الرئيسية / مقالات رأي / إيران والخليج: فتاوى أوباما!

إيران والخليج: فتاوى أوباما!

بقلم: محمد قواص – النهار العربي

الشرق اليوم – في تصريحات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بشأن سبل عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، ما يُراد منه تقديم إيران بصفتها دولة كبرى وأساسية في رسم خرائط الأمن والاستقرار في العالم. يوزّع الرجل “تعليماته” من منابر العواصم التي يزورها، ويكلّف منسّق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيه بوريل بالإشراف على آلية تعود من خلالها واشنطن عن “خطيئة” دونالد ترامب لاستئناف العمل باتفاق فيينا وكأن شيئاً لم يكن.

يقترح الرجل عودة “متزامنة” لواشنطن وطهران. تعود أميركا للاتفاق من دون شروط، وتعود إيران للالتزام ببنود الاتفاق من دون شروط. في الوقت عينه، يدعو الرجل من الكويت إلى حوار مع الخليج ويروّج ونظيره الروسي من موسكو لمنظومة أمن إقليمية، في وقت تتبرّع فيه الدوحة بالوساطة لتسهيل حوار إيراني سعودي. وفي هندسات ظريف افتراض أن بلاده تعالج مع الكبار “سوء تفاهم” عرضي حول برنامجها النووي، فيما الخلاف مع دول المنطقة تحلّه تفاهمات تلفيقيّة مكمّلة.

من حق ظريف وحكومة طهران والولي الفقيه في إيران الإيمان بأن التناقض الرئيسي لإيران هو مع الولايات المتحدة فقط. يكلّف ظريف الأوروبيين بالتوسّط لدى واشنطن، معتبراً في ذلك أن أوروبا تقف على المسافة نفسها من واشنطن وطهران. يدرك الرجل هراء هذه القياسات، وحقيقة أن أوروبا حليف تاريخي أصيل للولايات المتحدة، وركن مؤسس للمنظومة الغربية فكراً وعقيدة ومصيراً. لكنه يرى أوروبا بالنسبة لإيران فرعاً لا أصلاً، ذلك أنه يعرف أن اتفاق فيينا لم يوقّع عام 2015 إلا بعد تخصيبه بقناة اتصال إيرانية أميركية خلفية، تولّت سلطنة عُمان رعايتها قبل ذلك. كما أنه شهد عجز أوروبا عن حماية الاتفاق النووي وحماية إيران داخله، بعدما أسقط ترامب منه عضوية بلاده.

لا يتوقّف مشروع إيران الأيديولوجي وطموحاتها الإمبراطورية على التوافق مع واشنطن. صدّرت الجمهورية الإسلامية ثورتها على الرغم من العداء لـ”الشيطان الأكبر” وعلى قاعدة العداء له. وتولّت طهران مدّ نفوذها في المنطقة وفق شعار نصرة المظلومين ضد “الاستكبار” (الأميركي طبعاً)، من دون أن تلقى من الولايات المتحدة والمنظومة الغربية رداً استراتيجياً رادعاً خلال العقود الأخيرة. لا بل إن مغادرة المارينز لبنان في الثمانينات بعد الهجمات التي وقفت طهران وراءها ضد سفارة الولايات المتحدة الأميركية وثكنة قواتها في لبنان، وتخليص إدارة جورج بوش الابن إيران من خصومها في أفغانستان شرقاً والعراق غرباً (2001-2003)، لا يمكن إلا أن يكون تهاوناً وتعاوناً تودّ إيران أن تحوّله إلى شراكة علنية في العالم والمنطقة.

كادت إيران أن تحصل على ذلك. أسكتت إدارة باراك أوباما كل جلبة يمكن أن تكون مؤشراً عدائياً ضد طهران في المنطقة والعالم. تحدّثت تقارير متخصصة آنذاك كيف وأدت واشنطن تحقيقات أميركية حول أنشطة تهريب مخدرات وتبييض أموال تابعة لإيران في بلدان أميركا اللاتينية وأوروبا، حتى لا يشوّش الأمر على ورشة الإعداد للاتفاق النووي. حتى أن أوباما نفسه أفرج بعد ولادة الاتفاق عن “عقيدة” (وفق ما أطلق الصحافي الأميركي جيفري غولدبيرغ في “ذي أتلانتيك” في آذار (مارس) 2016)، مفادها نقد لدول الخليج ودعوة لها للشراكة مع إيران، بما يوحي لطهران بتحوّل أميركا إلى حليف وشريك.

قد يوحي جو بايدن لإيران أنه نسخة محدّثة لأوباما وعقيدته. ولمَ لا؟ ما دام معظم وجوه تلك الإدارة أوبامية الهوية والهوى، وأن غموض خريطة الطريق الأميركية وقوانين السير عليها يبيح لظريف وصحبة الاجتهاد والتفسير.

وفق قوانين علاقة طهران مع أوباما، تقرأ إيران سطور علاقتها مع بايدن. تحدّد للأوروبيين الدور والموقع والمهمة، وتستبق أي تطوّر بتذكير السعودية والخليج برؤية أوباما ووصاياه. بيد أن سلوك ظريف، المفترض أنه يمثّل الواجهة الرسمية التي تتعاطى مع العالم ومتغيّراته، تبدو ناكرة عن عمد لأي تغيّر طرأ على عامل الزمن، رافضة الاعتراف بأن العالم قد اختلف، متهيّبة الإقرار بأن المنطقة قد تغيّرت وأنها باتت أكثر قدرة على تعطيل أي “عقيدة” والانقلاب على أي اتفاق لا يضمن استعادة طهران بضائعها المصدرة إلى بلدانها.

في التجربة أن واشنطن التي ارتضت الإسلام السياسي الشيعي حليفاً بعد لحظة 11 سبتمبر، روّجت للإسلام السياسي السنّي في لحظة ما أطلق عليه “ربيعاً” في المنطقة. وفي التجربة أيضاً أن عواصم المنطقة صدّت خطط العواصم البعيدة، وهي قادرة وفق النمط نفسه على فرض رؤاها وحماية أمنها ومصالحها.

بيد أن طهران المزهوّة دوماً بـ”احتلالها أربعَ عواصم عربية” ما زالت تعتبر المنطقة من الغنائم التي ستحملها إلى طاولة مفاوضات مع واشنطن. تتوجّس إيران من الضجيج حول شركاء جدد حول طاولة المفاوضات. تبدي غضباً من حديث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن ضم السعودية ودول أخرى إلى أي اتفاق. تسعى بتذاكٍ إلى تصويب البوصلة صوب اتفاق فيينا وحصرية أعضائه وعبثية ضم أعضاء آخرين.

في تكرار ظريف لحوار ما مع الرياض والمجموعة الخليجية فقه يفتي بأن أي اتفاق مع الجوار يأتي نتيجة لأي اتفاق مع الكبار وليس شرطاً له. يفهم أهل المنطقة أمر ذلك التحاذق ويوصدون الباب جيداً على أي تواصل أو حوار تريده طهران خلفياً ثانوياً ملحقاً بورشة التعامل مع التناقض الرئيسي الكبير.

يريد ظريف من أهل المنطقة حواراً مع إيران بعقائدها وحرسها وأحزابها وعصائبها وصواريخها وحشدها..إلخ. يريد أهل المنطقة إيران دولة لا تفجّر شوارعهم ولا تقصف صواريخها مدنهم ولا تسمّم ميليشياتها دولهم. بديهيات لم يهتد إليها أوباما وفتاويه.

شاهد أيضاً

الأردن: معركة محور التّطرف!

بقلم: محمد صلاح – النهار العربي الشرق اليوم- ليس سراً أن مصر والأردن خسرا كثيراً …