الرئيسية / مقالات رأي / قيم الاتحاد الأوروبي قيد المساومة

قيم الاتحاد الأوروبي قيد المساومة

بقلم: ميهير شارما – الخليج

الشرق اليوم- كثيراً ما أتحفتنا نحن غير الأوروبيين، تلك المحاضرات التي عرضها مثقفون وسياسيون من الاتحاد الأوروبي حول “القيم الأوروبية”. وكثيراً ما اعتقدنا أنهم كانوا مخلصين، أو بعضهم على الأقل، في دفاعهم. 

من المؤكد أن القارة التي دمرتها الحروب الطاحنة، والتي تمكنت بطريقة ما من ابتكار شكل من أشكال التوافق والخروج من تحت الركام، تدرك أن الاتحاد كان أكثر من مجرد ميزانيات وتحويلات مالية: إنه يعني ترميم الهيكل الأوروبي وتنقيته من الانقسامات العرقية والانتماءات الضيقة، والدفاع عن حقوق الإنسان ليس على الساحة الأوروبية فقط؛ بل العالمية أيضاً.

 لكن هذا الإيمان بالقاعدة المتينة لقيم الاتحاد الأوروبي بدأ يضعف في السنوات الأخيرة مع صعود الشعبويين اليمينيين المتطرفين في استطلاعات الرأي في جميع أنحاء القارة. وكادت الثقة بتلك القيم أن تنهار؛ من جرّاء تصرفات قادة المجر وبولندا – وهما دولتان، لولا وجودهما في أوروبا، لتعرضتا لكثير من الانتقادات من قبل الدبلوماسيين الأوروبيين باعتبارهما أنظمة استبدادية ناشئة في العالم الثالث.

 فقد عزز زعماء التنظيمات غير الليبرالية في المجر وبولندا سلطتهم على حساب تقويض المؤسسات المستقلة حتى في الوقت الذي تلقت فيه حكوماتهم التحويلات المالية من بقية دول الاتحاد الأوروبي؛ لذا بث قرار الاتحاد الأوروبي بربط حصول كل منهما على مساعدات الإنقاذ باحترام القانون، شعوراً عارماً بالارتياح وإن كان القرار قد تأخر.

 كان ينبغي أن تكون صفقة الميزانية التي توصل إليها القادة الأوروبيون الأسبوع الماضي خطوة كبيرة إلى الأمام. فقد حدد الاتحاد أهدافاً أكثر طموحاً على صعيد المناخ تمثلت في الحد من الانبعاثات بنسبة 55% على الأقل. وسوف يحول صندوق التعافي من الجائحة الذي حددت قيمته عند 750 مليار يورو، الأموال مباشرة إلى الدول الأعضاء الأكثر تضرراً، بتمويل الاقتراض من قبل المفوضية الأوروبية نفسها. ويمكن اعتبار الصفقة حلاً وسطاً لا يخلو من مساومات، لكنه خطوة إيجابية على طريق توزيع ومناقلة الأموال بين دول الاتحاد.

ومن المؤسف أن ثمن التسوية – أي التأخير الفعلي في تطبيق شرط سيادة القانون – ربما كان باهظاً للغاية. فما كان ينبغي لزعماء أوروبا أن يتساهلوا مع المجر وبولندا طيلة تلك المدة. والآن، في اللحظة الحاسمة، أجلوا الحساب مرة أخرى.

 وقد وصف الملياردير الليبرالي جورج سوروس الصفقة بأنها “أسوأ ما هو متاح في عالم التسويات”. فإذا كانت أوروبا تنوي تمتين قواعد الاتحاد على أساس القيم الليبرالية، فإن أولئك الذين يهاجمون تلك القيم لا يستحقون أن يعاملهم شركاؤهم على أنهم يمتلكون حججاً مشروعة.

 وسواء كان تحالفاً أو اتحاداً، يجب أن تكون أي مجموعة من الحكومات قادرة على تأديب الأعضاء المشاغبين؛ لخرقهم قيمه بشكل صارخ ومتكرر. المشكلة أننا لا ندري هل تجاوز زعماء المجر أو بولندا الخط الأحمر أم لا؟ وهل هناك خط أحمر بالنسبة لهم، أو لأي من هؤلاء الشعبويين يمكن يتولى الحكم بعد ذلك في دولة عضو في الاتحاد الأوروبي؟

لدينا في آسيا مجموعة دول فشلت في الارتقاء إلى مستوى إمكاناتها على وجه التحديد؛ لأنها لا تستطيع استبعاد أو تأديب أي من أعضائها، كما رابطة دول جنوب شرق آسيا.

 وإذا كانت هناك عبرة من تجربة السنوات العشر الماضية فهي أنه لا يمكنك المساومة مع الشعبويين غير الليبراليين أو رشوتهم بالتمويل على أمل أن يخففوا من شعوبيتهم. وعلى المدى الطويل، قد يكون فشل أوروبا في التعامل مع المجر وبولندا أكثر ضرراً على مكانة الاتحاد الأوروبي على الصعيد العالمي، من خروج بريطانيا من الاتحاد. ذلك أن رحيل عنصر ساخط يزيد من قوة الاتحاد. أما السماح للأعضاء بتخريب الاتحاد من الداخل فسوف يجعله أضعف.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …