الرئيسية / مقالات رأي / الثأر الإيراني المزعوم: أي استراتيجية

الثأر الإيراني المزعوم: أي استراتيجية

بقلم: سالم الكتبي – صحيفة إيلاف

الشرق اليوم- نقرأ كثيراً في التقارير الاخبارية اليومية تهديدات لا تتوقف لقادة نظام الملالي الإيراني ونيتهم الانتقام من الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن الواقع يدحض هذه التهديدات ويشير إلى أنها مجرد تصريحات جوفاء تستهدف امتصاص غضب حلفاء الملالي ومؤيديهم جراء الضربات المتتالية التي يتلقونها، ناهيك عن آثار سياسة العقوبات الصارمة التي ينتهجها الرئيس ترامب حيال الملالي من أكثر من عامين.

الفجوة الكبيرة بين تهديدات الملالي وواقع سلوكياتهم المحسوبة بدقة بالغة، يشير إلى أن ثمة استراتيجية مدروسة يجري تنفيذها، وتقوم على التريث الاستراتيجي بهدف الوصول إلى تحقيق انتصار سياسي معنوي من دون المغامرة بخوض مواجهة مباشرة مع الجانب الأمريكي الأكثر عدة وعتاداً وقدرة على حسم أي صراع عسكري ـ محدود أو واسع ـ مع نظام الملالي.

ومن يتابع مسيرة الملالي منذ ثورة الخميني عام 1979 يدرك أن لديهم تغليب لمصالح النظام وبقائهم في السلطة على ماعداه من حسابات ومعايير، والشاهد على ذلك مواقف كثيرة تنطلق من مبدأ “التقية السياسية”، الذي يؤمن به قادة النظام، ويطبقونه من دون اجتهاد أو مغامرة، فقد سبق لهذا النظام الانبطاح أمام رياح الغضب الأمريكية العاصفة في عام 2011، حين قررت الولايات المتحدة معاقبة حركة “طالبان” الأفغانية على إيواء قادة وعناصر تنظيم “القاعدة” في بلادهم، وتكرر السلوك ذاته إبان الحرب الأمريكية ضد نظام صدام حسين عام 2003، وقدم الملالي في حالتين كل الدعم والتسهيلات اللازمة للقوات الأمريكية خشية مواجهة الغضب الأمريكية. وهناك أيضاً موقف الخميني الشهير حين وافق على قبول القرار الأممي رقم 598 لسنة 1988 بشأن وقف إطلاق النار لانهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية، واصفاً تلك الخطوة بـ “تجرع كأس السم”.

واتذكر جيداً أن نحو 127 نائباً في مجلس الشورى الايراني قد رفعوا في منتصف عام 2003 مذكرة للمرشد الأعلى علي خامنئي طالبوه فيها بأن يحذو حذو سلفه الخميني الذي تجرع كأس سم رغم عن إرادته (بقبوله قرار مجلس الأمن سالف الذكر) فإنه من الضروري أن يتجرع هو ايضاً كأس سم جديدة “إذا كان ذلك ضرورياً للدفاع عن أركان النظام واستقلال البلاد”، وبالتالي فإن الأمر متكرر في مسيرة الملالي وأدبياتهم وسلوكياتهم السياسية التي تعلي مصلحة النظام فوق أي اعتبار آخر.

واستطيع القول بناء على ما سبق أن نظام الملالي ينطلق في مواقفه التصعيدية الراهنة من استراتيجية تستهدف تحقيق اهداف بعيدة المدى في مقدمتها الرغبة في دفع الولايات المتحدة لاتخاذ قرار تاريخي بسحب جميع قواتها المتمركزة في منطقة الخليج العربي، وهو تصور قائم على أن حسابات المصالح الأمريكية ترتكز على السيطرة على موارد النفط وضمان أمن الحلفاء وفي مقدمتهم اسرائيل، ومن ثم فإن انحسار الاعتماد الأمريكي على وارادات النفط القادمة من منطقة الخليج يمكن أن يدفع باتجاه تحقيق هذا التصور الإيراني، وهذا أمر تنقصه معطيات مهمة أخرى، منها أن ضمان استمرارية التفوق الاستراتيجي الأمريكي على مفاصل النظام العالمي القائم مرهون تماماً بمدى النفوذ الأمريكي في مناطق حساسة لاقتصادات الخصوم والمنافسين الاستراتيجيين مثل منطقة الخليج العربي، وبالتالي فالوجود العسكري الأمريكي لا يرتهن فقط للحاجة إلى النفط الخليجي ولكن أيضاً لضمان موطىء قدم في مناطق حيوية بالنسبة للمنافسين، أو بمعنى آخر ضرورة امتلاك أوراق الضغط اللازمة للتأثير في مواقف وسياسات الخصوم عند اللزوم.

في ضوء ماسبق، استطيع القول أن تصريحات قادة الملالي المتكررة حول اقترابهم من تحقيق هدف “طرد القوات الأمريكية من العراق والخليج العربي”، وكانت تصريحات الرئيس الإيراني، حسن روحاني، التي قال فيها مؤخراً: إن “انتقام إيران لاغتيال قاسم سليماني لن ينتهي إلا بقطع رجل أمريكا من المنطقة، وطهران ستقطع رجل واشنطن في المنطقة، مقابل قطعها يد قاسم سليماني” أحدث حلقات هذه التصريحات، التي تؤكد الشواهد والتحليل المنطقي أنها ليست سوى وهم يداعب خيالهم، لأن الولايات المتحدة بكل ما تمتلك من موارد وقدرات عسكرية هائلة قادرة على حماية قواتها في أي مكان بالعالم، وبالتالي يبقى من الوارد أن تعيد نشر وتوزيع قواتها وتمركزها وفقاً لإجراءات الحماية المتاحة لعناصرها وغير ذلك ولكنها لن تنسحب تماماً من منطقة الخليج العربي كما يزعم الملالي، وبالتالي تصبح مثل هذه التصريحات مجرد “ثرثرة” فارغة تعكس ضيق أفق الملالي، ورغبتهم في ايجاد مخرج لحفظ ماء الوجه بعد تعرضهم للعديد من الهزائم والضربات المتتالية في داخل إيران وخارجها.

الموضوعية هنا تقتضي القول أيضاً أن الملالي قد ينجحون في تحقيق هدف بالغ الحيوية بالنسبة لهم مقابل استراتيجية التريث هذه، وهو إبقاء نظامهم على قيد الحياة والحفاظ عليه في مواجهة الأنواء، وهو هدف خفي لديهم ولكنه في موازين وحسابات النظام يفوق في أهميته أي أهداف أخرى يناورون بها مثل “طرد القوات الأمريكية من المنطقة”، والدفاع عن القضية الفلسطينية وغير ذلك من أهداف ربنا تصبح أهدافاً ثانوية في حال تمت مقارنتها ـ من حيث الثقل والأهمية النسبية ـ بهدف الحفاظ على النظام.

وبناء على ماسبق، يمكن استقراء وفهم وتحليل مجمل تصريحات وتهديدات قادة نظام الملالي حول الانتقام لمقتل الجنرال قاسم سليماني أو العالم النووي محسن زادة، أو غير ذلك من التفجيرات والضربات والحرائق التي اشتعلت في قلب المدن الايرانية من دون أن تكتشف أسبابها وهوية المتورطين فيها، فكل هذه التهديدات والتصريحات ليست سوى ذر للرماد في العيون وكسب الوقت والتعاطف من دون أن ترتكز على معطيات وتحركات فعلية لتنفيذ أي منها، والحالة الوحيدة التي يمكن أن تجعلها قابلة للحياة أن يكون مصير نظام الملالي مضموناً وراسخاً ولن يتأثر بأي ردة فعل عكسية في حال تنفيذ أي من هذه التهديدات، وهي حالة غير واقعية بالنظر إلى عزلة الملالي والعداء العميق الذي يحيط بهم في داخل إيران وخارجها.

شاهد أيضاً

هدنة الفرصة الأخيرة

بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عودة الحديث عن إطلاق المفاوضات بشأن التوصل …