African leaders pose for a group photograph at the opening session of the 33rd African Union (AU) Summit at the AU headquarters in Addis Ababa, Ethiopia Sunday, Feb. 9, 2020. Topics on the table for discussion included the situations in Libya and Sudan, as well as President Donald Trump's Middle East initiative. (AP Photo)
الرئيسية / مقالات رأي / مواجهة جزائرية – مغربية بأنفاس مختلفة في قمة الاتحاد الأفريقي

مواجهة جزائرية – مغربية بأنفاس مختلفة في قمة الاتحاد الأفريقي

بقلم: عبد الرحيم التوراني – أصوات مغاربية

الشرق اليوم- قبل أسبوعين، كانت الآراء متباينة حول القمة الأفريقية 34 بأديس أبابا، ما بين أن تكون حضوريا على مستوى القادة والرؤساء، أو تأجيل عقدها. لكن اعتبارا لتوصيات الدكتور جون نكنجاسونغ رئيس مراكز أفريقيا للأمراض والأوبئة التابع للاتحاد الأفريقي، تقرر تفادي التأجيل بتحويلها إلى قمة افتراضية بتقنية “الفيديوكونفرانس”، بدل حضور الرؤساء إلى قاعة نيلسون مانديلا في مقر منظمة الاتحاد الأفريقي بالعاصمة الإثيوبية.

وجاء في بيان إخباري للخارجية الإثيوبية بأن القمة الأفريقية 34 ستعقد “افتراضيا” بسبب جائحة كورونا يومي 6 و7 فبراير 2021. 

تأتي أهمية هذه الدورة في كونها ستشهد انتخاب المرشحين للمناصب الرئيسية بالاتحاد، وهي رئيس المفوضية ونائبه وستة مناصب لمفوضي الاتحاد لأربع سنوات مقبلة.

ولأول مرة سيتم اللجوء إلى التصويت الإلكتروني في هذه الانتخابات، وفق قواعد جديدة أقرها رؤساء الدول لإصلاح هياكل الاتحاد، بمعايير أكثر صرامة وأكثر فعالية في مواجهة التحديات، قادرة على  تمكين الاتحاد الأفريقي من تأثير أقوى على السلام والأمن والتنمية في أفريقيا.

لكن ما ينتظر القمة الأفريقية في دورتها الحالية، هو أكبر من الاضطرار إلى اعتماد تقنية حديثة، أو اختلاف على المشاركة بالحضور أو عبر الافتراض، ليتجاوز ذلك إلى نقاط خلافية أشد وأكثر حدة، تتفاوت ما بين الاقتصادي والتجاري والسياسي أو الاستراتيجي الذي يهم مكافحة الإرهاب في القارة.

يتوقع المراقبون أن تهيمن التطورات الأخيرة في قضية الصحراء الغربية على أجواء القمة، وأن تشهد مواجهة بين المغرب والجزائر

كما يتوقع أن تمدد القمة تنفيذ خريطة طريق “إسكات البنادق بأفريقيا” لعشر سنوات مقبلة.  وللتذكير فقد ناقشت القمة الاستثنائية الـ14 للاتحاد الأفريقي المبادرة الأممية تحت شعار “إسكات البنادق.. خلق ظروف مواتية لتنمية أفريقيا”، التي اعتمدها مجلس الأمن الدولي من أجل جعل أفريقيا منطقة خالية من النزاعات و”تخليصها من النزاعات وتهيئة الظروف المواتية للنمو والتنمية في القارة”.

توقع المراقبون أيضا أن تهيمن التطورات الأخيرة في قضية الصحراء الغربية على أجواء القمة، وأن تشهد مواجهة بين المغرب والجزائر، ومعها الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، التي باتت من مؤسسي الاتحاد الأفريقي، بعدما ضمنت مقعدا لها في منظمة الوحدة الأفريقية (الاسم الأول للاتحاد) عام 1984، يومها انسحب المغرب من المنظمة محتجا، ولم يسترجع مكانه إلا بعد غياب دام أكثر من ثلاثة عقود. 

ما بين الغياب المغربي وعودته في 30 يناير 2017، التي وصفت بـ”الشجاعة”، تغيرت أمور ومعطيات كثيرة. ستنغمر خلالها الجزائر في مواجهة مشاكل داخلية، لا أدل عليها من استمرار الحراك الشعبي لأزيد من عامين. وسجلت الدبلوماسية الجزائرية عزلة كبيرة وتراجعا واضحين.

وبالموازاة، عرفت الدبلوماسية المغربية زخما هجوميا متصاعدا، دشنته بالعودة إلى المنظومة الأفريقية، كما لم يكن آخرها الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الأقاليم الصحراوية.  

وإثر كل تقدم يحققه المغرب في ملف “قضية الصحراء” يكبر الطموح في رهانه على إقصاء الجمهورية الصحراوية خارج الكيان الأفريقي. خصوصا وأن أكثر من عشرين قنصلية تم افتتاحها في الفترة الأخيرة بالصحراء، ليست آخرها قنصلية الولايات المتحدة الأميركية بمدينة الداخلة، كل ذلك أمام صدمة ودهشة الجزائر والبوليساريو.

أما الجزائر وجبهة البوليساريو تتوقعان أن تشكل القمة “نقطة تحول جديد ومفصلية في دور الاتحاد الأفريقي في تسوية القضية الصحراوية، وفق ما تقتضيه الشرعية الدولية”. ومن أجل “خلق ظروف ملائمة لاتفاق جديد حول وقف إطلاق النار بين الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية والمملكة المغربيةّ، باعتبارهما عضوين في الاتحاد الأفريقي. ودعوة الأمين العام للأمم المتحدة لتعيين مبعوث خاص للصحراء الغربية للعمل على تنظيم استفتاء حر و نزيه وشفاف”. 

سبق أن دعا الاتحاد الأفريقي إلى تنشيط آلية الترويكا حول الصحراء الغربية، وتكليف مجلس السلم والأمن الأفريقي بـ”إشراك البلدين: الجمهورية الصحراوية والمملكة المغربية، في معالجة الوضع الراهن في الصحراء الغربية، وتهيئة الظروف المناسبة لتمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير”، كما دعت القمة الأمين العام الأممي إلى “تعيين مبعوث جديد إلى الصحراء الغربية، في إطار قرار “إسكات البنادق”. 

يقول محللون من المغرب: “لقد ولى الزمن الذي كانت فيها الجزائر تستطيع بملياراتها من الغازات البترولية، شراء اعتراف دول بالبوليساريو تحت شعار دعم حركات التحرير وتقرير مصير الشعوب”.

وأصبحت جزائر اليوم تعيش تحت وطأة أزمات اقتصادية وسياسية داخلية، ومن عزلة سياسية ألقت بظلالها الكثيفة على الدبلوماسية الجزائرية، التي فرض عليها التحرك لتحديد موقفها بوضوح.

في الوقت الذي لا تزال الدبلوماسية المغربية نشطة وتتأهب لاقتناص الفرصة لاستبعاد الجمهورية الصحراوية. وعلى الرغم من استمرارها في الاعتراف بما يسمى “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، فالوقائع تثبث تحول نيجيريا اليوم باتجاه الموقف المغربي بشكل جلي. من خلال دعمها العلني لخط الأنابيب الذي سيعبر الأراضي النيجيرية إلى أوروبا عبر الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.

يؤكد آخرون أنه لم يبق للجزائر سوى دولة جنوب أفريقيا كآخر معقل مؤيد لأطروحاتها المؤيدة لفصل الصحراء عن المغرب. إذ جددت حكومة جنوب أفريقيا تأكيدها على موقفها الداعم “لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير”. 

في الوقت الذي يتخوف محللون سياسيون جزائريون من استمرار الولايات المتحدة الأميركية في سياستها الداعمة للمغرب، ربما يتطور الوضع إلى اعتبار البيت الأبيض جبهة البوليساريو منظمة إرهابية، مما قد يشكل خطرا على المنطقة، إذا ما وجد الجيش الجزائري في تماس مع نظيره المغربي.

لم يحالف الحظ  جبهة البوليساريو وحليفتها الجزائر في ظل رئاسة جنوب أفريقيا للاتحاد الأفريقي،  تسجيل أي تقدم بتمرير قرار يلغي دور الترويكا الرئاسية وإعادة الملف إلى مجلس السلم والأمن الأفريقي الذي كان يرأسه الجزائري إسماعيل شرقي، إذ قضى القرار 693 الصادر عن قمة الاتحاد الأفريقي بموريتانيا في يوليو 2018، بإنشاء ترويكا رئاسية لمتابعة النزاع، من شأنها أن تشكل آلية دعم فعال للمسلسل الذي تشرف عليه الأمم المتحدة، تمثل الإطار الذي اختارته الأطراف من أجل التوصل إلى حل سياسي مستدام.

إن جمهورية الكونغو الديمقراطية التي يتسلم رئيسها رئاسة الاتحاد الأفريقي، هي حليف تاريخي وكبير للمغرب منذ عهد الرئيس موبوتو سيسي سيكو، الذي دفن بالعاصمة الرباط إثر وفاته بها سنة 1997. وقد افتتحت الكونغو الديمقراطية قنصلية تابعة لها بمدينة الداخلة في ديسمبر العام الماضي.

لقد دفع المغرب الأمم المتحدة إلى التخلي عن خطة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة السابق “جيمس بيكر” التي تنص على إجراء الاستفتاء. ليتبنى مجلس الأمن الدولي مقترحا بديلا هو “مخطط الحكم الذاتي”.

تمكن المغرب من تحقيق اختراق اقتصادي كبير في أفريقيا، مع تحقيق عدد من المكاسب الدبلوماسية

وبالتالي فإن قرار إجراء الاستفتاء الذي تتشبث به البوليساريو والجزائر تم نسخه ولم يعد مطروحا على جدول أعمال الأمم المتحدة.

كما استطاعت الرباط جر الجزائر إلى الطاولة، باعتبارها طرفا أساسيا معنيا في النزاع إلى جانب موريتانيا، وهو ما ظل المغرب يؤكد عليه منذ نشوء النزاع وترفضه الجزائر. إلا أنه بعد أحداث معبر “الكركرات” اضطرت الجزائر إلى الاعتراف صراحة بأن “تدخلها في النزاع بالصحراء الغربية هو من باب دفاعها المشروع عن أمنها الاستراتيجي”.

إلى هذا تمكن المغرب من تحقيق اختراق اقتصادي كبير في أفريقيا، مع تحقيق عدد من المكاسب الدبلوماسية، تضاف إلى كسب اعتراف دول أفريقية وعربية بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، الوساطة السياسية للمغرب بين الفرقاء الليبيين من أجل إيجاد حل للمعضلة القائمة في بلاد عمر المختار.

كان هذا سببا كافيا لإثارة قلق واستياء تحالف الجزائر وجبهة البوليساريو، مما أدى إلى التورط في ارتكاب خطأ عرقلة المرور بمعبر “الكركرات”. استفزاز حدث في ظرفية مختلفة وفي سياق إقليمي ودولي مغاير.

نعم أعاد حدث إغلاق وإعادة فتح المعبر الحدودي المسألة الصحراوية إلى الواجهة، إلا أن “حساب الحقل لم ينطبق على حسابات البيدر”، إذ وجدت الجزائر نفسها الدولة الوحيدة المستاءة من تدخل القوات المغربية بإعادة فتح طريق العبور أمام الشاحنات وبضائعها التجارية صوب موريتانيا وجنوب الصحراء. مقابل حشد الرباط لمزيد من الدعم الدولي لموقفه السيادي في الصحراء .

لقد غاب عن الجزائر والبوليساريو أن جمرة الصراع أخذت تخبو وتتجه إلى الإنطفاء، وأن المنطقة انفلتت في لحظة مارقة من دائرة التنافس وبؤر الصراع الدولي. وتبين أن مآل الصراع والتصعيد هذه المرة ينحى صوب أبعاد جيوـ سياسية جديدة تتجه إلى تخليص العالم من مشكلة مرهقة اقتربت من نصف قرن، وأن قضية الصحراء الغربية ظلت من الترسبات العالقة للحرب الباردة التي شكلت خاتمتها نهاية حاسمة لعدد من النزاعات التي ارتبطت بالمواجهة الأميركية السوفياتية.

إذ يجادل البعض بأن ما يتخذه المغرب من خطوات لتأكيد سيادته واصطفاف عديد من البلدان مع تحركاته، لن يؤدي إلى إشعال النزاع من جديد، على اعتبار أن المنطقة خرجت من إطار التنافس الدولي منذ انتهاء الحرب الباردة بعد أن كانت حلقة من حلقات الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، مما يجعل ميزان القوى يميل بشكل كبير إلى الموقف المغربي، مع تراجع الأهمية الاستراتيجية للمنطقة كساحة صراع.

أعاد حدث إغلاق وإعادة فتح المعبر الحدودي المسألة الصحراوية إلى الواجهة

كما أن رهانات التغلب على أوزار وثقل المخلفات الاقتصادية والإنسانية لمرحلة ما بعد وباء كورونا تفرض تحولاتها السياسية ورؤيتها الاقتصادية المثالية. وهو ربما ما حاولت الجزائر استدراكه بعد فشلها في فتح طريق آمنة منافسة لمعبر “الكركرات” نحو العمق الأفريقي، حيث أن مسافة الطريق البرية البديلة التي رسمتها مسافة طويلة بأكثر من 800 كيلومتر، ووعرة غير معبدة وتكسوها معالمها الرمال، لا يمكن لها استقطاب القوافل التجارية مثلما عليه الحال في معبر “الكركرات”. 

إن قواعد اللعبة الأفريقية تغيرت بخصوص تناول قضية الصحراء الغربية بعد عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي. والعالم يترقب نهاية النزاع حول الصحراء الغربية التي طال أمدها واستهلكت أكثر مما ينبغي من دورتها البيولوجية. ويتساءل متى ساعة إدخالها إلى أرشيف التاريخ المضطرب التي عاشته المنطقة المغاربية طويلا.

يأتي موعد القمة الأفريقية اليوم، لمعرفة ما إذا ستتمكن الدبلوماسية الجزائرية من إعادة ترميم ما تصدع من كتلتها المدعمة لمنطق الانفصاليين، واسترجاع ما فقدته من نقاط في المواجهة الدبلوماسية في قضية الصحراء، أو ستسطر القمة الـ34 إعلانا لبدء هزيمة جزائرية مدوية وتهميش مضاعف لجبهة البوليساريو؟! عندما ستكون قمة أديس أبابا بمثابة اختبار لحقيقة تقدم أي طرف من الطرفين المتنازعين (الجزائر والمغرب)، ومدى نفوذه في القارة الأفريقية؟

في انتظار دقات ساعة السلم والأمن والتنمية في أفريقيا والعالم. 

شاهد أيضاً

إسرائيل لم تُغلق ملف الهجوم الإيراني بل افتتحت “المقايضة”!

بقلم: فارس خشان – النهار العربي الشرق اليوم- يبدو جليًّا أنّ البيت الأبيض وعد إسرائيل …