الرئيسية / مقالات رأي / الصراع التركي مع مواقع التواصل

الصراع التركي مع مواقع التواصل

بقلم: مهند حبيب السماوي– صحيفة إيلاف

الشرق اليوم- بإعلان تركيا رسميا انها فرضت غرامة على شركات عالمية مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب، فإنها قد بدأت بتنفيذ قانونها الجديد حول مواقع التواصل، والذي صوّت له برلمانها الاربعاء 29 تموز 2020، حيث ان الغرامة جاءت اتساقا مع مقتضيات هذا القانون الذي نص على معاقبة الشركات المخالفة لبنوده.

علاقة تركيا المتشنجة بمواقع التواصل والمنصات ليست بجديدة، فهي قد حظرت فيسبوك وتويتر و ويكيبيديا في السنوات الماضية، لكن شكل علاقتها بمواقع التواصل قد اخذ منحى جديد هذا العام حينما طرح بعض النواب في البرلمان، في الشهر الرابع، قانونا حول مواقع التواصل ثم مالبث ان تأجل بعد ظهور اصوات معارضة له.

وبعد ثلاثة أشهر من تأجيله تم اعادة طرحه ومناقشته بعد ان قدمه الرئيس اردوغان كمشروع قانون نتيجة ماتعرضت له عائلته من ” استهزاء وتنمر ” بحسب بعض المحللين، وعلى نحو ادى لمهاجمة اردوغان لمواقع التواصل بشكل عنيف ووصفها بأنها ” فساد ومصدر للأكاذيب والافتراء والهجمات على الحقوق الشخصية “.

وهكذا … وفي نهاية شهر تموز قام البرلمان بتمرير القانون بعد تصويت نواب حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية على مضامينه، حيث اعتبر المشرعون المؤيدون للقانون انه سينظم مواقع عمل مواقع التواصل الاجتماعي الكبرى، في مقابل رأي معارض وجد ان القانون يهدف في حقيقته للسيطرة على هذه المواقع وكبح جماح الأصوات الرافضة لسياسة اردوغان.

القرار البرلماني التركي يتعلق، حصريا، بمواقع التواصل الاجتماعي التي يزورها يوميا اكثر من مليون شخص من داخل تركيا، وهو يتضمن ثلاث نقاط أساسية يجب على مواقع التواصل القيام بها:

الأولى: تعيين ممثل رسمي لها في تركيا للتفاهم بصورة مباشرة مع السلطات حول عمل المنصات والمنشورات.

الثانية: الامتثال والانصياع لأوامر المحاكم التركية المتعلقة بإزالة المحتوى الذي يعتبره المسؤولون غير قانوني.

الثالث: تخزين بيانات المستخدمين الأتراك على خوادم محلية في البلاد، مما يجعل من السهولة لممثلي الادعاء والسلطات الأمنية الأخرى الوصول إليها والحصول عليها.

مخرجات هذا التشريع يتطلب تفاعل من جانب الشركات، اذ عليها الرد في غضون 48 ساعة على الشكاوى و24 ساعة على القرارات القانونية، وقد حدد القرار الاول من تشرين الاول الماضي كموعد لبدء تطبيقه، وقد أعلنت الحكومة الغرامات، نظريا على الاقل، في الرابع من شهر تشرين الثاني الحالي بعد تجاهل جميع الشركات للتشريع الا منصة فكونتاكتي الروسية التي وافقت على تعيين ممثل لها في تركيا بحسب مانقلت وسائل اعلام مختلفة عن يمان أكدنيز الأستاذ في الحقوق في جامعة بيلجي في إسطنبول .

ولن تكتفي الحكومة بهذه العقوبات، بل حذرت من إجراءات أخرى كزيادة الغرامة او وقف الإعلانات بالإضافة الى خفض او تقليص النطاق الترددي بنسبة كبيرة قد تصل ل 90%، مما يمنع او يعطل الوصول إلى مواقع التواصل التابعة لها وبذلك ستخسر هذه المواقع الاف ان لم نقل ملايين المستخدمين في تركيا.

من غير ادنى شك ان القانون الذي تم تشريعه والغرامة التي تم الاعلان عنها لن يمر دون رد فعل سواء على المستوى الدولي او المحلي حيث الصراع على اوجه بين حزب اردوغان واحزاب المعارضة، الذين وجدوا ان القانون سيصادر ما تبقى من الحريات بل سيقيّد حقوق وحريات الأفراد، فضلا عن حرية الفكر والتعبير! وفي المستوى الدولي، فقد ادانت منظمة العفو الدولية إقرار هذا القانون وأكدت انه بموجب هذا القانون سيكون مستخدمو مواقع التواصل في تركيا عرضة للاحتجاز والاعتقال من جانب السلطات الامنية، كما حذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تركيا، بان هذا القانون سيزيد الرقابة على الانترنيت.

وبعيدا عن كل الاحكام التي تصدر حول هذه القضية والتي يرتبط بعض منها بالموقف السياسي من تركيا، وبغض النظر عن الآراء الشخصية المتعلقة بوجهات نظر الرئيس اردوغان، فان تجاهل الشركات التي تدير مواقع التواصل الاجتماعي والاكتفاء بمشاهدة ما تقوم به في البلدان هو امر غير صحيح، بل غير مفهوم و لا ينبغي ان يستمر خصوصا ان هنالك ملايين المستخدمين لهذه المواقع في البلدان” منها 54 مليون في تركيا ” قد يتأثرون بما يحدث وما يُنشر وما يتم تسويقه على هذه المنصات.

انتقاد بعض الاخبار الكاذبة والتحريضية على مواقع التواصل الاجتماعي والشركات الكبرى التي تديرها وصل الى مديات كبيرة في الاشهر الماضية خصوصا بعد سيل الاخبار الكاذبة التي تجتاح هذه المنصات والتي تترتب عليها نتائج سلبية على كافة الاصعدة، ولعل ما وجدناه في مقالة الامير هاري الاخيرة نموذج على هذا النقد الواضح ، حيث ساند، في مقالته حملة مقاطعة الفيسيوك ودعا لمزيد من الرقابة حول المنصات التي ينتشر فيها التضليل.

المنصات، لكل اسف، اضحت مصدرا اساسيا للأخبار المزيّفة والتضليل والخداع، بل إن المعلومات الخطأ تنتشر على نحو أسرع من الحقائق عبر مواقع التواصل الاجتماعي كما قال ذلك بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت في مقابلة اجريت له مؤخرا مع شبكة “سي إن بي سي” الإخبارية، ولذلك ليس من المفاجئ ان تقوم دولة بإصدار تشريع من اجل تنظيم التعامل مع هذه الشركات التي تجني المليارات في كل دولة سواء اختلفنا مع سياسة هذه الدولة او اتفقنا.

السياق الحالي المتبع في التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي والشركات الكبرى التي تديرها لايخرج في كل العالم عن ثلاث مسارات أساسية:

المسار الأول: النموذج الغربي الذي يتعامل بطريقة إيجاد تشريعات وقوانين في التعامل معها، مثل لائحة حماية البيانات العامة للاتحاد الأوربي GDPR والتي دخلت حيز التنفيذ في 25 مايو 2018 حيث تعزز هذه اللائحة حقوق المستخدمين ” الاوربيين بالطبع ” وتفرض عقوبات على المخالف تصل إلى 4٪ من الأرباح السنوية أو 20 مليون يورو، بحيث طلبت الشركات، قبل البدء بتنفيذه، فترة زمنية لتكييف أوضاعهم معها … وتستطيع ان تعرف قيمة هذه اللائحة من خلال ما قاله عنها المدير التنفيذي لشركة فيسبوك مارك زوكيربيرج حيث وصفها بانها تضيف بعض الضوابط الجديدة التي نحتاج للالتزام بها !

المسار الثاني: النموذج الصيني المبني على أساس اغلاق مواقع التواصل وتقييد بعضها، حيث تشير التقارير الي ان غالبية مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل محجوبة في الصين، ولديها بدلا عن ذلك بدائل محلية يتعامل معها ملايين الصينيين، فبدلا عن محرك البحث غوغل يوجد ” بايدو “، وتستطيع ان تستخدم تطبيق”وي شات” بدلا من الواتساب والفايبر وتطبيقات التراسل الفوري الأخرى، واما بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي فمن الممكن ان تستخدم موقع “ويبو” وتتخلى عن تويتر و فيسبوك .

المسار الثالث : نموذج الدول ” الصامتة ” التي لم تقم بحجب مواقع التواصل الاجتماعي ولا قامت بتشريع قوانين للتعامل معها او فتحت قنوات اتصال رسمية لمناقشة التعاون بينها، ولذا يعيش الرأي العام فيها تحت رحمة منشورات هذه المواقع .

وبغض النظر عن الحكم على القرار التركي من هذه المواقع، وعلاقته بنظامها السياسي وتحفظات او رفض الاخرين لسياساتها في المنطقة فانه من المنطقي ان نطرح الأسئلة التالية بكل هدوء :

كيف تقبل الدول هذا التعامل الي يوصف بانه ” نرجسي ” من جانب هذه المنصات معها؟

وهل من الممكن عدم وجود ممثل لهذه الشركات في دول فيها ملايين المستخدمين ؟

ماذا تفعل الدول التي يهتز امنها الداخلي واستقرارها المجتمعي بسبب المنشورات الكاذبة او التحريضية على المنصات؟

وهل من المعقول ان لا تستطيع الدول معاقبة هذه الشركات على الأخطاء التي ترتكبها ؟

كيف يمكن ترك شركة تجني ملايين الدولارات من الاعلانات في دولة ما ! ولا تستطيع هذه الدولة ان تفرض او تستحصل مقدار معين من المبلغ وفقا لسياقات قانونية رصينة ؟

من وجهة نظري الشخصية ان احدى اهم مشكلات تركيا في معالجتها لملف مواقع التواصل يكمن بانها لا تستطيع ان تشكل قوة ضاغطة ضد مواقع التواصل الاجتماعي تفرض، استنادا لها، على الشركات قوانينها وتجعلها تحتكم للوائحها كما قامت بذلك دول اوروبا التي شكلت ” بمجموعها” سلطة ضاغطة ممثلة بالاتحاد الاوربي تمكنت ان تجعل لتأثيرها بُعد دولي ومستوى عالمي، يُرضخ مواقع التواصل بكل سهولة وهذا ما يفتقر له القرار التركي الفردي.

شاهد أيضاً

إيران وإسرائيل… الحرب والحديث المرجّم

بقلم عبد الله العتيبي – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم- ضعف أميركا – سياسياً لا …