الرئيسية / مقالات رأي / أمريكا عادت

أمريكا عادت

بقلم: محمد سلامة – صحيفة الدستور

الشرق اليوم- “أمريكا عادت”..إلى قيادة العالم،  شعار رفعه الرئيس جو بايدن، على خلاف شعار سلفه الرئيس السابق دونالد ترامب الذي رفع شعار “أمريكا أولا”، وإذا دققنا في سياساته الراهنة وعلاقات بلاده بالقوى السياسية والإقتصادية العالمية والقوى المنافسة ،يمكننا أن نسأل.. عن معنى أمريكا عادت..هل عادت إلى قيادة العالم بالقوة الناعمة من خلال العمل السياسي والديبلوماسي والتعاون مع الحلفاء والاصدقاء لترويض الخصوم؟..أم عادت إلى فرض هيمنتها السياسية والاقتصاديةعلى العالم بالقوة؟!،..أم بالاثنتين معا ؟!.

أمريكا عادت..شعار ردده الرئيس بايدن فترة ترشحه للانتخابات الرئاسية وبعد نجاحه عاد تكرار هذا الشعار، وفي خطابه الأخير في وزارة الخارجية عاد وأكد عليه، مما يعني أنه يتبنى سياسة مغايرة لسلفه تقوم على ثلاثة عناوين نؤشر عليها بالآتي:-

روسيا والصين وإيران..هذه الدول الثلاث تهدد مصالح وهيمنة واشنطن، وتقوض قيادتها للعالم، فروسيا قوة عالمية على تخوم أوروبا حليفة أمريكا الأول في العالم،والفراغ الذي تركه الرئيس ترمب دفع بقادة أوروبا إلى البحث عن قوة أوروبية لمواجهة الخطر الروسي، وقد ظهرت أصوات تنادي علنا بإنشاء قوة أوروبية خاصة ” الإعتماد على الذات”، لكن مع الرئيس الجديد جو بايدن اختلفت السياسات رأسا على عقب، فبات الخطاب الأوروبي أكثر تساوقا مع السياسات الأمريكية ضد روسيا، وما معركة طرد الديبلوماسيين الراهنة ما بين موسكو من جهة وألمانيا والسويد وبولندا من جهة ثانية إلا جزاء من هذا المشهد، وأوروبا وحدها ضعيفة أمام الدب الروسي الحالم بالهيمنة ليس على أوروبا بل والعالم.

الصين..القوة الإقتصادية الصاعدة والمنافسة لأمريكا باتت في قلب المعركة، ودورها ليس في سباق التسلح النووي والفضاء بل في كونها ثاني أكبر إقتصاد عالمي بعد تفوقها على الكتلة الأوروبية، وتهديدها هيمنة الدولار الأمريكي، ورغبتها ليس في المنافسة بل في قيادة العالم اقتصاديا، وهي الآن تتغلغل في قارة أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وفي دول الشرق الأوسط عبر طريق الحرير، وإقامت ما يمكن وصفه ببنية تحتية إقتصادية قارية لإبعاد أمريكا وأوروبا عن مناطق هيمنتها، وطرحت عملتها اليوان كبديل عن الدولار للتعاملات الاقتصادية العالمية، وباتت على مسافة محدودة لمجاراة إقتصاد أمريكا، فاجمالي ناتجها القومي يقترب من (16) ترليون دولار سنويا .

إيران.. لا تنافس أمريكا اقتصاديا، وغير قادرة على مجارة روسيا والصين سياسيا، لكن الصداع الإيراني لأمريكا يتمثل في دخولها على ملفات الشرق الأوسط، وتحديها لإسرائيل، وهي تتحرك في العراق واليمن وسوريا، وتهدد ليس مصالح أمريكا بل مشاريعها وأهدافها في الهيمنة والعربدة على الإقليم ككل، والخلاف في ظاهره حول البرنامج النووي، لكن البواطن تشي بابعد من ذلك، وما الحروب الطاحنة منذ سنوات فى المنطقة العربية إلا تعبيرا عن الرغبة بإخراج إيران مهزومة سياسيا واقتصاديا وإذا لزم الأمر بالقوة العسكرية.

أمريكا عادت تحت قيادة جو بايدن لترميم الخراب السابق لإدارة ترامب، فقررت تعزيز تحالفاتها مع أوروبا لمواجهة روسيا والصين سياسيا واقتصاديا، وقررت التناغم مع إسرائيل ومصالحها لاحتواء إيران، وهي الخاصرة الأضعف دوليا والأكثر إيلاما كونها تهدد مصالحها مباشرة في النفط والغاز والهيمنة على الشرق، والمعركة في بداياتها، وما يمكن رصده أن إدارة بايدن تريد وقف التمدد الإقتصادي الصيني كحد أدنى، وإعادة روسيا إلى ما وراء المياه الدافئة، وإبقاء الضغوط الإقتصادية عليها، وإخراج إيران من اللعبة الإقليمية.. ويبقى السؤال..أمريكا عادت لتقود العالم.. هل تنجح ضد إيران دون إنهاء حرب اليمن ودون إنهاء حل قضية فلسطين ؟!، وهل تنجح ضد الصين بتقوية اليابان وكوريا الجنوبية وإرغامها على التفاوض لا التنافس لقبول شروطها؟، وكيف لها أن تنجح في مواجهة روسيا وأوروبا خائفة من تقلباتها السياسية ؟!.وهل ستفعل ذلك بالقوة الناعمة مع روسيا والصين أم بالقوة الغليضة مع إيران؟!.

الرهانات على تغيير جذري في سياسات إدارة بايدن ليست واقعية، وربما تصبغ بداياتها بالتهدئة مع الخصوم، والمفاجآت متوقعة لجهة فشل العودة للاتفاق النووي مع إيران، وبما يعني أن قادة طهران قد يفاجئون العالم ذات يوم بامتلاك أسلحة نووية على غرار كوريا الشمالية، كما أن قدررتها على حلحلة قضية فلسطين والضغط على إسرائيل لتطبيق القرارات الدولية وانهاء دوامات الحروب والعنف في منطقتنا ليس واقعيا، ولهذا فإن واشنطن أمام مرحلة مصيرية وتاريخية لها ولحلفائها في أوروبا والمنطقة العربية.

الأيام القادمات تحمل في ثناياها ملامح أكثر وضوحا لسياسة واشنطن تجاه قضايا الشرق الأوسط والعالم.

شاهد أيضاً

أميركا إذ تتنكّر لتاريخها كرمى لعينيّ نتنياهو

بقلم: راغب جابر- النهار العربيالشرق اليوم– فيما تحارب إسرائيل على أكثر من جبهة، تزداد يوماً …