الرئيسية / مقالات رأي / قوة الرئيس شي جين بينغ تمثّل نقطة ضعف الصين

قوة الرئيس شي جين بينغ تمثّل نقطة ضعف الصين

بقلم: ريتشارد ماكغريغور

الشرق اليوم– اكتسب الرئيس شي جين بينغ جحافل من النقاد الأقوياء في الصين منذ أن تولى منصبه في أوائل عام 2013؛ منهم المسؤولون الأقوياء الذين سقطوا بسبب حملته الشاملة لمكافحة الفساد؛ وهناك اقتصاديون يقاومون قدرته الفطرية على فرض سيطرة الدولة؛ ومنهم الأكاديميون الذين اعترضوا على إجراءاته الاستبدادية، مثل قراره بإلغاء حدود الفترة الرئاسية.

ومع ذلك، يشير الاجتماع الأخير للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني الذي عُقد في أواخر أكتوبر، إلى أن الرئيس بات أقوى من أي وقت مضى. فعلى عكس أي زعيم صيني جاء منذ تولي الحزب الشيوعي الصيني السلطة في عام 1949، ليس لدى شي جين بينغ منافسون محددون ولا خلفاء محتملون.

التزم بعض منتقدي السيد شي الصمت، وانضم آخرون إلى برنامجه إما على مضض أو بعد تغيير فكري كبير. أما أولئك الذين تجرأوا على انتقاده، فعوقبوا.

وكان وصول شي إلى السلطة أمراً استثنائياً من العديد من النواحي، لا سيما بالنظر إلى تفشي فيروس كورونا المستجد في ووهان في بداية العام، ومن ثم انتشاره في أماكن أخرى في الصين وبقية أنحاء العالم.

كان من شأن تفشي المرض أن يصبح “تشيرنوبيل الصين” بحسب بعض عناوين الصحف وتصريحات السياسيين الأمريكيين في ذلك الوقت، فيُحدث انهياراً اجتماعياً وسياسياً من شأنه أن يفضح إفلاس النظام ويقوّض مكانة الرئيس شي لدى الحزب والشعب بصورة تقضي عليه.

وبعد مضي عشرة شهور، يبدو أن الرئيس شي يحقق ما يريده على جميع الجبهات تقريباً. حيث عقد الحزب الشيوعي الصيني مؤخراً جلسته شبه المنتظمة للجنة المركزية، وهي الهيئة المكونة من 370 عضواً التي توافق رسمياً على القرارات المهمة، مثل الخطط الاقتصادية الخمسية للبلاد أو اختيار كبار القادة.

وعادة ما كان مراقبو التجمع في السنوات الماضية يحاولون اكتشاف المعنى الخفي لتحركات الموظفين رفيعي المستوى، أو أي علامات على ديناميكيات تغيّر القوة بين الفصائل المتصارعة، مثل رابطة الشباب الشيوعي الصيني أو ما يسمى بعصابة شنغهاي.

لكن المنتقدين لم يملكوا أبداً ما يكفي من الأدلة القوية للاستمرار. فالعادات الشيوعية لا يمكن إبطالها بسهولة: حيث يُحبس المندوبون في مكان التجمع لعدة أيام، وتُستبعد جميع وسائل الإعلام من الحدث. إلا أنه ومنذ سنوات، كانت هناك على الأقل علامات واضحة للتنافس والصراع بين العشائر السياسية التي لها صلات بزعماء سابقين وغيرهم من أصحاب الخلفيات الثورية.

ولكن في هذا العام، لم يكلف أحد نفسه عناء مراقبة صراع رابطة الشباب ضد عصابة شنغهاي. وكلما طال بقاء الرئيس شي في منصبه، قلَّت أهمية الفصائل والعشائر القديمة. إذ أن سلفه، الرئيس السابق هو جينتاو (الزعيم السابق لرابطة الشباب)، بالكاد شوهد خارج المناسبات الاحتفالية منذ أن سلم جميع مناصبه إلى الرئيس شي في أواخر عام 2012.

أما سلف السيد هو، جيانغ زيمين (الرئيس الفخري لعصابة شنغهاي)، الذي احتفظ بنفوذه في تعيينات القيادات العليا والجيش خلال فترة الرئيس هو، فأصبح الآن في الرابعة والتسعين من العمر، وقد التزم هو ومعاونوه مكانهم قبل التهديد بإجراء تحقيقات مكافحة الفساد في حال فكّر أيّ منهم بالاعتراض. والآن، تعززت سلطة الرئيس شي أيضاً بفعل جائحة فيروس كورونا.

وبعد التستر على تفشي المرض في ووهان في البداية، نشرت الحكومة الصينية الأدوات الاستبدادية المتاحة لديها بصورة في غاية الفعالية. وبما أنه لم يُثقلها الجدل الفوضوي الذي أعاق بعض الديمقراطيات، أغلقت الصين حدود المقاطعات على الفور، وأوقفت السفر الداخلي، وأغلقت الشركات، وحبست ملايين المواطنين في منازلهم، ويرجع الفضل جزئياً في تنفيذ هذه الإجراءات بحزم إلى قدرة الدولة على المراقبة.

وسرعان ما تحوّلت الأزمة التي كانت تبدو وكأنها انهياراً منهجياً إلى معركة للإرادة الوطنية والشعور القومي، من خلال الالتفاف حول الحزب أكثر من كونها التفافاً حول راية الوطن.

وقد وصف رين تشي تشيانغ، قطب العقارات المعروف باسم “بيغ كانون” رين، الرئيس شي بأنه “مهرج” في المراحل المبكرة والصعبة من تفشي فيروس كورونا. إذ أن علاقات رين الممتازة في الحزب قد وفرت له في السابق الحماية على صراحته، لكن ذلك لم يحدث هذه المرة. حيث جرى التحقيق معه بتهم الفساد، وطُرد من الحزب الشيوعي الصيني، وحُكم عليه في سبتمبر بالسجن 18 عاماً.

وبحلول ذلك الوقت، حقق الرئيس شي والحزب مكاسب دعائية كبيرة، فسرعان ما رأى الشعب كيف توقف تفشي الفيروس إلى حد كبير في الصين، بينما كانت الفوضى تتكشف مرة أخرى في الولايات المتحدة والعديد من الدول الديمقراطية الأوروبية، حيث كانت الإصابات الجديدة على وشك إجبار بعض هذه البلدان على العودة إلى الإغلاق. كما نما الاقتصاد الصيني بنسبة 4.9 في المئة في الربع الثالث من عام 2020، ويتوقع بعض الاقتصاديين أنه ربما يعود قريباً إلى معدلات النمو التي كانت سائدة في فترة ما قبل الجائحة.

وقد أدى تصعيد المواجهة بين الصين وإدارة ترامب دوراً في هذه الرواية، فسمح للرئيس شي بتصوير تغيير السياسات على أنها تدابير ضرورية في صراع وجودي ضد عدو عنيد عاقد العزم على تدمير الصين.

وكانت وسائل الإعلام الحكومية في الصين فيّاضة بالمشاعر في ختام الاجتماع الأخير، حيث أشادت بقادة البلاد “لضخهم اليقين في عالم مضطرب”.

ونصّ البيان الرسمي الذي صدر بعد الاجتماع على أنه يجب على الصين “تعزيز التدريب والجاهزية بصورة شاملة” في الجيش. وهو تحذير جدير بالملاحظة، لأن البيانات التي تصدر بعد الاجتماع نادراً ما تذكر الجاهزية للحرب.

كما يضاعف الرئيس شي جهوده لجعل الصين تعتمد على نفسها في التقنيات الرئيسية. ففي خطاب نُشر مؤخراً في مجلة الحزب، دعا الرئيس شي الصين إلى ابتكار “تقنيات متفوقة” وحماية نفسها من الانقطاعات المحتملة للإمدادات الأجنبية.

ولا تحاول الصين فك لارتباط بقدر ما تريد التخلّص من “الأمركة”. ورغم أن سياسات إدارة ترامب سرعت هذا التحول، إلا أن انتخاب جو بايدن ليكون الرئيس المقبل للولايات المتحدة سيجعل من غير المرجح أن تتغير الأمور بصورة جذرية في المستقبل القريب.

وقد منحت الحرب التجارية مع أمريكا الزخم لسياسة الرئيس شي الاقتصادية المحلية، والتي تُعد تحقيقاً للتوازن بين تعزيز قطاع الدولة مع تشجيع الفوائد التي أوجدتها الشركات الخاصة النشطة.

وبعض كبار المستشارين الاقتصاديين للرئيس شي (مثل نائب رئيس الوزراء ليو هي؛ ويي جانغ، محافظ بنك الشعب الصيني؛ وغو شو تشينغ، رئيس لجنة تنظيم البنوك والتأمين الصينية) على ارتباط وثيق مع الفصائل المؤيدة للسوق في صنع السياسة الاقتصادية. لكن يبدو أن الرئيس شي يحثّ الحكومة والقطاع الخاص على التعاون في اقتصاد هجين مُصمم لخدمة مصالح الحزب أولاً وقبل كل شيء.

ورغم السماح للشركات الخاصة بالنمو والازدهار، إلا أنها تواجه طلبات متزايدة من الدولة. إذ لا يطالب الحزب الشيوعي الصيني بتشكيل لجان من أعضاء الحزب داخل الشركات الخاصة فحسب، بل من المتوقع أيضاً الآن أن يكون لهذه اللجان رأي في الجوانب الرئيسية للأعمال.

وبهذه الطريقة وغيرها، رسّخ الاجتماع الركائز الأيديولوجية لحكم الرئيس شي، المُبينة بشكل ملحوظ في “فكر شي جين بينغ” المنتشر الآن، وهو برنامج الرئيس لتعزيز الحزب والبلاد، بالإضافة إلى سلطته على الحكم. ويساعد هذا التأكيد على المبادئ المتشددة أيضاً في تهدئة قلق الجمهور المحافظ داخل الحزب الشيوعي الصيني  -أو باللغة السياسية الصينية “اليسار”- الذي داوم على انتقاد التجاوزات الرأسمالية في الصين.

وكان دينغ شياو بينغ، الزعيم الأعلى للصين من سبعينيات حتى أواخر ثمانينيات القرن العشرين، قد قال إن الصين يجب أن تصبح دولة متقدمة بحلول عام 2050. وقد بدأ الآن تقريب هذا الموعد، إذ أصبح الهدف الجديد لاستكمال “التحديث الاشتراكي” للصين -رمز بناء الدولة الغنية والقوية على قدم المساواة مع الولايات المتحدة- المحدد في الاجتماع الأخير هو عام 2035.

وسيكون الرئيس شي في الـ 82 من العمر حينها، لكن من الممكن أن يكون لا يزال في منصبه، أو على الأقل في السلطة خلف الكواليس.

ووفقاً للأعراف السياسة الصينية، كان ينبغي على الرئيس شي تسمية خليفته والاستعداد للتنحي في مؤتمر الحزب القادم المقرر عقده في أواخر عام 2022، إلا أنه لم يفعل ذلك، بل ألغى القيود الرسمية على توليه المنصب، مثل حدود الفترة الرئاسية.

وهنا تكمن مفارقة حكم الرئيس شي: بعد أن رسخ قيادته للحزب مع عدم وجود منافسين واضحين ولا خطة معروفة للخلافة، فإنه يمهد الطريق أيضاً لحدوث أزمة قيادة في المستقبل. وبالتالي فإن تعاظم قوة الرئيس شي هي أيضاً أكبر نقاط ضعفه.

المصدر: نيويورك تايمز

شاهد أيضاً

جامعات أميركا… حقائق وأبعاد

بقلم: إياد أبو شقرا- الشرق الأوسطالشرق اليوم– «الانتفاضة» التي شهدها ويشهدها عدد من الحُرم الجامعية …