظ.

 لكن هل يريد من هم في السلطة أن يحكموا أمة ممزقة باليأس؟ دعونا نأمل أن تُسمع هذه الأصوات الجميلة، حتى في غيابها الأبدي.

شاهد أيضاً

رهان أمريكا على الهدنة

بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج الشرق اليوم- فرضت غزة نفسها بقوة على صانع القرار …