بقلم: عبد المنعم سعيد – المصري اليوم
الشرق اليوم- لم يعد غريبًا أن نشهد فى الولايات المتحدة ما لم يكن متوقَّعًا من قبل، لأن أمرًا ما سوف يتدخل لكى يجعل غير المعقول معقولًا أو ببساطة حقيقة. كلنا نعرف أن الرئيس ترامب ربما لن يخرج خروجًا سلميًا من البيت الأبيض، وقال لنا مايكل كوهين، محاميه الخاص لأكثر من عشر سنوات، فى «مذكرات خائن»، إنه لن يخرج هادئًا من البيت الأبيض، وأضاف لنا كاتب الشؤون الخارجية فى صحيفة «نيويورك تايمز»، «توماس فريدمان»، أنه يخشى، وقد غطى الحرب الأهلية اللبنانية شابًا، أنه ربما يغطى الحرب الأهلية الأمريكية فى شيخوخته. «كيم غطاس» سارت على نفس الأنغام حينما كتبت فى صحيفة «أتلانتيك»: «مستقبل أمريكا قد يكون لبنان». على أى الأحوال فلا داعى للتعجل، والحكم على أشياء ربما تكون مختلطة فى أعيننا أن موقف ترامب، على عكس كل ما نراه من احتفال بانتصار بايدن، يدل على أن فى الأمر خللًا ما غير منظور، وأنه بالفعل قادر على إيقاف عجلة بايدن ووصوله إلى البيت الأبيض لممارسة سلطاته. المسألة تبدو كحكاية نوع من الأساطير، فربما يكون مصير الدولة الأمريكية كلها يتوقف على ما تفعله السيدة «إيميلى دبليو ميرفى»، العاملة فى مكتب الخدمات العامة فى البيت الأبيض التى عيّنها ترامب، ووظيفتها هى القيام بمهمة تسمى «التحقق»، وهذه هى أقرب كلمة عربية للمسمى باللغة الإنجليزية، وهى Ascertainment، وهى كلمة لم تُقدَّر لى معرفتها من قبل لأنها فى الواقع تعنى التحقق من أن الرئيس بايدن قد نجح فى الانتخابات الأمريكية. القصة بعد ذلك انتقالًا من هذه السيدة سوف تصيب البيروقراطية المصرية بقدر كبير من الغيظ نتيجة التفوق الأمريكى فى جعل قضية بسيطة مسألة مستحيلة، وهى التى تمثل احتكارًا مصريًا تاريخيًا فى تعقيد الأمور غير المعقدة.
تعالوا نأخذ المسألة خطوة بعد خطوة. السيدة لابد لها من التحقق بفوز بايدن، ولن تفعل ذلك لأن هذا الأخير لابد له من الحصول على شهادة من الولايات التى نجح فيها بأنه قد نجح، فإذا ما حصلت عليها، وتأكدت، فإنها تبدأ فى سلسلة من إجراءات انتقال السلطة، بما فيها توفير اعتمادات تساوى ملايين الدولارات لكى يستخدمها فريق عمل الرئيس المنتخب عند التواصل مع الرئيس الذى خسر الانتخابات. تاريخيًا فإن المسألة كانت سهلة، فبعد الإعلان الإعلامى عن النتيجة فإن هذه الإجراءات تجرى فورًا. هذه المرة لم يحدث ذلك لأن المدعى العام الأمريكى- وهو المقابل الموضوعى لوزير العدل فى دول أخرى- «ويليام بار» (الجمهورى الذى عيّنه ترامب) أصدر أوامره الفيدرالية للمدعين العموميين فى الولايات المختلفة بعدم منح شهادة نجاح مادامت هناك اعتراضات قانونية على النتيجة. لم يعد مهمًا ما جرت عليه التقاليد، وهى أنه مادام الفائز فى الانتخابات قد حقق فوزًا بقدر أكبر من الأصوات التى يشكلها الاحتجاج أو البلاغ، فإن ذلك لا يغير من النتيجة فى شىء. ولكن الشهادات الرسمية أصبحت مُعطَّلة بفعل التدخل القانونى، الذى لا يمكن رفعه إلا من خلال زوال السبب، أى حكم المحكمة بأن المخالفات المزعومة قد انتهى أمرها، أو ربما- كما يقال- أن فى الأمور أمورًا، ولذا تُرفع إلى المحكمة الدستورية العليا لكى تحكم فى أمرها.
«ترامب» لم يفعل خلال الأيام الماضية منذ ظهور النتائج الانتخابية أكثر من لعب الجولف وإطلاق التغريدات المصممة على أن الانتخابات زائفة، وجرت فيها سرقة النتيجة، والتأكيد على أنه هو الرجل الذى تسبب فى إنتاج أول لقاح لمواجهة كورونا، وهى الأمور الموجهة إلى جمهور بدأ فى النزول إلى الشارع متظاهرًا أمام المحاكم التى يجرى فيها الحكم فى النزاع الانتخابى. وللتأكيد على أنه لايزال رئيس الدولة فإنه حقق انتقامه من وزير دفاعه «مارك إسبر»، الذى رفض نزول الجيش الأمريكى لقمع المظاهرات فى «الربيع الأمريكى»، الذى تلا مقتل الشهيد «جورج فلويد»، الأمريكى من أصول إفريقية، والذى يقوم أنصاره من جماعة «حياة السود مهمة» بالتظاهر المضاد. أعضاء الحزب الجمهورى فى الكونجرس ذهبت أغلبيتهم مع ترامب متمسكين بضرورة فحص بطاقات التصويت «المشروعة»، والتى اختلف التقدير حول شرعيتها. الأقلية، ومنهم الرئيس جورج بوش الابن، ذهبوا إلى تهنئة بايدن. هل نحن على أعتاب فتنة أمريكية كبرى، أم أنها زوبعة فى فنجان، وفى 14 ديسمبر المقبل سوف يجتمع المجمع الانتخابى ويصبح بايدن رئيسًا رسميًا، وتقوم السيدة «ميرفى» بالقيام بما يجب عليها القيام به، أم أن ترامب سوف يبدأ مواجهة سياسية للدخول فى انتخابات 2024 مبكرًا للغاية؟