الرئيسية / مقالات رأي / الجزائر… مشروع قانون الانتخابات والجمود البنيوي

الجزائر… مشروع قانون الانتخابات والجمود البنيوي

بقلم: أزراج عمر – النهار العربي

الشرق اليوم- لا تزال النسخة النهائية من قانون الانتخابات الجزائري قيد الإعداد ولم تنجز بعد رغم مطالبة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بالإسراع في إنجازها للمصادقة عليها والانتقال إلى مرحلة خوض غمار الاستحقاقات الانتخابية البلدية والولائية والبرلمانية في الموعد المحدد لها. وهكذا استيقظ الجزائريون والجزائريات في بحر هذا الأسبوع على الطقوس النمطية التي عوّدهم عليها النظام الجزائري الحاكم منذ الاستقلال إلى يومنا والمتمثلة بالعودة دائماً إلى نقطة الصفر بدلاً من معالجة الملفات الوطنية بجدية على ضوء قوانين تضمن الانتقال وتساعد في التصدي للأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية النمطية والمركبة. ويحدث كل هذا في ظل تفشي ظاهرتين سلبيتين في البلاد، وهما تدنَي مستوى الدخل الفردي، الأمر الذي ضاعف من تعقيدات الأوضاع المعيشية للمواطنين والمواطنات، والجمود السياسي الذي يُبرر غالباً بالظروف الصعبة التي خلقتها الحالة الصحية لرئيس الدولة الذي أصيب بفيروس كورونا، وبمرض في قدمه اليمنى الأمر الذي أجبره على الغياب عن الوطن جراء سفره إلى ألمانيا للعلاج هناك حيث بقي أكثر من شهرين.

من الملاحظ أن لجنة قانون الانتخابات المكلفة جمع المقترحات وصياغتها، والتي قد أوكلت إلى السيد أحمد لعرابة، لم تشهد حواراً وطنياً شاملاً وجاداً بمشاركة مختلف تشكيلات الفاعلين السياسيين في القاعدة الشعبية وعلى مستوى أجهزة الدولة العليا، والنخب المثقفة في المدن الكبرى وفي المؤسسات الإعلامية والجامعية وتنظيمات المجتمع المدني، ونتيجة لذلك فإن ما تم التوصل إليه يدور حول المسائل الشكلية التالية: تمويل الحملات الانتخابية، المناصفة بين الرجل والمرأة عند الترشح بدلاً من الاستمرار في تطبيق تقليد “المحاصصة” الذي تكرس في عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، ومطلب شفافية الانتخابات ونزاهتها، ومحاربة الرشوة وشراء المقاعد في إطار صفقات مشبوهة وغيرها من الأمور. ولكن القضايا الكبرى، مثل فتح حوار حقيقي بهدف تحديد طبيعة النظام الديموقراطي القادر حقيقة على توزيع السلطات بعدالة في البلاد، لم تجد آذاناً صاغية، وبذلك سيبقى قانون الانتخابات، الذي سيصادق عليه قريباً، على شكل النظام الرئاسي الأحادي المركزي المفروض منذ الاستقلال على المسرح السياسي الجزائري كنهج يضمن للنظام تفريخ برلمان هلامي وتابع له تسند إليه مهمة تمرير القوانين التي تُصنع في الغرف المعتمة فقط.

في تقدير الشارع الجزائري، فإن هذا الدوران النمطي حول درس وصياغة قوانين الانتخابات من جانب لجنة بيروقراطية تمثل الرئاسة فقط لن يحدث تحولاً راديكالياً في طبيعة نظام الحكم السلطوي الجزائري الأحادي، والذي سيبقى يشكل عائقاً يحول دون إيجاد الحلول الملائمة لمختلف المشكلات التي تهدد استقرار الجزائر. وقد كان من المفروض إعادة النظر في طبيعة نظام الحكم في الجزائر أولاً على أساس حوار جدَي مع جميع أطياف المعارضة للوصول إلى أرضية مشتركة تنهي الأسباب التي أدت إلى انفجار الحراك الشعبي، وتفضي إلى إيجاد حلول حقيقية يتم القضاء بواسطتها على الأزمة الجزائرية المعقدة.

السؤال المطروح الآن هو: ما جدوى إجراء الانتخابات البلدية والولائية والبرلمانية في غياب الوفاق الوطني، وتدهور الأحوال الاجتماعية والاقتصادية لفئات العمال والفلاحين والموظفين الصغار وتفاقم نسبة البطالة لدى الشباب؟ وفي الواقع فإن هذه المسألة الأخيرة، التي تعتبر من أولويات الشعب الجزائري، قد عمق خطورتها التقرير الذي نشره موقع “نومبيو” خلال هذا الأسبوع، وبيّن أن متوسط مرتب الفرد الجزائري هو 257 دولاراً (أي 34 ألف دينار)، لكن ما أدهش الجزائريين هو أن متوسط دخل الفرد التونسي والمغربي أفضل بكثير، علماً أن الجزائر بلد نفطي يحتل مرتبة متقدمة إلى جانب الدول النفطية الكبرى في العالم.

وهناك أيضاً جمود سياسي متواصل في المشهد الجزائري الراهن لا يقل سلبية وخطورة عما أفرزته المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المزمنة، ويتميز هذا الجمود السياسي بانقسامه إلى شقين، أولهما يتمثل في مواصلة النظام الجزائري الحاكم إدارة ظهره للمعارضة الجزائرية بما في ذلك الحراك الشعبي والشخصيات الوطنية التي ما فتئت تطالب بضخ دماء جديدة في شرايين الحياة السياسية من طريق إقامة حوار جماعي فعلي حول أبرز القضايا الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية من أجل تجاوز حالة الاحتقان المتولدة عنها والتي لا تزال قائمة على مستوى أجهزة الدولة وعلى مستوى النخب والفئات الشعبية.

في هذا السياق، يلاحظ أيضاً أن مرحلة الرئيس تبون لم تفك ارتباطها بثقافة الانفراد بالسلطة وتجلياتها العملية، مثل تعيين مسؤولين تعوزهم الكفاءة والمعرفة العلمية بشؤون الدولة العصرية في المناصب العليا، فضلاً عن عدم إشراك أحزاب المعارضة وتشكيلات المجتمع المدني في هندسة مشروع الإقلاع الحيوي للدولة الجزائرية. أما الشق الثاني في مشهد هذا الجمود الجزائري ذي الطبيعة التنفيذية، فيلاحظ مثلاً أن الوزير الأول عبدالعزيز جراد وأعضاء طاقمه الحكومي لا يزالون في وضع الحاضر الغائب في الساحة الوطنية أو الدولية ما عدا تلك الزيارات الميدانية النمطية التي يقومون بها من دون تخطيط علمي وفعالية تذكر، وهي في الواقع زيارات تحفيزية من اختصاص المحافظين (الولاة) ورؤساء الدوائر والبلديات. أما النشاطات الدبلوماسية الجزائرية التي نشهدها في هذه الأيام فتنحصر في دول إفريقية قليلة جداً وهي مجرد ردَ فعل وتغلب عليها طقوس استعراض ما تبقى من بريق الدبلوماسية الجزائرية الخافت.

شاهد أيضاً

هل تنجح طهران خارج محور المقاومة؟

بقلم: عادل بن حمزة- النهار العربيالشرق اليوم– دخلت منطقة الشرق الأوسط فصلاً جديداً من التصعيد …