الرئيسية / مقالات رأي / Bloomberg: رأسمالية عصر الرقميات

Bloomberg: رأسمالية عصر الرقميات

By: Andy Mukherjee

الشرق اليوم- تعرضت الاقتصادات العالمية على مر العصور لهزات عنيفة بدءاً من انهيار أسعار الأسهم والفائدة الصفرية، مروراً بالأوبئة والكوارث، وقد لا تكون هذه المرة مختلفة، وسوف تدفع الحكومات إلى تقاسم جزء من الكعكة مع شعوبها، وإعادة تشكيل النظام الرأسمالي، من خلال تخصيص حصة من المنتج الأساسي «البيانات»، في صفقة عدوانية مجحفة.

 ومن المنتظر أن تصبح أرباح البيانات العالمية ناتجاً محلياً مختلفاً تماماً عن الناتج المحلي الإجمالي. فالحجج التي تتذرع بها شركات التقنية حول محاصصة أرباح البيانات مع المستخدمين تبدو منطقية. وقد يصبح لدينا دخل أساسي عالمي أفضل –مفهوم ثوري للدخل ربما آن أوانه- خاص بعالم ما بعد «كوفيد-19».

 فقد أظهرت تجربة فنلندية تمت دراستها على نطاق واسع أن الإعانة المقدمة من الدولة يمكن أن تحسن رفاهية المواطنين. ومع ذلك، فإن مجموعة صغيرة فقط من البلدان المتقدمة سيكون لديها فرصة للاستمرار في منح دعم حقيقي، بشرط موافقة دافعي الضرائب. لكن معظم الدول النامية ستتردد في تنفيذ مثل هذه السياسة؛ بسبب تكاليفها المرتفعة، ما يعني تفاقم الفجوة بين الشمال والجنوب.

 هذا هو المجال الذي يمكن لنسبة 63% من سكان العالم المشتركين بالإنترنت، الاستفادة ممّا يجنيه عمالقة التقنية في العالم، والتي بلغت عائداتها مجتمعة 1.3 تريليون دولار العام الماضي. لكن الشركات لا تزال تتفنن في تهريب أموالها إلى الملاذات الضريبية الآمنة.

 وتعترض كاتريبنا بستور، أستاذة القانون في جامعة كاليفورنيا، في بحث حول تقاسم الأرباح، على منح المستخدمين حفنة منها كل حسب كم بياناته الأولية. هذه البيانات على قلتها هي التي تمنح عمالقة التقنية القدرة على تحليل مليارات البيانات، وتستخلص رؤى حول سلوكنا، وتشارك تلك المعلومات الاستخباراتية لتحقيق الربح مع مزودي السلع والخدمات، الذين يستخدمون المعرفة بعد ذلك للتأثير على اختياراتنا كمستهلكين وتحقيق مكاسب أخرى.

 وبدلاً من أن نكون شركاء في سوق حرة، فإن لعبة القوة هذه تجعلنا ضحايا مرتين؛ إذ لا يمكن لأي قانون خصوصية أو لوائح مكافحة الاحتكار تحسين وضعنا التفاوضي. نحن بحاجة إلى ملكية جزئية ليس للبيانات، ولكن لقواعد البيانات. بعبارة أخرى، إذا كانت التكنولوجيا قد جعلت مصيرنا «محكوماً بالبيانات»، فيجب أن يكون لدينا حقوق في صندوق إيداع البيانات.

وينبغي أن يركز الجدل على فضح كذبة شائعة. فبصماتنا المعلوماتية ليست نفطاً أو أي شيء يشبه سلعة أو أصلًا عادياً. بالإضافة إلى طلب الحماية من القرصنة، لم تعتمد صناعة التكنولوجيا على الحماية القانونية لتأكيد حقوق الملكية الخاصة بها. لقد استحوذت على البيانات بكل بساطة وكأنها «شيء غير موجود»، أو حيوانات برية، و حققت أرباحاً فلكية. لقد حان الوقت لإنهاء الغموض حول الملكية، وإعطاء البيانات صفة الملكية العمومية، أو ملكية المجتمع.

 لكن المؤكد حتى هذه اللحظة أن حكومات العالم لم تفكر في هذا الأمر حتى الآن. والتغيير الذي طرأ على سطوة شركات التكنولوجيا الكبرى يثير القلق. وسوف يتغير شعور الناس بالملكية في المجتمع إذا حاولت السلطات السياسية حل ما يراه عالم الاجتماع كريستيان فوكس في جامعة وستمنستر «عداءً ماركسياً بين المشاع الرقمي والسلعة الرقمية».

 وهناك سؤالان مهمان. أولاً، كيف ستمرر الشركات الأرباح التي تجنيها إلى منتجي البيانات كل حسب نسبة مشاركته فيها؟ ثانياً، هل ستوافق الصين على مثل هذه الخطة، أم أن تقاسم الأرباح هذا سينتهي به الأمر إلى أن يصبح عائقاً دائماً للتكنولوجيا الغربية فقط؟

 قد لا يمكن الفصل بين الإجابتين. يكفي تأمل إلغاء الطرح العام الأولي لشركة «آنت» الصينية العملاقة هذا العام؛ لمعرفة نية بكين للجم السطوة المتزايدة لأمراء البيانات. لكن هذه ليست نهاية المطاف. وفي النهاية، سوف تصدر جميع البنوك المركزية الكبرى عملات رقمية موزعة على نطاق واسع، لتحاكي تجربة الصين التي طرحت اليوان الرقمي.

 ولا بد أن تختفي الهوية النقدية للأمم خلال هذا العقد. لذلك، علينا أن ننتظر تدفق حصتنا من أرباح مستودعات البيانات إلى محافظ العملات الرقمية الرسمية على هواتفنا المحمولة. وفي عملية إنفاقها، سوف نقدم خدمة رصيد بيانات أكبر للبنوك المركزية.

بعد متاعب عام 2020، صرنا نتوق إلى لقاح وإلى عام 2021 أكثر راحة. لكن هل يمكننا كمنتجين ومستهلكين وأفراد، التخلص تماماً من ذكريات الوباء ومخلفاته؟ وحتى لو أردنا أن ننسى، هل ستسمح لنا الحكومات بإسقاط حراسنا؟ إن ظهور تتبع الاتصال أثناء الوباء قد قدّم لنا فكرة واضحة كيف أن هواتفنا الذكية يمكن أن تحافظ على سلامتنا – بالتجسس علينا.

 من الواضح أن التضحية بالمزيد من حريتنا لصالح المراقبة الأبدية من قبل الدولة يمكن أن تصبح صفقة مع الشيطان الذي نعرفه أكثر كلما كبرنا. ولا بد أن نقبل بالصفقة حتى مع الشيطان، ولكن فقط إذا أعطتنا التكنولوجيا حصة حقيقية في رأسمالية القرن الحادي والعشرين.

شاهد أيضاً

ماذا حصل دبلوماسيّاً حتى تدحرج الوضع مجدداً على الجبهة اللبنانيّة – الإسرائيليّة؟

بقلم: فارس خشان- النهار العربيالشرق اليوم– بين 15 آذار (مارس) الجاري و23 منه، انخفض مستوى …