الرئيسية / مقالات رأي / ترامب المحاصر يفتح النار على الجميع

ترامب المحاصر يفتح النار على الجميع

بقلم: هشام ملحم – النهار العربي

الشرق اليوم – الرئيس دونالد ترامب غاضب وفي مزاج قاتم. غاضب من كل شيء، وضد الجميع تقريباً. وهو يجد نفسه في أسابيعه وأيامه الأخيرة في البيت الأبيض محاصراً، وعدد مساعديه ومستشاريه يتقلص يومياً، وحتى الموجودون حوله يخافونه ويعرفون أنه لا يثق بمعظمهم. التسريبات الصادرة عن مصادر في البيت الأبيض ترسم صورة داكنة للغاية لرئيس يتصرف وكأن لديه هاجساً واحداً لا مجال لغيره، وهو ما الذي يمكن أن يفعله بعد استنزاف كل الوسائل القانونية للبقاء في البيت الأبيض لولاية ثانية. قرارات ترامب وتصريحاته في الأيام الأخيرة زادت من قلق المسؤولين في البيت الأبيض الذين يتخوفون من أن يتّسم سلوكه في الأيام المتبقية له في السلطة بتهوّر أكثر، وربما أخطر، لأنه تخلص من جميع المستشارين الذين يمكن أن يقنعوه بالتراجع عن أسوأ غرائزه، خصوصاً نزعته الانتقامية.

وخلال يومين متتاليين، أصدر ترامب قرارات بالعفو عن عشرات الأميركيين المسجونين أو ألغى الأحكام القضائية ضدهم. وبين هؤلاء أصدقاء ومستشارون سابقون لترامب صدرت الأحكام ضدهم في سياق التحقيقات بتدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية في 2016، مثل مدير حملته السابق بول مانافورت بتهم الفساد، وصديقه القديم ومستشاره غير الرسمي روجر ستون بتهم تضليل التحقيق. وتضم القائمة أعضاء جمهوريين سابقين في مجلس النواب، بعضهم كانوا من أول المؤيدين لترشيح ترامب للرئاسة، تمت مقاضاتهم بالفساد واختلاس المال العام. وشملت لائحة الذين عفا عنهم ترامب يوم الثلاثاء الماضي أربعة مقاولين أمنيين ارتكبوا مجزرة في قلب العاصمة العراقية بغداد في 2007 كانت حصيلتها 17 مدنياً عراقياً، بينهم طفلان. وشمل العفو تشارلز كوشنر، والد صهر ومستشار الرئيس جاريد كوشنر، الذي قضى سنتين في السجن في 2004 بتهم الفساد. 

ويعتزم ترامب إصدار المزيد من قرارات العفو خلال الأسابيع القليلة المتوفرة له في السلطة. وهو تعرّض لنقد لاذع من الديمقراطيين والحقوقيين لأنه يسيء استخدام صلاحياته الدستورية حين يعفو عن أصدقاء ومقربين منه، وعن قتلة استهدفوا مدنيين، وأفراد من الشرطة غالوا في استخدام العنف. قرارات العفو عن الذين ضللوا تحقيقات روبرت مولر، تهدف إلى تقويض مجمل التحقيق الذي يصفه ترامب بأنه خدعة.

وخلال اليومين الماضيين، هدد ترامب بأنه يميل الى استخدام حق النقض (الفيتو) ضد خطة الإنعاش الاقتصادي ومساعدة المتضررين من جائحة كورونا، وطالب الكونغرس بإلغاء المساعدة المالية “السخيفة” التي ستوفرها الخطة لكل مواطن وقيمتها 600 دولار واستبدالها بألفي دولار. وكان الحزبان الديمقراطي والجمهوري قد شاركا في مفاوضات طويلة ومعقدة وأحياناً حادة استمرت أشهراً قبل التوصل إلى تسوية وتخصيص أكثر من 900 مليار دولار لإنعاش الاقتصاد. ومثّل الحكومة في هذه المفاوضات وزير الخزينة ستيفن مانوشين، الذي أثنى وغيره من المسؤولين في البيت الأبيض على الخطة، قبل ساعات من قيام ترامب بتهديدها في شريط فيديو فاجأ فيه مساعديه وأحرجهم. ورأى بعض المراقبين أن تهديد ترامب باستخدام سيف الفيتو ضد الخطة يهدف إلى إحراج زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ السناتور ميتش ماكونال، لأن ترامب ناقم عليه منذ تهنئته الرئيس المنتخب جو بايدن عقب تصديق المجمع الانتخابي على فوز بايدن بالرئاسة في الرابع عشر من الشهر الجاري. ويعتقد أن الأكثرية الكبيرة التي صوّت فيها مجلسا الكونغرس والتي فاقت الثلثين، كافية لنقض أي قرار رئاسي بالنقض، وهذا ما دفع بعض المشرّعين والمحللين للقول إن ترامب يدرك ذلك، ولكنه يريد أن يزايد على الجمهوريين وأن يقول لقاعدته إنه يهتم بمصالحهم أكثر من الجمهوريين في الكونغرس.

ومساء أمس الأربعاء، نفذ ترامب تهديده السابق باستخدام حق النقض ضد الميزانية العسكرية للسنة المالية المقبلة، وهي المرة الأولى التي يستخدم فيها رئيس أميركي الفيتو ضد الميزانية التي توفر رواتب العسكريين الأميركيين منذ حوالي ستين سنة. وكان ترامب قد اعترض على بند في مشروع القانون يقضي بتغيير أسماء 10 قواعد عسكرية معروفة بأسماء قادة خدموا في الجيش الكونفيدرالي للولايات الجنوبية التي انفصلت عن الاتحاد الفيدرالي وتسببت باندلاع الحرب الأهلية في 1861. كما اعترض على بند يقيّد من صلاحياته بتخفيض عديد القوات الأميركية المنتشرة في دول مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية وأفغانستان. استخدام الفيتو ضد الميزانية العسكرية، والتهديد باستخدامه ضد الخطة الاقتصادية، سيثير استياء المشرّعين من الحزبين، لأن ترامب لم يشارك في المفاوضات بشأن الخطة الاقتصادية، وهو ليس في مزاج وفاقي.

وفي الأيام الماضية وصل غضب ترامب وعزلته الى مستويات غير معهودة، حيث يتركز غضبه على الجمهوريين في الكونغرس وفي طليعتهم السناتور ماكونال والمسؤول عن الانضباط الحزبي في المجلس السناتور جون ثون المقرب من ماكونال، لأنه تجرأ على القول إن أي محاولات يقوم بها شيوخ جمهوريون في السادس من الشهر المقبل في الجلسة التي ستصدّق نهائياً على فوز بايدن، سوف يتم إفشالها فوراً. وسارع ترامب لمهاجمة السناتور ثون، واصفاً إياه في تغريدة بأنه جمهوري بالاسم فقط، وبأنه “صبيّ ميتش”، وهدد ثون بأنه سيرشح له شخصية تنافسه في ولايته بعد سنتين، الأمر “الذي سينهي مستقبله السياسي”. 

وكان ترامب قد طلب من أحد مساعديه، يوم الاثنين الماضي، بعث رسالة إلى مشرّعين جمهوريين ادّعى فيها أن ماكونال فاز بمقعده بسبب دعم ترامب، ومتهماً ماكونال بأنه كان “أول من قفز من السفينة”. وقبل يومين أصبحت استقالة وزير العدل وليام بار، الذي خدم ترامب وكأنه محاميه الشخصي سارية المفعول، بعدما غضب منه ترامب لأنه ناقض الرئيس وأكد أنه لم تحدث أي عمليات تزوير في الانتخابات. كما سرّب مسؤولون في البيت الأبيض في إجازات خلفية مع بعض المراسلين الذين يغطون البيت الأبيض أن ترامب كان مستاءً من مدير البيت الأبيض مارك ميدوز، ومحامي البيت الأبيض بات سيبيلون لأنهما رفضا نظريات المؤامرة التي ينادي بها بعض مؤيدي ترامب أو الذين يدعونه لفرض حالة الطوارئ في بعض الولايات، كما اقترح أول مستشار لشؤون الأمن القومي عيّنه ترامب، الجنرال المتقاعد مايكل فلين. كما أن ترامب ناقض وزير خارجيته مايك بومبيو الذي اتهم روسيا بشن حملة إلكترونية شاملة لاختراق اتصالات معظم الوزارات الأميركية وكبريات الشركات، حيث ادعى ترامب، من دون أدلة، أنه من المرجح أن تكون الصين وراء الاختراق.

غضب ترامب مرشح للتفاقم، وعزلته وبُعده عن المشرعين الجمهوريين والمستشارين الذين كانوا يحاولون كبح تهوّره، تعني أن الأسابيع المتبقية له في البيت الأبيض سوف تكون طويلة ومقلقة ومحفوفة بالمجازفات، لأنه ليس هناك أي مسؤول في الحكومة أو أي مقرب من ترامب يستطيع أن يتنبأ ولو بدقة متدنية، بما يمكن أن يقوم به رئيس مهزوم يرفض الاعتراف بهزيمته. 

شاهد أيضاً

إنصاف «الأونروا»

بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج الشرق اليوم- لم تكن براءة وكالة الأمم المتحدة لغوث …