الرئيسية / مقالات رأي / Bloomberg: عام 2020 في نظر المؤرخين

Bloomberg: عام 2020 في نظر المؤرخين

By: Hal Brands

الشرق اليوم- كان عام 2020 عاماً فظيعاً وفقاً لمعظم المعايير، سواء من حيث انتشار الموت أو من حيث الاضطرابات الاجتماعية في جميع أنحاء العالم. ولكن إذا كان الأمر يمثل تحدياً لا يمكن إنكاره للذين عاصروه، فكيف يمكن أن يبدو للمؤرخين إذا نظروا إلى الوراء بعد نصف قرن من الآن؟

 لا يمكن تحديد ذلك بدقة؛ لأن الطريقة التي ننظر بها إلى أي حدث تاريخي تعتمد بشكل كبير على الخيارات التي اتخذها الناس بعده. كنا سنتذكر الحرب العالمية الثانية بشكل مختلف تماماً، على سبيل المثال، لو تخلت أمريكا ببساطة عن العالم، بدلاً من الانخراط بلا كلل في تشكيل النظام العالمي بعد الحرب. ومع ذلك، من المؤكد أن عام 2020 سوف يفرض نفسه على الجهود المستقبلية الخاصة بتتبع منحنى الأحداث في القرن الحادي والعشرين، وربما يكون العام الذي بدأ فيه النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة في الانهيار، أو ربما العام الذي منح ذلك النظام الحياة من جديد.

 قد يرى المؤرخون يوماً ما عام 2020 بداية لعصر مظلم جديد. ففي غضون بضعة أشهر، ترنح العالم تحت صدمات استراتيجية تحدث مرة كل قرن: ففي البداية قتلت الجائحة العالمية فيه الملايين وجمّدت المجتمعات. ثم شهد العالم انكماش العولمة مع إغلاق الحدود وتوقف السفر. وعجزت الهيئات الدولية، مثل منظمة الصحة العالمية ومجموعة السبع، عن توفير الحد الأدنى من الكفاءة التكنوقراطية والتعاون الدولي.

 وعلى الجبهة الجيوسياسية، شنت الصين، الدولة الأوتوقراطية الأولى في العالم، هجوماً متعدد الجبهات، مما يدل على أنها لم تعد مقتنعة بما تسيطر عليه وتطلب المزيد.

وعانت الديمقراطية الرائدة في العالم من اضطرابات داخلية شديدة، وشهدت محاولة رئيسها أخذ البلاد إلى ما يشبه الحكم المطلق بعد انتخابات مختلف عليها.

 ومما زاد من وحشية عام 2020 تراجع الديمقراطية مقارنة مع ذروة انتشارها في حقبة ما بعد الحرب الباردة. وهدد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وارتفاع المد الشعبوي، مشروع التكامل الأوروبي كأهم أشكال التضامن في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وتراجعت العولمة نتيجة السياسات الحمائية الشرسة؛ حيث أصبحت منظمة التجارة العالمية منعزلة، وتزايد صعود الصين الاقتصادي كنذير، وأصبحت أمريكا داعية غير مؤكدة للتجارة الحرة. كما شكلت الاضطرابات الجيوسياسية تهديداً لمعظم الأنظمة الإقليمية في منطقة أوراسيا. وأصبح الخلل السياسي أسلوب حياة في الولايات المتحدة.

 لقد كشفت الأزمات عن انتشار العفن داخل المؤسسات والهياكل التي شكلت العمود الفقري في النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة. أحد الاحتمالات، إذن، هو أن يُنظر إلى هذا العام على أنه اللحظة التي بدأ فيها النظام تحت الضغط، بالانحدار نحو دولة أكثر فوضوية وغير ليبرالية.

 ولكن هناك أيضاً نظرة مستقبلية أكثر تفاؤلاً لعام 2020. فإحدى نقاط القوة في نظام ما بعد الحرب هي مرونته الهائلة؛ حيث إن التحديات غالباً ما حفزت الابتكار البناء.

 كانت السبعينات، على سبيل المثال، تبدو في كثير من الأحيان وكأنها نهاية أيام القوة الأمريكية واقتصاد العالم الحر، وسط صدمات النفط، ونهاية نظام بريتون وودز المالي، والنكسات الجيوسياسية. ومع ذلك، أدت الأزمات إلى التجديد بدلاً من التراجع. فقد تعاونت الولايات المتحدة مع الحلفاء الرئيسيين، لإنشاء مؤسسات جديدة مثل مجموعة السبع؛ لتسهيل التحول إلى نظام أكثر عولمة. وتبنت البلدان في الغرب إصلاحات داعمة للسوق أسفرت عن ازدهار متجدد.

 ربما سيكون عام 2020 لحظة ولادة جديدة. فهو العام الذي صحح فيه النظام السياسي الأمريكي نفسه بعد مغازلة خطِرة بين الشعبوية شبه السلطوية واليمين، بينما رفض الشعبوية اليسارية المزعزعة للاستقرار. وشهد جهوداً لبدء إصلاح المنظمات الدولية المحتضرة، وإنشاء آليات جديدة لتعاون ديمقراطي أعمق وأوسع. واتسع نظاق الحذر من القوة الصينية، ليس فقط في أمريكا، ولكن في أوروبا والديمقراطيات المتقدمة الأخرى أيضاً. فحقبة ترامب لم تنتهِ بقطيعة أو اختلاف بين ضفتي الأطلسي بشأن الصين، ولكن بمناقشات أولية حول كيفية التعاون بشكل أوثق ضد التهديد الذي تشكله بكين.

 لا شك أن القيادة أمر بالغ الأهمية. فالطريقة التي يتحول بها العالم في المستقبل ستعتمد على جودة الخيارات، وقوة الخطاب لدى صانعي السياسات في الولايات المتحدة ودول أخرى.

 وسواء كان خيراً أو شراً، سوف ننظر إلى عام 2020 باعتباره مفصلًا تاريخياً – العام الذي أرسل موجات صدمة من خلال النظام القائم، وبالتالي غيّر مسار العالم على المدى الطويل- وهذا يؤكد أنه يمكن للأزمات الكبرى أن تدفع النظام الدولي نحو التدمير أو التجديد، لكنها لا بد أن تترك بصمة دائمة.

شاهد أيضاً

جامعات أميركا… حقائق وأبعاد

بقلم: إياد أبو شقرا- الشرق الأوسطالشرق اليوم– «الانتفاضة» التي شهدها ويشهدها عدد من الحُرم الجامعية …