الرئيسية / مقالات رأي / بعدما حسمت معركة ناغورنو كاراباخ . . . الطائرات المسيّرة “بطلة” حروب المستقبل

بعدما حسمت معركة ناغورنو كاراباخ . . . الطائرات المسيّرة “بطلة” حروب المستقبل

بقلم: رياض قهوجي – النهار العربي

الشرق اليوم – أظهرت حرب ناغورنو كاراباخ الأخيرة أن الطائرات من دون طيار سيكون لها دور أساسي في الحروب الحالية والمستقبلية، ليس فقط من ناحية قدرتها على الاستطلاع والمراقبة وجمع المعلومات، بل من ناحية قدراتها الهجومية الدقيقة، لا سيما أن دورها كان رئيسياً في حسم الحرب لمصلحة أذربيجان.

فقد أظهرت دراسات تقييمية لهذه الحرب أن أذربيجان استعدت جيداً لها واستفادت كثيراً من الطائرات المسيّرة وتكنولوجيا الحرب الإلكترونية التي حصلت عليها من تركيا وإسرائيل. ولم تكن أرمينيا مستعدة إطلاقاً لشكل الحرب التي فرضتها أذربيجان عليها، ما دفعها الى الاستسلام بعد أقل من شهرين من بدء المعارك. وكان لتركيا دور أساسي في التسليح والتوجيه، إذ إن التكتيك الذي استخدم في المعارك مطابق لما استخدمته القوات التركية في سوريا وفي المعارك التي خاضتها المجموعات المرتبطة بها في ليبيا والتي هزمت فيها قوات الفريق خليفة حفتر وأجبرتها على التراجع الى مشارف مدينة سرت بعدما كانت تحاصر العاصمة طرابلس. 

كانت الطائرة التركية من دون طيار الهجومية “بيرقدار” نجمة الحرب الى جانب طائرة “هاروب” الإسرائيلية الصنع، وهي طائرة من دون طيار “انتحارية،” أي أنها تنقضّ لتفجّر نفسها بالهدف فور تحديده. ولقد حشدت أذربيجان العشرات، إن لم يكن المئات، من هذه الطائرات التي استخدمت بكثافة كبيرة وبمهارة عالية، فاستهدفت أولاً منصات الدفاع الجوي الأرمنية ودمرتها بالكامل، مستعينة بمنظومات إلكترونية للتشويش على رادارات الرصد والتتبع التي يبدو أنها لم تر هذه الطائرات. 

ويعتقد الخبير العسكري الإسرائيلي عوزي روبين أن منظومة “كورال” للحرب الإلكترونية التي تصنعها تركيا، استخدمت في إلغاء دور الرادارات وأنظمة الإنذار المبكر الأرمينية، ما مكّن طائرات “هاروب” الأذرية من تدمير منصات الدفاع الجوي الأرمينية، وهي روسية الصنع وتضمنت منصات “سام-“8 و”سام-13″ و”سام-15” الأكثر تطوراً، حتى أن أحد أفلام الفيديو التي عرضتها وزارة الدفاع الأذرية يظهر لحظة تدمير منصة صواريخ “اس-300” داخل الأراضي الأرمينية، وهو أمر له دلالات مهمة وخطيرة بالنسبة الى الدول التي تمتلك هذا النوع من الصواريخ المتقدمة مثل سوريا وإيران. ويشير روبين الى أن طائرات “بيرقدار” التركية تمكّنت من تدمير منظومة “سام-22” “بانتسير” الروسية المتطورة في معارك شمال سوريا وفي ليبيا، ما يؤكد امتلاك أنقرة قدرات عسكرية متقدمة للتعامل مع الدفاعات الجوية المصنعة في روسيا. 

ويعتقد الخبراء أن ما دفع أرمينيا الى الاستسلام هو أن الطائرات الأذرية لم تكن فقط مسيطرة على الأجواء فوق ناغورنو كاراباخ، بل كانت قادرة على اختراق أجواء أرمينيا نفسها وتدمير أهداف مهمة هناك. وما إن تم تدمير معظم منصات الدفاع الجوي الأساسية حتى قامت طائرات الـ”بيرقدار” و”الهاروب” بالتركيز على تدمير بطاريات المدفعية والدبابات والصواريخ وقوافل الإمداد الأمنية، ما أفقد أرمينيا، بحسب إحصاءات موقع أوريكس الإخباري في هولندا، 185 دبابة و182 بطارية مدفعية و73 راجمة صواريخ و26 منظومة دفاع جوي و14 راداراً، أي أن أرمينيا خسرت ما يقارب نصف عدد ما تملكه من دبابات و60 في المئة من منظومات الدفاع الجوي لديها. 

ويتساءل روبين عن سبب عدم استخدام أرمينيا قواتها الجوية باعتبار أن المقاتلات الجوية تعتبر السلاح الأنسب لتدمير الطائرات من دون طيار. ويعتقد أن السبب ربما يعود الى امتلاك أذربيجان منظومات دفاع جوي متطورة روسية الصنع، بالإضافة الى وجود سرب من طائرات “اف-16” تركية. وكانت أرمينيا قد اتهمت تركيا بإسقاط طائرة “سوخوي-25” تابعة لها في أول أسبوع من اندلاع المعارك.

يعتقد الخبراء أن أرمينيا كانت متيقّنة من عدم قدرة قواتها الجوية والقديمة نسبياً من اختراق الدفاعات الجوية الأذرية، وبالتالي أي طائرة سترسل للمعركة كانت فرص عودتها ضئيلة جداً. كما أن أرمينيا لم تستثمر في الطائرات من دون طيار جيداً، إذ إنها تمتلك بضع طائرات لعمليات الاستطلاع والمراقبة فقط. حتى أن المنظومة الروسية الصنع التي امتلكتها أرمينيا لكشف الطائرات من دون طيار وإسقاطها، فشلت فشلاً كبيراً وتم اختراقها من جانب منظومات الحرب الإلكترونية التي حصلت عليها أذربيجان من تركيا وإسرائيل. 

وكانت الاستراتيجية الأرمينية للدفاع عن ناغورنو كاراباخ تعتمد على القتال البري وكثافة النيران، والتي أظهرت فعالية كبيرة في الحرب السابقة. لكن هذه المرة خسرت أرمينيا قدرتها على توجيه نيران كثيفة والمناورة البرية للتصدي لأي تقدم أو اختراق من الجانب الأذري بسبب فقدانها السريع لأعداد كبيرة من مدافعها ودباباتها وراجمات الصواريخ.

وتقدمت القوات الأذرية سريعاً على الجبهة الجنوبية ومن ثم التفت شمالاً باتجاه ممر لاتشين الذي يربط أرمينيا بعاصمة ناغورنو كاراباخ ستيباناكرت، وعندما وصلت إلى بلدة شوشة التي تطل على العاصمة والممر الاستراتيجي وافقت يريفان على شروط الاستسلام الأذرية. 

يقدر الخبراء أن القوات الأذرية المهاجمة قطعت ما يقارب 100 كيلومتر منذ لحظة انطلاقها إلى انتهاء المعارك خلال فترة خمسة أسابيع، وهي ليست بوقت زمني سريع قياساً بالمسافة التي قطعتها. كما أن عدد قتلى الجانبين في صفوف المقاتلين كان متقارباً جداً، إذ فقد الجانب الأرمني 2718 جندياً، فيما فقدت القوات الأذرية 2763 جندياً، بالإضافة الى 541 مقاتلاً من المرتزقة السوريين، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. وتظهر هذه الأعداد أن القوات الأرمينية دافعت بشراسة كبيرة ضد المهاجمين الذين سقط منهم عدد كبير خلال تقدمهم برغم تفوقهم الجوي. وبحسب روبين، فهي “لم تكن حرباً خاطفة” بل كانت تقدماً بطيئاً إنما ثابت وصل بالنهاية إلى أهدافه المنشودة ليحقّق الانتصار.

معظم جيوش العالم تقوم اليوم بتحليل الدروس المستقاة من حرب ناغورنو كاراباخ الأخيرة، وبخاصة في ما يخص طريقة استخدام الطائرات من دون طيار سلاحاً أساسياً لحسم المعركة والفوز بالحرب. هي لحظة أشبه بنتائج حرب يوغوسلافيا السابقة وكوسوفو في تسعينات القرن الماضي، حيث تمكنت القوات الجوية لحلف الناتو من حسم الحرب من الجو وإجبار القوات الصربية على الموافقة على شروطها. 

إيران هي إحدى الدول التي استثمرت في تطوير هذا النوع من الطائرات، وقد استخدمتها في هجمات ضد منشآت أرامكو في شمال السعودية، كما نقلت بعض هذه التكنولوجيا إلى ميليشيا الحوثيين الذين أطلقوا العديد منها باتجاه السعودية وأهداف أخرى في اليمن. وكانت إسرائيل أول من استخدم هذا النوع من الطائرات في المنطقة وهي تنتج اليوم تشكيلة كبيرة من هذه الطائرات المسيّرة ولأغراض متعددة. وحصلت الإمارات العربية المتحدة على طائرات من دون طيار الهجومية طراز و”ينغ لونغ-2″، من الصين، وستحصل خلال العامين المقبلين على طائرات “الريبر” الأميركية، وهي من الأكثر تطوراً في العالم. هذا فيما ستبدأ السعودية بتصنيع طائرات من دون طيار هجومية صينية المنشأ طراز “رينبو”، وهي بدورها حصلت على طائرات “وينغ لونغ-2” كما فعلت مصر أيضاً. باختصار، بدأت تطغى تكنولوجيا المنظومات الموجهة عن بعد على الحروب الحالية، وستزداد فتكاً عند دمجهما مع الذكاء الاصطناعي في حروب المستقبل.       

شاهد أيضاً

إسرائيل تختار الصفقة بدلاً من الرد الاستعراضي

بقلم: علي حمادة – صحيفة النهار العربي الشرق اليوم– تجنبت ايران رداً إسرائيلياً استعراضياً يفرغ …