الرئيسية / مقالات رأي / انتخابات الولايات المتحدة العالمية

انتخابات الولايات المتحدة العالمية

بقلم: داود الفرحان

الشرق اليوم- شئنا أم أبينا، فإن الانتخابات الرئاسية الأمريكية فرضت نفسها طوال الأيام الماضية على كل البيوت ونشرات الأخبار التلفزيونية؛ ليس على ألسنة المذيعين والمذيعات وضيوفهم في مختلف القنوات والجنسيات إلا ترامب وبايدن.

لقد تحول سكان هذه الأرض المعمورة إلى أعضاء في الحزب الجمهوري الأمريكي أو الحزب الديمقراطي الأمريكي. وربما حلم بعضنا أن يكون «سيناتوراً» في مجلس الشيوخ الأمريكي، لا يقرر مصير الولايات المتحدة فقط، وإنما مصائر دول العالم الأخرى أيضاً. وتتكون الولايات المتحدة من 50 ولاية، يتم تمثيل كل منها في مجلس الشيوخ بعدد سيناتورين اثنين، فيصبح المجلس من مائة عضو. وهذا المجلس أعلى مستوى من مجلس النواب، وللأعضاء سلطات واسعة تشمل وضع السياسة الخارجية للدولة، والاتفاقيات الدولية، وإعلان الحرب، وسن القوانين، بالإضافة إلى إلزامية حصول الدرجات العليا للوظائف الحكومية على موافقتهم، سواء كانوا وزراء أو سفراء أو مرشحين لمنصب رئيس الجمهورية. وأكثر من ذلك أن 16 رئيساً لجمهورية الولايات المتحدة كانوا أعضاء في مجلس الشيوخ، ويحملون صفة «سيناتور»، من بينهم فرانكلين (1853 – 1857) وترومان (1945 – 1953) وجون كيندي (1961 – 1963)، ولم يكمل فترة رئاسته بسبب اغتياله وحل محله نائبه ليندون جونسون (1963 – 1969) ونيكسون (1969 – 1974)، وأرغم على الاستقالة في ولايته الثانية بسبب فضيحة «ووترغيت»، وباراك أوباما (2009 – 2017). ولا ننسى أن جو بايدن نفسه كان سيناتوراً في الفترة من (1973 – 2009)، أي لمدة 36 سنة كاملة قبل أن يصبح نائباً للرئيس الأسبق أوباما، فهو سياسي محترف عريق، بينما الرئيس دونالد ترامب كان رجل أعمال ولم يدخل عالم السياسة إلا بعد انتخابه عام 2016.

طبعاً لا ينص الدستور الأمريكي على أن يكون رئيس الجمهورية عضواً في مجلس الشيوخ أو مجلس النواب، لكنه ينص على أنه لا يحق لأحد أن يتولى منصب رئيس الجمهورية ما لم يكن مواطناً مولوداً في الولايات المتحدة، ويبلغ من العمر 35 عاماً على الأقل، ومقيماً فيها لما لا يقل عن 14 عاماً.

كما في عنوان هذا المقال، لم تكن الانتخابات الرئاسية الأمريكية شأناً أمريكياً داخلياً. كانت انتخابات عالمية. والرئاسة الأمريكية تعني في ظل «القطب الأوحد» شأناً عالمياً يستحق أن نضع أعمالنا جانباً، ونتفرغ لمتابعة الانتخابات والأرقام والتصريحات والتحليلات في التلفزيون. تصوروا أن المشاهد الأمريكي يتابع على الهواء مباشرة هذه الوقائع، في الوقت نفسه الذي يتابعها فيه المشاهد الصيني والياباني والهندي والروسي والعربي والإيراني والإندونيسي والأوروبي والأسترالي، حتى ركاب الطائرات والبواخر والقطارات، وربما رواد الفضاء في مركباتهم المحلقة بين النجوم والغيوم.

وخلال هذه المعركة الانتخابية المرهقة لكلا المرشحين، وللمصوتين لهما، ولمذيعي القنوات الفضائية ومشاهديها، لم نسمع الاتهامات التي سبق أن أطلقها الرئيس المنتهية ولايته ترمب في معركته الرئاسية السابقة أمام هيلاري كلينتون عن تدخل روسي مزعوم وآخر صيني في الانتخابات التي خسرت فيها هيلاري الانتخابات. لكن ترمب، رجل الأعمال والمال، لم يتعود أن يخسر معاركه بسهولة؛ فهو هدد في هذه الانتخابات باللجوء إلى القضاء لكشف ما وصفه بالتزوير وإعادة الأصوات «المسروقة» منه وقدرها نصف مليون صوت، واستمر في تهديداته حتى اللحظات الأخيرة، وربما سيستمر هو وفريقه الانتخابي في تكرار الحديث عن التزوير وعدم قانونية التصويت البريدي.

لقد انتهى الصيف وأحلامه، وانتهى معه حلم الرئيس الخامس والأربعين بولاية ثانية، وانضم إلى قائمة تضم 10 رؤساء سابقين للبيت الأبيض 5 منهم يمثلون الحزب الجمهوري، بينهم الرئيس جورج بوش الأب، الذي فشل أمام المرشح بيل كلينتون.

أردت أن أقول في عنوان هذا المقال أن الانتخابات الأمريكية ليست مثل الانتخابات العراقية أو اللبنانية، لا يتفرج عليها ولا يتابعها إلا من رشح نفسه فيها. فبعد زوال الاتحاد السوفياتي انفردت الولايات المتحدة بالملعب الدولي؛ فهي موجودة في الهجوم والدفاع، وتجلس مع المتفرجين على المدرجات، وتطلق الصافرة متى تشاء. كل العالم صار ديكورات في مدن والت ديزني، ورعب ألفريد هيتشكوك، وعمليات جيمس بوند، وعباءة سوبرمان، وبطش العراب فيتو كورليوني، وطريقة مشي شارلي شابلن.

لذلك كله فإن الانتخابات الرئاسية الأمريكية لم تعد أمريكية فحسب، بل صارت عالمية تابعناها في الصحف والإذاعات والفضائيات والنوادي والمطاعم والمقاهي والشوارع والأسواق ومستشفيات «كورونا»، وهو الفيروس الذي أطاح بأحلام ترمب.

في يناير (كانون الثاني) المقبل يدخل بايدن البيت الأبيض، بينما يسلمه ترامب مفتاح الباب الخارجي وحقيبة الشفرة النووية. وكما حدث في الانتخابات، فإن مراسم التسليم والتسلم ستعرضها كل تلفزيونات العالم في اللحظة نفسها. ولا يحمل بايدن معه عصا سحرية لإصلاح الوضع الأمريكي.

لا نعلم ماذا يفعل بايدن تجاه معاناة ملايين المهاجرين واللاجئين من مختلف الدول، وبلده وضعت قيوداً بشأن الهاربين من فنزويلا والمكسيك بحثاً عن حياة أفضل بغلق حدود الولايات المتحدة، وبناء السور بينها وبين المكسيك.

نأمل أن يعمل الأمريكيون على هدف مشترك مع الشعوب الأخرى لأن بلدهم هي الدولة الأقوى في العالم.

المصدر: الشرق الاوسط

شاهد أيضاً

أميركا إذ تتنكّر لتاريخها كرمى لعينيّ نتنياهو

بقلم: راغب جابر- النهار العربيالشرق اليوم– فيما تحارب إسرائيل على أكثر من جبهة، تزداد يوماً …