الرئيسية / مقالات رأي / الأربعاء التاريخي

الأربعاء التاريخي

بقلم: كوليت بهنا – الحرة

الشرق اليوم– منذ ساعات الصباح الأولى ليوم الأربعاء التاريخي الموافق للعشرين من يناير الجاري، وبترقب وحذر شديدين، شُدَّت أنظار العالم إلى واشنطن لمتابعة بدء الاستعدادات الرسمية لاستقبال الحدث الأميركي المتمثل بانتقال السلطة السياسية وحفل تنصيب الرئيس الجديد جوزيف بايدن.

وسائل الإعلام العالمية التي لم تغف لها عين، لم تتوقف عن بث الأخبار العاجلة الخاصة بالمراسيم الرئاسية التي ذكر أن الرئيس بايدن يزمع إصدارها في وقت لاحق في اليوم ذاته، المتعلقة بالتراجع عن عدد من السياسات والتدابير التي اتخذت في عهد الرئيس ترامب، بحيث بدا الاهتمام بأخبار هذه القرارات لبعض الوقت، وكأنه أكبر من الحدث الأميركي بذاته.

الارتياح الدولي العام بدأ ينقشع ويتوضح تباعاً بعد الحديث عن هذه القرارات الرئاسية الجديدة، والممكن ترجمته من متابعة ردود الفعل وفحوى الرسائل السياسية التي وجهها بعض ساسة العالم للإدارة الأميركية الجديدة، أو من خلال رصد الأجواء العامة للمنصات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي.

في تفسير الملامح العامة لهذه المراسيم، سواء تلك المتعلقة بالشؤون المحلية ولململة البيت الأميركي الداخلي، أو تلك المتعلقة بالسياسة العامة والخارجية، يتضح بأنهما معا محاولة لرأب الصدع الحاصل داخل المجتمع الأميركي بذاته، وأيضا رأب الصدع مع العالم وإعادة ترميم صورة أميركا وقيمها، المتهمة إدارة الرئيس ترمب بإفسادها.

قضايا الهجرة ومايعرف بـبرنامج” الحالمين”، وإيقاف حظر السفر المصنف بالعنصري من عدد من الدول، والعودة إلى اتفاق باريس للمناخ والغاء انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية وغيرها، أخطاء اعتبرت جسيمة بنظر الإدارة الجديدة، في حين كانت تبدو قرارات صائبة للإدارة القديمة.

في ميزان تقدير الخطأ من الصواب، لابد للمتابع أن يتوقف ويتساءل عن مفهوم التخطيط والرؤية الاستراتيجية المفترض بالسياسة الأميركية أن تكون قدوة لها، لما لغيابها من تأثيرات وتداعيات على الشأن المحلي والعالمي. والتساؤل هل حُكمت أميركا برؤية اعتباطية في السنوات الأربع السابقة واسترجعت رشدها اليوم، ومن يحسم هذه التساؤلات الصعبة؟

بدهي أن أية قرارات تصب في مصلحة أحد الأطراف وتضر بطرف آخر، ومايستقبله طرف على أنه خير، سيتلقاه آخر على أنه مصيبة. وبين هذا وذاك، سيتراكم حجم المنافع وحجم الأضرار معاً. مما يعزز حالة الانقسام الواقعة أساسا في المجتمع الأميركي اليوم بشكل خاص، وهو مايحاول الرئيس بايدن إصلاحه بشكل حثيث، وبما عبر عنه بشكل مباشر حول الوحدة وبأنه سيكون رئيساً لجميع الأميركيين.

أما في ما يخص تأثير هذه القرارات على السياسة العامة والخارجية الأميركية التي يعني تراجع الإدارة الجديدة عنها الإقرار بأنها كانت خاطئة، لاشك أن العالم دفع جراءها ثمناً باهظاً على مدى أربع سنوات، فهل يكفي التراجع لإصلاح الأضرار، ومن سيعوض المتضررين في ما يخص الانسحاب من اتفاقية المناخ على سبيل المثال، أو الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، ومن سيعيد الحياة للضحايا الذين فقدوا أعمارهم جراء هذه بالقرارات؟

في السياق ذاته، يحضر تساؤل آخر يتعلق بالقرارات القادمة التي سيصدرها الرئيس بايدن خلال الأربع أو الثماني سنوات القادمة، وهل سيأتي رئيس بعده ويقوم بإلغائها بالمثل، لأنه سيراها غير صائبة؟

عند هذه النقطة، تكمن أهمية إعادة النظر، والتفكير بأحقية وصلاحية اتخاذ قرارات مصيرية ذات نزعة فردية تخص الأمة أو العالم من قبل الرؤساء، وإلى أي مدى يمكن للعالم أن يستفيد من هذا الدرس المتاح اليوم وينتهج أسلوبية مغايرة في الحكم تطرح فيها مثل هذه القرارات الصعبة على الشعوب للمشاركة بإقرارها عبر التصويت مثلاً، مثل قرارات الحروب ومواجهة الأوبئة وغيرها، حيث تدفع الشعوب الأثمان في المحصلة، وهو مايؤمل أن تبنى عليه سياسات العالم الجديدة، لتجنيب الأضرار عن هذه الشعوب قدر الممكن، وعبر التريث وبعض الحكمة، مهما كانت المصلحة الشخصية لأصحاب هذه القرارات.

يوم الأربعاء الموافق للعشرين من يناير الجاري، لاشك أنه كان يوماً تاريخياً، يأمل الجميع أن يكون مصيرياً للأميركيين والعالم، وأن يشكل انفراجاً وفرصة جديدة لبناء مستقبل جديد برؤى علمية وحكيمة وسلسة، تشبه انتقال السلطة الذي حدث فيه رغم كل المخاطر. وليس علينا نحن، إلا أن نتمنى ترجمة حكمته في السنوات القادمة، دون أن يفتنا في المقابل، بأنه لولا مفهوم انتقال السلطة في الدول الديمقراطية، لما شهدنا تبدلا لهذه القرارات غير الأبدية في مفعولها، وهو نصف الكأس الملآن، ومايشفع قليلا لكل ما تقدم.

شاهد أيضاً

وجوه جديدة لأزمة اللاجئين

بقلم: وليد عثمان – صحيفة  الخليج الشرق اليوم- على ضفاف الأزمات التي تتفاقم في المنطقة، …