الرئيسية / مقالات رأي / اليوم الأول من المحاكمة الثانية… ترامب مستاء من فريق الدفاع

اليوم الأول من المحاكمة الثانية… ترامب مستاء من فريق الدفاع

بقلم: هشام ملحم – النهار العربي

الشرق اليوم- صّوت مجلس الشيوخ الأمريكي أمس على المضي بمحاكمة الرئيس السابق دونالد ترامب بتهمة تحريض أنصاره على اقتحام مبنى الكابيتول لعرقلة تصديق الكونغرس على انتخاب جوزف بايدن الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة، ورفض بذلك حجج محامي ترامب بأن المحاكمة غير دستورية لأن ترامب لم يعد رئيساً، ولأن خطابه أمام أنصاره قبل احتلال الكابيتول، كان مشروعاً ويعبر عن رأيه، وهو حق يضمنه التعديل الأول للدستور. وصوّت على قرار مواصلة المحاكمة خمسون عضواً ديموقراطياً، وانضم اليهم ستة أعضاء جمهوريين، كان آخرهم السناتور بيل كاسيدي الذي قال إنه غيّر رأيه لأن فريق الادعاء الديموقراطي من مجلس النواب قد قدم مرافعة متماسكة وموثقة، بينما كانت مرافعة محامي ترامب مفككة ومبهمة. ويقتضي تجريم ترامب تصويت ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ المئة، ما يعني أن فرص تبرئة ترامب لا تزال عالية، على الرغم من قوة الأدلة ضده، ووجود سوابق حول محاكمة مسؤولين في مجلس الشيوخ بعد انتهاء خدمتهم، وإن لم يكن هناك بين هذه السوابق رئيس أميركي سابق صدر ضده حكم من مجلس الشيوخ.

وجاء التصويت بعد أكثر من 4 ساعات من المرافعات من قبل فريق الادعاء ومحامي ترامب، والتي كانت مدعومة بأشرطة الفيديو، والسوابق التاريخية واقتباسات عديدة من الحقوقيين. وبدأ رئيس فريق الادعاء النائب، والحقوقي السابق، جايمي راسكين بمداخلة قوية ومتماسكة، تضمنت عرض فيديو مروّع للهجوم على الكابيتول مدته 13 دقيقة وتخللته مقاطع استفزازية وتحريضية من خطاب الرئيس ترامب الذي سبق الاجتياح، وتضمن الشريط صوراً جديدة للعنف الذي استخدمه الرعاع، والذي أدى الى قتل 5 اشخاص من بينهم شرطي، وجرح أكثر من 140 شخصاً. وقال راسكين انه اذا لم تكن أعمال العنف هذه التي حرّض عليها ترامب لا تستحق تجريمه، فلن يستحق تجريمه أي شيء آخر. ووثّق راسكين وأعضاء فريقه حججهم بالاقتباس من الحقوقيين المحافظين القدامى والمعاصرين الذين أكدوا أن محاكمة مجلس الشيوخ لمسؤولين سابقين هو أمر دستوري.

وخلال مرافعته، توقف راسكين للحظات ليتماسك نفسه وليحبس دموعه، قبل أن يقول لأعضاء مجلس الشيوخ، “أيها الشيوخ، هذا لا يجب أن يكون مستقبلنا، هذا يجب أن لا يكون مستقبل أميركا. لا يمكننا أن نقبل برؤساء يحرّضون ويعبّئون الرعاع وعنفهم ضد حكومتنا ومؤسساتنا لأنهم يرفضون قبول إرادة الشعب وفقاً لدستور الولايات المتحدة”. ولعل أبلغ عبارة استخدمها راسكين كانت حين قال إن قوانين محاكمة الرؤساء صيغت بالتحديد لمحاسبة قادة مثل ترامب “الذي لا يعرف الكثير عن الذين صاغوا الدستور، ولكنهم بالتأكيد كانوا يعرفون الكثير عن أمثاله”. ولكن على الرغم من بلاغة راسكين وفريق الادّعاء الديموقراطي إلا أنهم لم يفلحوا إلا بإقناع سناتور جمهوري واحد للانضمام اليهم.

واتسمت مرافعة المحامي الأول للرئيس السابق بروس كاستور بالغرابة وحفلت بالاستنباطات، والثناء السخي والرخيص على “وطنية” أعضاء مجلس الشيوخ واهميتهم “غير الاعتيادية”، كما أثار كاستور استغراب الأعضاء الجمهوريين في المجلس لأنه اعترف، بعكس الرئيس ترامب، أن الرئيس السابق قد خسر الانتخابات، وقال إن فريق الادعاء قد قام بعمل جيد. وبعد حوالى خمسين دقيقة من السيل اللفظي، تطرق كاستور الى جوهر قضية الدفاع، ألا وهي أن محاكمة رئيس ليس موجوداً في السلطة، غير ممكنة، لأن الهدف من احالته الى المحاكمة هو عزله، وكيف يمكن عزله اذا لم يكن في منصبه، كما نفى أن يكون ترامب مذنباً بتحريض أنصاره، وانه عندما حضّهم على “القتال” فإنه لم يكن يعني الكلمة حرفياً، وأنه لا يمكن حرمان الرئيس من حقه كمواطن في التعبير عن نفسه.

ولحقه المحامي الثاني لترامب واسمه دافيد شون، الذي قدم مرافعة قانونية أفضل وأكثر تماسكاً من مرافعة زميله كاستور. ولكن شون، ضلل مستمعيه حين اتهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بتأجيل محاكمة ترامب الى ما بعد مغادرته للبيت الأبيض، بينما الواقع هو أن السناتور الجمهوري ميتش ماكونال الذي كان رئيساً للأغلبية الجمهورية السابقة هو الذي قرر تأجيل محاكمة ترامب الى ما بعد سيطرة الديموقراطيين على مجلس الشيوخ. واتهم دافيد شون الديموقراطيين بأنهم يسيئون استخدام صلاحيات محاكمة الرئيس “لتحقيق مآرب سياسية”، وقال إنهم لا يسعون الى تحقيق الوحدة الوطنية بل الى تمزيق البلاد. وادّعى شون أن لدى الديموقراطيين “شهوة لا تشبع” لتدمير دونالد ترامب، محذراً من أن ذلك سيخلق سابقة لملاحقة المسؤولين السابقين.

ردود الفعل الأولية لأداء فريق الدفاع عن ترامب، خصوصاً المحامي كاستور، كانت سلبية وحتى ساخرة. ووفقاً لتقارير نشرت في كبريات الصحف، شعر الرئيس ترامب الذي راقب المحاكمة باستياء شديد من أداء فريق دفاعه وبخاصة المحامي كاسترو. وعيّن ترامب فريق محاميه بسرعة، بعد أن انسحب جميع أعضاء فريقه الأول في أواخر الشهر الماضي، لأنهم رفضوا الدفاع عنه استناداً الى حجته الواهية بأن الانتخابات كانت مزورة.

وليس من الواضح حتى الآن ما اذا كان فريق الادعاء سوف يطلب مثول شهود ضد الرئيس السابق خلال الأيام المقبلة، أم سيكتفي بعرض أشرطة الفيديو العديدة والتي تبيّن أن الرعاع الذين اقتحموا الكابيتول كانوا يقولون إنهم ينفذون تعليمات ترامب. وكان ترامب قد رفض في الأسبوع الماضي طلب فريق الادعاء المثول كشاهد في المحاكمة. وتؤيد أكثرية بسيطة من الأميركيين تجريم ترامب، وحرمانه من ممارسة أي نشاط سياسي في المستقبل.

اذا استمر أداء فريق ترامب على سلبيته، واستمر فريق الادعاء مواصلة مرافعاته بفعالية، فإن ذلك سيفتح المجال لإقناع عدد ضئيل من الشيوخ الجمهوريين للتصويت لتجريم ترامب، ولكن ذلك لن يرقى برأي العديد من الحقوقيين والسياسيين الى العدد الكافي لتجريمه. وهذا يعني أن ترامب سوف يبقى قوة لا يستهان بها في البلاد، وسوف يواصل تحدي الرئيس الجديد، كما يعني ذلك استحالة حدوث عملية إصلاح أو مراجعة ذاتية كما تأمل أقلية داخل الحزب الجمهوري، توافق على أن الرئيس السابق انتهك مراراً الدستور الأمريكي.

شاهد أيضاً

“وستڤاليا” معاهدة أنهت الحروب الدينيّة، ولكن..

بقلم: حسن إسميك- النهار العربيالشرق اليوم– بدأتُ هذه السلسلة تحت عنوان عريض هو “هل تجاوزت …