الرئيسية / مقالات رأي / غزوة “الدب الحميم” لا تستفزّ ترامب!

غزوة “الدب الحميم” لا تستفزّ ترامب!

بقلم: هشام ملحم – النهار العربي

الشرق اليوم – تواصل الأجهزة الحكومية الأميركية والشركات الإلكترونية الكبيرة مثل “مايكروسوفت” وغيرها تحقيقاتها لمعرفة حجم الأضرار التي تسبب بها أكبر هجوم الكتروني تعرضت له الحكومة الأميركية وكبرى شركات القطاع الخاص، والذي قال الاختصاصيون عقب الكشف عنه أن روسيا تقف وراءه.

ومساء يوم الجمعة وبعد أيام من الإيجازات الرسمية التي تضمنت تلميحات بأن الاستخبارات الروسية هي التي شنت الهجوم، وجه وزير الخارجية مايك بومبيو، أصبع الاتهام علناً لروسيا. وقال بومبيو في مقابلة مع شبكة “فوكس” التلفزيونية: “نستطيع الآن أن نقول بوضوح كامل إن الروس هم الذين قاموا بهذه الاختراقات”. وأشار بومبيو الى أن الهجوم شمل زرع شفرات خبيثة في الأجهزة الإكترونية التابعة للحكومة الأميركية، وكذلك أجهزة الشركات الأميركية، إضافة الى دول أخرى.

وبينما يناقش المشرّعون الأميركيون من جمهوريين وديمقراطيين ما إذا كان يجب اعتبار الهجوم “عملاً حربياً” يتطلب رداً قوياً إلكترونياً وربما عبر وسائل اخرى لمعاقبة وحدة الاستخبارات الروسية المعروفة باسم “الدّب الحميم” Cozy Bear التي قامت باختراقات مماثلة في السابق، وغيرها من الأجهزة الروسية، لا يزال الرئيس دونالد ترامب يلتزم الصمت المطلق. وعلى مدى خمسة أيام لم يقم ترامب بأي نشاط علني، ولم يعلق في شكل مباشر أو غير مباشر على اختراق غير مسبوق لكل الوزارات المهمة مثل وزارة الأمن الوطني، الخزينة، ووزارة الخارجية وأقسام في وزارة الدفاع، وحوالى 18 ألف شركة أميركية. وكان من الطبيعي أن يؤدي صمت ترامب المريب واختفاؤه عن الأنظار إلى طرح السؤال: أين هو الرئيس ترامب؟

ومنذ الكشف عن الهجوم الإلكتروني يوم الأحد الماضي، قام ترامب بإطلاق أكثر من 90 تغريدة على شبكة “تويتر”، معظمها تضمّن شكاويه المعروفة والتي لا أساس لها من الصحة حول تزوير نتائج الانتخابات، ولكنه لم يخصص حتى تغريدة واحدة عن الاختراق الإلكتروني الذي أظهر للعلن وفي شكل محرج ضعف الدفاعات الأميركية ضد مثل هذه الهجمات التي يجب ألا تكون مفاجئة، بعد تعرض الولايات المتحدة في السنوات الماضية لهجمات إلكترونية شنتها دول مختلفة مثل الصين وكوريا الشمالية وإيران، إضافة إلى روسيا. والمفارقة اللافتة، هي أن منصة الأمن الإلكتروني المعروفة باسم FireEye والتابعة لشركة “مايكروسوفت” هي التي أعلمت أجهزة الاستخبارات قبل أسابيع بالهجوم الإلكتروني الذي اخترق حتى أجهزة الاستخبارات ذاتها، وبأن هذا الهجوم مستمر منذ حوالى 9 أشهر.

ويأتي هذا الاختراق الكبير للأجهزة الأميركية في الوقت الذي تعيش فيه الولايات المتحدة أسوأ فترة خلال مواجهتها لجائحة كورونا حيث وصل عدد المصابين بالفيروس الى أكثر من 17 مليون أميركي، وعدد الوفيات إلى أكثر من 314 ألف ضحية. وفي الأسابيع الماضية وصل معدل الوفيات الى أكثر من ثلاثة آلاف ضحية في اليوم. هؤلاء ايضاً لم يحظوا بكلمة واحدة من رئيسهم.

ما هو مؤكد حتى الآن هو أن الهجوم الإلكتروني “متقدم ومعقد للغاية” كما قال مسؤولون أميركيون في إيجازات خلفية مع الصحافيين، وهذه إشارة إلى أن الطرف المهاجم هو دولة تملك قدرات تقنية وإلكترونية ضخمة، وهو ما أكده مساء الجمعة الوزير بومبيو. ولكن ما هو غير معروف بدقة للشعب الأميركي، ولكن أيضاً للمسؤولين هو مدى الهجوم وأهدافه الحقيقية: هل هو للتجسس، أم لامتحان دفاعات الأجهزة الأميركية، أم التحضير لتخريبها. 

وكان عدد من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين بعد تلقيهم لخلاصات من المسؤولين في أجهزة الاستخبارات قد وجّهوا أصابع الاتهام الى روسيا. وجاء أقسى نقد لصمت الرئيس ترامب من السناتور الجمهوري مت رومني، الذي قال إن “من غير الاعتيادي في مثل هذا الظرف ألا يصدر عن البيت الأبيض موقف احتجاجي قوي يعقبه إجراءات عقابية”. وأضاف رومني، وهو من الجمهوريين القلائل في المجلس الذين يتجرؤون على انتقاد ترامب أن الاختراق الإلكتروني “مماثل لقيام قاذفات روسية بالتحليق سراً في الأجواء الأميركية بما فيها التحليق فوق العاصمة، ولكن أن لا نرد على هذا العمل فهذا أمر مذهل”.

وخلال سنواته الأربع في البيت الأبيض اتخذ الرئيس ترامب مواقف ايجابية للغاية من بوتين وروسيا وصلت إلى مستوى التشكيك بصدقية أجهزة الاستخبارات الأميركية عندما تكون تقويماتها تتعارض مع ما يقوله بوتين. وكان ترامب قد رفض انتقاد بوتين بعد الكشف عن أن روسيا عرضت مكافآت مالية لحركة “طالبان” المتطرفة في أفغانستان مقابل قتل جنود أميركيين. ترامب أيد عملياً احتلال روسيا وضمها لشبه جزيرة القرم، ورفض انتقاد بوتين وقمعه للناشطين الروس، وأضعف حلف شمال الأطلسي “الناتو” وهو هدف روسي قديم، وهو لم يتورع خلال حملته الأولى في 2016 من دعوة روسيا علناً للتجسس على منافسته هيلاري كلينتون. ومرة اخرى يتساءل المحللون الأميركيون عن أسباب موقف ترامب الغريب والمشين من بوتين وروسيا، حيث تبرز تفسيرات وتكهنات عديدة من الصعب تأكيدها.

وليس من المتوقع أن تتم ترجمة اتهام الوزير بومبيو لروسيا بشنّ الهجوم الأخير، إلى إجراءات عقابية، ليس فقط لأن ترامب لن يقوم بمثل هذه الخطوة، بل أيضاً لأنه لم يبقَ أمامه في البيت الأبيض سوى شهر واحد قبل تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن. وبعكس صمت ترامب، تحدّث بايدن بقوة عن ضرورة ردع روسيا قائلاً: “علينا أن نعرقل ونردع خصومنا لمنعهم من شنّ هجمات الكترونية بالدرجة الأولى”. وتابع بايدن أن “على خصومنا أن يدركوا أنني كرئيس لن أقبل بهذه الهجمات الإكترونية ضد بلادنا”. كما شدد بايدن على أن “اتخاذ الإجراءات الدفاعية ضد مثل هذه الهجمات ليس كافياً، بل على الولايات المتحدة أن تقوم بإجراءات عقابية مضادة”.

صمت ترامب ورفضه اتخاذ اجراءات عقابية ضد روسيا، يعني أن هذه المشكلة الخطيرة مثلها مثل تحدي فيروس كورونا، وأسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي، وإضعاف علاقات أميركا الدولية مع حلفائها التقليديين، هي من بين المشاكل التي إما خلقها ترامب أو ساهم في تأزيمها، والتي تشكل تركة ثقيلة سوف يضطر الرئيس الجديد لحمل أعبائها لحظة انتهاء إدلائه لقسم اليمين بعد شهر. 

شاهد أيضاً

لا ترامب ولا بايدن… طهران تسعى لاستكمال مصالحتها مع الخليج والعودة إلى المفاوضات

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي الشرق اليوم- في الوقت الراهن، ليست المعادلة أيهما أفضل …