الرئيسية / مقالات رأي / اتفاق التجارة الحرة بين بريطانيا وتركيا… خطوة تتجاوز حدود الاقتصاد!

اتفاق التجارة الحرة بين بريطانيا وتركيا… خطوة تتجاوز حدود الاقتصاد!

BY: Notes on Libert

الشرق اليوم- تشير التقديرات إلى بلوغ قيمة التجارة الثنائية المحتملة بين تركيا وبريطانيا 20 مليار دولار، إذ تُعتبر بريطانيا خامس أكبر جهة استثمارية في تركيا بقيمة تصل إلى 11.6 مليار دولار، ويبلغ عدد الشركات البريطانية في تركيا 2500.

في 29 ديسمبر 2020، وقّعت بريطانيا وتركيا على اتفاق تجارة حرة يسري مفعوله بدءاً من 1 يناير 2021، بعد انسحاب بريطانيا رسمياً من الاتحاد الأوروبي، وقّع وزير التجارة التركي روشكار بيكان والسفير البريطاني في تركيا دومينيك شيلكوت على ذلك الاتفاق.

عند تقييم الأهمية الاقتصادية للاتفاق، يتّضح أنه خامس أكبر اتفاق تجاري في بريطانيا، ومن المتوقع أيضاً أن يشكّل اتفاق التجارة الحرة دعماً قوياً للتجارة الثنائية بين البلدين، حيث تُعتبر بريطانيا ثاني أكبر سوق تصدير بالنسبة إلى تركيا (تشمل السلع بينهما السيارات والأقمشة والمعدات الكهربائية)، وسيكون هذا الاتفاق مهماً لتركيا أيضاً لأن أكثر من 75% من الصادرات التركية إلى بريطانيا كانت لتخضع للرسوم الجمركية من دون هذا الاتفاق، كذلك سيضمن اتفاق التجارة الحرة استمرار التعريفات التفضيلية القائمة لـ7600 شركة بريطانية كانت تصدّر السلع إلى تركيا في عام 2019.

تشير التقديرات إلى بلوغ قيمة التجارة الثنائية المحتملة بين تركيا وبريطانيا 20 مليار دولار، إذ تُعتبر بريطانيا خامس أكبر جهة استثمارية في تركيا (تصل قيمة استثماراتها إلى 11.6 مليار دولار) ويبلغ عدد الشركات البريطانية في تركيا 2500.

تعليقاً على الاتفاق الأخير، قالت وزيرة التجارة البريطانية إليزابيث تروس: “يضمن هذا الاتفاق استقرار آلاف الوظائف في أنحاء بريطانيا في مجالات التصنيع والسيارات وصناعة الفولاذ”.

أصبحت خصائص الاتفاق الأساسية معروفة (هو يهدف إلى كبح سلاسل الإمدادات في قطاعَي السيارات والتصنيع ويغطّي جميع السلع الزراعية والصناعية)، لكنه قد يُمهّد أيضاً لتعميق التعاون الدفاعي بين بريطانيا وتركيا (نظّم البلدان تدريبات دفاعية مشتركة للمرة الأولى في أكتوبر 2020).

السياق الجيوسياسي

يحمل اتفاق التجارة الحرة أهمية جيوسياسية معينة لأن بريطانيا تُعتبر من الدول الغربية القليلة التي تربطها علاقة ودّية مع تركيا، وفي حين اتجهت جميع الأنظار إلى العقوبات الأميركية وتأثيرها على العلاقات الأمريكية التركية، شهدت علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي تدهوراً متواصلاً أيضاً نتيجة عوامل متعددة في السنوات الأخيرة، كذلك لم تكن تركيا على الموجة نفسها مع العالم الغربي في عدد من المسائل الجيوسياسية، بما في ذلك الوضع السوري والخلاف بين أذربيجان وأرمينيا في “ناغورنو كاراباخ”.

حصد الهجوم العسكري التركي ضد القوات الكردية في شمال سورية في 2019 ردود أفعال قوية من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فانتقد الاتحاد الأوروبي ذلك التحرك ودعا صانعو السياسة الأمريكية دونالد ترامب، إلى تجميد الأصول العائدة إلى القادة الأتراك ومنع بيع الأسلحة إلى اسطنبول، وكتب ترامب رسالة إلى أردوغان دعاه فيها إلى الامتناع عن تحرك مماثل، لكن لم يتجاوب معه الرئيس التركي. تجدر الإشارة إلى أن بريطانيا أوقفت بيع الأسلحة بعد التدخل التركي لسورية في أكتوبر 2019، لكنها أعلنت امتناعها عن إصدار تراخيص جديدة لتصدير الأسلحة إذا كانت مُعدّة للاستعمال في العمليات العسكرية في سورية.

في ما يخص الخلاف بين أذربيجان وأرمينيا، دعمت فرنسا بكل قوتها إشراف المجتمع الدولي على اتفاق وقف إطلاق النار وعبّرت أيضاً عن مخاوفها من احتمال أن تستثني تركيا وروسيا الدول الغربية.

على صعيد آخر، امتعض الاتحاد الأوروبي من سياسة تركيا في منطقة البحر الأبيض المتوسط، علماً أنه لم يفرض عقوبات على الشركات التركية أو أي أشخاص أتراك بسبب عمليات التنقيب عن النفط إلا في الفترة الأخيرة. أرادت اليونان أن تُفرَض العقوبات على قطاعات بحد ذاتها لكن رفضت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء البلغاري، بويكو بوريسوف، المقرّب من أردوغان هذا الطلب.

العلاقات الروسية التركية

يقال إن السبب الرئيس وراء الشرخ الحاصل بين تركيا والغرب يتعلق بزيادة التقارب بين أنقرة وموسكو، لكن يختلف هذان الطرفان أيضاً حول مسائل جيوسياسية عدة (منها أوضاع سورية وليبيا وأذربيجان). في الفترة الأخيرة، امتعضت موسكو مثلاً من حضور الرئيس التركي للاستعراض العسكري الذي نظّمته أذربيجان في 10 ديسمبر 2020 احتفالاً بانتصارها على أرمينيا، حليفة روسيا، بمساعدة الأتراك. مع ذلك، امتنعت روسيا عن انتقاد تركيا علناً. في محادثة سابقة مع وسائل الإعلام في كانون الأول 2018، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن المصالح الروسية والتركية لا “تتوافق” أحياناً لكنه أشاد في المقابل بتركيا كونها تطبّق “سياسة خارجية مستقلة” رغم انتسابها إلى حلف الناتو وتنفذ التزاماتها دوماً. صرّح بوتين أيضاً بأن موسكو يجب أن تتحلى بالصبر وتتبنى موقفاً أكثر تساهلاً تجاه تركيا.

يدرك أردوغان من جهته أنه لا يستطيع تحمّل كلفة تدهور علاقات بلده مع الولايات المتحدة بشكلٍ مفاجئ، وتُعتبر تصريحاته التصالحية بشأن إسرائيل والقرار التركي بتعيين مبعوث بعد أكثر من سنتين ونصف خطوة باتجاه إصلاح العلاقات مع إدارة بايدن المرتقبة.

في النهاية، يُعتبر اتفاق التجارة الحرة بين بريطانيا وتركيا أساسياً من الناحية الاقتصادية لكنه مهمّ أيضاً لأسباب جيوسياسية. ستضطر بريطانيا للتعامل مع وقائع العالم بعد تنفيذ خطة “بريكست” وستكون الاتفاقيات المشابهة لاتفاق التجارة الحرة أساسية في هذه المرحلة، لكن يُعتبر هذا الاتفاق مهماً بالنسبة إلى تركيا في سياق المعطيات الجيوسياسية السائدة في منطقة الشرق الأوسط وما وراءها.

ترجمة: الجريدة

شاهد أيضاً

أيهما أخطر؟

بقلم: محمد الرميحي – النهار العربي الشرق اليوم- جاء الزمن الصعب لنسأل أنفسنا: أيهما الأكثر …