الرئيسية / مقالات رأي / Washington Post: أوروبا وكورونا.. مصارعة الموجة الثانية

Washington Post: أوروبا وكورونا.. مصارعة الموجة الثانية

By: Fernando Giuliano

الشرق اليوم– في النصف الأول من عام 2020، استجابت أوروبا اقتصادياً، بجرأة وسرعة، للركود الناتج عن جائحة «كوفيد-19». وبعد أن تسببت الموجة الثانية من الجائحة في بطء اقتصادي جديد، فقد صناع السياسة فيما يبدو بعضاً من سحرهم. والحكومات تسعى جاهدةً لمعالجة الأزمة الصحية بكفاءة في ظل التأرجح بين إبقاء الاقتصاديات مفتوحة وفرض قيود جديدة. ومن المقرر أن يعلن البنك المركزي الأوروبي جولة جديدة من التحفيز في منتصف ديسمبر، لكن لم يتضح مقدار ما قد يساهم به هذا في التعافي. والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بينها خلافات في الوقت الذي يحاول فيه التكتل إتمام ميزانية لعدة سنوات تتضمن صندوقاً مشتركاً للتعافي من الجائحة. صحيح أن التوصل إلى اتفاق هو النتيجة الأكثر ترجيحاً، لكن التأخير قد يضر باحتمالات التعافي الاقتصادي السريع.

ولحسن الحظ، فإن الركود الثاني لهذا العام أقل بروزاً فيما يبدو من التقلص الحاد الذي شهده الربيع الماضي. فقد احتفظ التصنيع بإيقاع معقول بفضل صمود التجارة العالمية بدعمٍ من الصين. وحتى في الخدمات، كانت قيود الإغلاق الجديدة أقل شدةً إلى حد كبير، وبالتالي أقل تدميراً. ومن المتوقع أن تشهد منطقة اليورو تقلصاً بنسبة 1.7% في الربع الذي ينتهي في ديسمبر وفقاً لتوقعات جمعتها بلومبيرج. وهذا التقلص أقل بكثير من ذاك الذي حدث في الربع الثاني من العام وبلغ 11.8%. لكن من الخطأ التعامل مع موجتي الركود هاتين باعتبارهما منفصلتين لأن تأثيرهما التراكمي مهم للغاية. فقد دفع سوء الأحوال خلال جولة القيود الأولى ملاك المطاعم والمتاجر إلى الإغلاق. لكن الإغلاق الثاني، رغم أنه أخف، إلا أنه أشد وطأة على عدة أنحاء وهو يُضاف إلى خسارة العائدات في النصف الأول من العام.

وصرحت كريستين لاجارد، رئيس البنك المركزي الأوروبي، هذا الشهر بأنه «إذا لم يعد الجمهور يرى في الجائحة حدثاً واحداً عابراً، فيمكننا أن نرى تغيرات أكثر استدامة في السلوك مقارنة بالموجة الأولى». وهذا قد يعني المزيد من الإفلاس والمزيد من العمال المحبطين ودمارا أكبر أطول أمدا للاقتصاد. ومنطقة اليورو على الأقل كانت لديها أسس أقوى للتكيف مع أحدث إغلاق. وفي الربيع، علقت المفوضية الأوروبية العمل بالقواعد المالية للتكتل، مما مهد الطريق لاستجابة قوية من جانب الحكومات. ودشن البنك المركزي الأوروبي صفقة كبيرة من مشتريات السندات أصبحت أكثر مرونة مع مرور الوقت. ولتعزيز الصفقة، وافق زعماء الاتحاد الأوروبي على برنامج من المنح والقروض تموله المفوضية من الاقتراض في الأسواق المالية. فقد تعلمت أوروبا فيما يبدو من دروس الاستجابة البطيئة على أزمة الديون في منطقة اليورو في العقد الماضي.

لكن أشباح الفشل تطارد أوروبا من جديد. وفي إسبانيا وفرنسا وإيطاليا ومناطق أخرى، فشلت الحكومات في الاستعداد بشكل ملائم للموجة الثانية من الفيروس، حيث انهارت أنظمة الرعاية الصحية وعمليات التعقب والتتبع تحت ثقل أعداد الإصابات. والحكومات تحرص كل الحرص على إبقاء الأنشطة الاقتصادية مفتوحة، لكن بقيامها بهذا فشلت في احتواء الأزمة الإنسانية أو الاقتصادية. والسياسيون يعدون لجولة جديدة من إعادة الفتح «لإنقاذ الكريسماس» (وإنقاذ بائعي التجزئة)، لكن المستشفيات كادت تصل لكامل استيعابها. وهناك احتمال وقوع موجة ثالثة في يناير قبل التوزيع المتوقع واسع النطاق للقاحات كوفيد-19.

ويقوم البنك المركزي الأوروبي بنصيبه في المهمة. فقد بلغت عائدات السندات مستويات منخفضة قياسية، وقد تصل ديون الحكومة لمدة عشر سنوات في إسبانيا والبرتغال قريباً إلى أقل من صفر. ولاجارد مستعدة لتعزيز برنامج البنك المركزي الأوروبي لشراء الأصول وقيمتها 1.35 تريليون يورر، ما يعادل 1.6 تريليون دولار. ولاجارد مستعدة أيضاً لتقديم المزيد من القروض السخية الرخيصة للبنوك لضمان استمرارها في الإقراض للاقتصاد الحقيقي. لكن هناك حدوداً لما تستطيع إنجازه. وهناك ترحيب بخفض كلفة التمويل للحكومات والأنشطة الاقتصادية والأسر، لكن هذا بحد ذاته لن يحفز الاستثمار ولا يضمن حسن إنفاق المال. وقيود السياسة النقدية أصبحت واضحة. وأكبر قصور سياسي يتعلق بصندوق «جيل الاتحاد الأوروبي التالي» الذي يمثل محاولة أوروبا في الاستجابة المالية للجائحة. وتهدد المجر وبولندا بالاعتراض على الميزانية لسنوات متعددة بسبب ربط المدفوعات بالالتزام بحكم القانون. وستتراجع وارسو وبولندا على الأرجح لأن الاعتراض قد يحرمهما من المساعدة المالية في وقت ضيق شديد. لكن هذه التوترات تكشف الصعوبات التي تكتنف تصعيد استجابة مالية مشتركة للاتحاد الأوروبي.

وعلى دول منطقة اليورو التفكير في وضع ميزانياتها بدلا من ذلك الحل، أملاً في الإفلات من نزوات الدول التي ليست أعضاء في منطقة العملة الموحدة. والتفاؤل قصير الأمد في الصيف، حين انحسر التفشي للمرة الأولى، أوهم أوروبا بأنها استطاعت السيطرة على الجائحة والصدمة الاقتصادية تماماً كما فعلت آسيا، وأنها أفضل حالاً من الولايات المتحدة. والموجة الثانية تُظهر أن هذا كان خطأ. ونهاية الأزمة الصحية وشيك فيما يبدو لكنها لم تصل بعد. لكن اللقاح لن يعالج الضرر طويل الأمد الذي لحق بالاقتصاد.

شاهد أيضاً

سوريا وروسيا.. الفرص الناشئة

بقلم: عبدالحميد توفيق- العينالشرق اليوم– تدرك موسكو أن سوريا تشكل أحد التحديات الاستراتيجية المهمة التي …