الرئيسية / مقالات رأي / السادة الرؤساء.. نحن من كوكب آخر

السادة الرؤساء.. نحن من كوكب آخر

بقلم: إيهاب الشاوش – صحيفة إيلاف

الشرق اليوم- يستند المحللون لتفكيك الظواهر الاجتماعية وتحليل المتغيرات والقرارات السياسية الى لوحات قيادة ومراجع، وبقدر ما تكون هذه المراجع متعددة متنوعة بقدر ما تكون نتائج الاستقراء والاستنتاج جدية وذات مصداقية عالية قد تصل أحيانا الى حد التنبأ بمآلات بعض القرارات والمواقف.

في الشأن التونسي حبّر الخبراء المحليون والمنظمات الأجنبية الى جانب أصدقاء وحتى أعداء تونس، الكثير من الورقات البحثية حول الوضع الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي التونسي وحول ما يسمى بالحلول للخروج من الازمة الهيكلية التي تعيشها البلاد، لكن وطأة الصراع السياسي كانت اثقل وأعلى من صوت الحكمة والعقل التي غالبا ما يتبجح بها حكامنا، على الأقل امام، الكاميرات.

عشر سنوات من الثورة تمر في الرابع عشر من يناير الجاري، هي اقرب الى العبث السياسي البحث حيث لا شي يحدث مهم تماما مثل المسرحيات العبثية. سوف يقولون طبعا ان النقاد والصحفيين بصدد ترذيل الحياة السياسية واحتقار عمل الفاعلين السياسيين والنخب الحاكمة. وهذا مردود عليه، على الأقل بالنظر الى النتاج الهزيلة ان لم نقل الكارثية التي وصلنا اليها بعد عشرية كاملة من احداث الثورة.

فلنتفق ان الخطية الأولى المرتكبة في حق هذا الوطن هو دستورها الذي بني وتَهيكل على قاعدة الخوف والشك والريبة، حتى تفتت السلطة بين السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية والهيئات والمجالس البلدية وغيرها دون ان يمتلك احد سلطة اخذ القرار. صحيح ان دول أخرى ديموقراطية مستقرة تدار وبإتقان وسلاسة عبر مراكز قوى مشتتة وموزعة، غير ان العقل السياسي التونسي مازال لم يستوعب هذه المتغيرات التي ترتكز أساسا على نكران الذات من اجل الصالح العام، وهو ما يعني ان نترك جانبا مصالحنا الفئوية والقطاعية والجهوية والحزبية لأجل هدف اسمى وارق يسمى الوطن والاجيال المقبلة، وهذا تحديدا الذي فشلت فيه الطبقة السياسية التونسية. السؤال الآن هل كان يمكن ان نكتفي بتحوير طفيف لدستور 1956، كما ذهب بعض الساسة في 2011، ام الاجدى ان نمشي في التغيير الى أقصاها كما حدث مع دستور2014، حيث غيرنا من طبيعة النظام السياسي وفككنا السلط وجزئنا مراكز القوى؟

هناك جدل دائر الان حول هذه النقطة بالذات يبدو انه لن ينتهي قريبا للأسباب نفسها التي استند عليها كتابة الدستور وهو عدم الثقة والخوف المتبادل بين مختلف الفرقاء السياسيين وعلى راسهم الدستوري الحر سليل الحزب البروقيبي وحركة النهضة التي تعتقد ان تحوير الدستور في اتجاه عودة النظام الرئاسي هو أساسا حنين الى الاستبداد.

بطبيعة الحال، نحن إزاء نقاش وجدل سياسي سياسوي لم يخرج من دائرة المناكفات النخبوية والترف الفكري التي لا تعني اغلب التونسيين في شيء. ان الصراع الحقيقي منذ الثورة الى الان هو صراع حول الحكم ولا شي سوى الحكم. “احكم ثم سأنفذ برنامجي الانتخابي واقوم بالإصلاحات الاقتصادية. وبما انني لم احكم فانا لا اتحمل مسؤولية نتائج الحكم” هذا كان خطاب الساسة طوال عشر سنوات من الثورة.

والحكم بالمفهوم التونسي واستنادا الى التناقضات العقائدية والايديولوجية بين الإسلاميين وما يوصفون بالحداثيين، هو حكم من اجل المحافظة او تغيير النمط المجتمعي وهو حكم من اجل المحافظة او تغيير الشركاء الاستراتيجيين لتونس، تركيا ام فرنسا، وهو حكم من اجل ان يستأثر رئيس مجلس النواب ام رئيس الدولة ام رئيس الحكومة بسلطة القرار. هو في نهاية الامر صراع “طبقي” بالمفهوم الماركسي لا ينتهي الا بقضاء سلطة ونمط عيش على الاخر، ليتولد صراع جديد بين الحكام الجدد والقدامى، وهكذا دواليك. لذلك فإن خلاصة هذا الصراع والتطاحن كانت بلا ريب مزيدا من البؤس وتفكيكا لما تبقى من الدولة.

في الاثناء مازلنا في تونس لا نعلم متى نحصل على التلاقيح ولا لماذا تم إقرار حجر صحي بأربعة أيام فقط وغيرها من القرارات العبثية التي لا تستند الى أي منطق علمي في زمن حكم العلماء خلال جائحة الكورونا. وفي تونس فقط نحن لا نعلم حتى الى أي كوكب ننتمي. الى هذا الكوكب المسمى الأرض؟ كما ذهب الى ذلك رئيس الحكومة ام الى كوكب آخر كما قال رئيس الجمهورية قيس سعيد؟ ام ربما الى كواكب مجلس النواب؟

وفي تونس دون غيرها من بقية دول العالم ربما يحتاج الشعب الى كوكب آخر بعيد نائي مستكشف حديثا من علماء النازا. عله ينعم بشيء من الهدوء وكثيرا من الاستقرار.

شاهد أيضاً

أحلام مقتدى الصّدر وأوهام مناصريه

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربيالشرق اليوم– عندما يُشفى العراقيون من عقدة اسمها مقتدى الصدر يكون …