الرئيسية / مقالات رأي / لماذا تبني إسرائيل مستوطنات؟

لماذا تبني إسرائيل مستوطنات؟

بقلم: حسين عبد الحسين – الحرة

الشرق اليوم– أعلنت إسرائيل، الأسبوع الماضي، نيتها بناء 1257 وحدة سكنية في مستوطنة في ضواحي القدس الشرقية. في الرأي الفلسطيني السائد أن بناء إسرائيل مستوطنات، خارج حدودها المعترف بها دوليا، هو من قبيل العجرفة الإسرائيلية والنكاية، أو “الجكارة” بالعامية الفلسطينية، وأن إسرائيل تقوم ببناء هذه المستوطنات كعملية قضم أراض وفرض أمر واقع يجعل من المستحيل قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

أما وجهة النظر الإسرائيلية فتتراوح بين اليمين الاستيطاني والموقف الرسمي. الحركة الاستيطانية ترى أن الضفة الغربية هي مهد الحضارة الإسرائيلية —وهذا أمر صحيح تاريخيا— وعليه فان دولة إسرائيل هي من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط. 

أما الرأي الرسمي الإسرائيلي، فمفاده أن كل المستوطنات خارج حدود إسرائيل خاضعة للمفاوضات مع الفلسطينيين (والسوريين في الجولان)، وأن تاريخ الدولة يؤكد أنها تفي بوعودها، إذ سبق أن فككت إسرائيل مستوطنات في سيناء وقطاع غزة، وأخلت أكثر من 15 ألف مستوطن، بعضهم عنوة. 

على أن الحقيقة بين وجهات النظر المتعددة والمتضاربة ترتبط برؤية إسرائيلية استراتيجية لحل الدولتين، وهي رؤية ليست حول الأرض، بل حول الديموغرافيا السكانية. 

تسود بين الفلسطينيين والعرب ثلاث أفكار لتسوية النزاع الفلسطيني مع إسرائيل، منها الذي تتبناه النخبة التي كان في صفوفها الأكاديمي الراحل إدوارد سعيد، ترى أن الأرض صغيرة جدا ومتداخلة سكانيا لإقامة دولتين متجاورتين. 

لذا، تعتقد هذه النخبة أن الحل الأمثل هو دولة واحدة ثنائية القومية. مشكلة هذه الرؤية أنها مرفوضة من غالبية الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن ثنائية القومية تتطلب تقليص الهوية الثقافية للدولة (العلم والنشيد والأعياد الوطنية) إلى حدود أدنى من أن يقبل بها أي من الطرفين.

الحل الثاني هو الذي تتبناه المجموعات المتطرفة، خصوصا “الإسلام السياسي” مثل حماس، التي تدعو لمواصلة الحرب حتى القضاء على إسرائيل وترحيل اليهود إلى الدول التي وفدوا منها، أو وفد منها أجدادهم في القرن الماضي، ثم إقامة فلسطين من النهر إلى البحر، دولة إسلامية حسب حماس و”الجهاد الإسلامي”، أو اشتراكية عربية حسب “الجبهة الشعبية” والتنظيمات المشابهة.

الحل الثالث، وهو الأكثر شيوعا بين العرب وحول العالم، هو حل الدولتين، واحدة للعرب وواحدة لليهود. المشكلة هنا أن 21 في المئة من مواطني دولة اليهود القائمة حاليا، أي دولة إسرائيل، هم من العرب. نسبة عرب إسرائيل كانت تبلغ 14 في المئة في العام 1984، وهو ما يعني أنه في غضون 36 عاما، ارتفعت هذه النسبة بواقع سبعة في المئة. 

ونظرا للنمو السكاني العربي داخل إسرائيل، وهو الأكثر ارتفاعا، لن يمر وقت طويل قبل أن تصبح دولة إسرائيل الثنائية القومية أمرا واقعا، وهو ما يعني أن انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية، وقيام دولة فلسطين عربية بلا يهود، يؤدي إلى قيام دولة عربية خالصة، إلى جانب دولة نصفها عربي ونصفها يهودي. 

زيادة عرب إسرائيل السكانية أدت إلى فوزهم بأكبر الكتل في الكنيست، وحصولهم على منصب نائب رئيس الكنيست، ولو لم تنفصل كتلة “هناك مستقبل” عن “أزرق أبيض”، لكانت الكتلة العربية بقيادة أيمن عودة هي من تقود المعارضة في إسرائيل اليوم، بدلا من يائير لابيد، ولكان عودة يتلقى نفس التقارير الاستخباراتية التي يتلقاها رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو.

وعرب إسرائيل كتلة فلسطينية مستقلة عن “منظمة التحرير” أو “السلطة الفلسطينية”، وتظهر استطلاعات الرأي إصرارهم على البقاء مواطنين إسرائيليين، ورفضهم الانضمام لأي دولة فلسطينية مستقبلية.

هذه المعضلة دفعت نتانياهو مرارا إلى الطلب من رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عبّاس، بالاعتراف بيهودية إسرائيل، وهو ما رفضه عبّاس، وهو ما يجبر إسرائيل على السعي للحصول على ورقة ديموغرافية توازن التهديد الذي يمثله عرب إسرائيل على هويتها اليهودية. 

من رحم هذه المعضلة ولدت سياسة إسرائيل للاستيطان في الأراضي الفلسطينية كورقة تفاوض لقيام دولتين أحاديتي القومية: إسرائيل لليهود وفلسطين للعرب. حتى الآن، بلغ عدد المستوطنين في الضفة والقدس الشرقية حوالي 700 ألفا، فيما يبلغ عدد فلسطينيي الضفة والقدس وغزة قرابة خمسة ملايين، أي أن نسبة اليهود في الأراضي الفلسطينية يبلغ حوالي 15 في المئة، أي ستة في المئة أقل من نسبة العرب في الأراضي الإسرائيلية. هذا الفارق هو الدافع الأساسي أمام استمرار الاستيطان اليهودي. 

الاستيطان يعطي الإسرائيليين فرصة موازنة عرب إسرائيل ديموغرافيا. حتى لو قامت دولة فلسطين باعتراف دولي وبدون تسوية مع إسرائيل، سيعني ذلك أن نسبة وازنة من مواطني فلسطين سيكونون من اليهود، وستكون إسرائيل مستعدة لمبادلة سكانية، على غرار المبادلات السكانية التي حصلت عبر التاريخ، مثل بين تركيا واليونان. ويعتقد الإسرائيليون أن أضعف الإيمان يقضي بإقامة كونفدرالية يكون فيها يهود فلسطين في ائتلاف مع دولة إسرائيل، ويكون فيها فلسطينيو إسرائيل في ائتلاف مع دولة فلسطين.  

غالبية الفلسطينيين لم تتغلب على مرارة الهزائم — نكبة ونكسة وغيرها — وهذا مفهوم. لكن السلام والمستقبل الأفضل يتطلب طوي صفحة الماضي. هذه المرارة يبدو أنها تعرقل قبول الفلسطينيين حل الدولتين، واحدة لهم وواحدة لليهود، وتدفعهم للتمسك بسياسة “خذ وطالب”، أي تحصيل ما يمكنهم تحصيله من الإسرائيليين، بدون “انهاء صراع”، على اعتبار أن الوقت والديموغرافيا تعني مستقبلا فيه غالبية فلسطينية تحكم كل الأرض، من النهر إلى البحر. 

منذ بدء مفاوضات “الأرض مقابل السلام” في العام 1993، شهدت ولاية كل رئيس أميركي مبادرة سلام. حتى الرئيس السابق، باراك أوباما، المحسوب في مصاف “الأقل حماسة” لإسرائيل، قدم للفلسطينيين أقصى تسوية ممكنة لصالحهم، ورفضها عباس. 

لكن عندما يبدي الفلسطينيون حرصا على بقاء إسرائيل دولة ذات قومية يهودية خالصة، وقتذاك قد يبادلهم الإسرائيليون الود ويعملون على قيام دولة فلسطين العربية، بما في ذلك إنهاء الحركة الاستيطانية بالكامل.

شاهد أيضاً

مسعى ميلوني الأخير في تونس

بقلم: أحمد نظيف- النهار العربيالشرق اليوم– قبل حضورها اجتماع المجلس الأوروبي الأربعاء المقبل في بروكسل، …