الرئيسية / الرئيسية / صورة جانبية للفساد في العراق

صورة جانبية للفساد في العراق

بقلم: د. باهرة الشيخلي – العرب اللندنية

الشرق اليوم- أثارت رسالة وجهتها إلى رئيس الوزراء في العراق مصطفى الكاظمي، السيدة فكتوريا جرجيس، وكيل مدير عام في مصرف الرافدين – الإدارة العامة، ونشرتها على مواقع التواصل الاجتماعي، جدلا واسعا في العراق، لجرأتها ولرسمها الخارطة الخفية للفساد المالي في البلاد، وإرشادها إلى ما سمته “أموال عراقية ضائعة”.

مفاد الرسالة: يا رئيس الوزراء لماذا تكبل العراق بديون خارجية وداخلية وتستقطع رواتب الموظفين وأنت تستطيع أن تجنب البلاد ثقل هذه الديون بوضع اليد على أموال عراقية ضائعة تذهب إلى جيوب الفاسدين؟ 

على الرغم من أن هناك من يرى أن الأرقام، الواردة في رسالة جرجيس، غير صحيحة وغير دقيقة، وغير موثقة، ومنهم وزير النفط الأسبق الدكتور عصام الجلبي، ووزير مهم أسبق آخر وآخرون غيرهما، إلا أن ذلك لا ينتقص من المعلومات الواردة في الرسالة، ذلك أن مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2020، اعتمد أرقاما غير دقيقة وبعيدة عن الصحة، مما جعل أحد كبار الاقتصاديين العراقيين يصف المشروع بالماكر المصمم للسلب والنهب.

لكن الجلبي يقرّ أن هناك تلاعبا، ويقول إن العراق تحول، منذ سنة الاحتلال 2003، من مصدر للمشتقات النفطية إلى مستورد لها. ويقدر حجم المستورد، منذ ذلك التاريخ وإلى الآن، بحدود 50 مليار دولار وأكثر، عدا المستورد من الغاز والكهرباء، في إشارة إلى الفساد، الذي يلتهم ثروات العراق.

إن الفساد والإهمال والميليشيات والأحزاب الإسلامية، بحسب المستشار المالي سابقا والخبير في وزارة المالية ضياء الخيون، هي السبب، وكذلك عدم وجود مسؤولين مهنيين أدى إلى سرقة واردات المنافذ الحدودية، مع تأكيده أن بقية المفردات في الرسالة تحتاج إلى دقة في الأرقام، وهي لا يمكن توافرها للسبب الذي ذكرناه.

إن مزاد العملة، الذي تعتمده الحكومة في العراق، مثلا، كارثة الكوارث الكبرى، إذ لا توجد دولة في العالم تبيع عملتها الصعبة بالمزاد، فضلا عن أن الفساد منتشر كالوباء في أجهزة الحكومة، التي تديرها مافيات من أعلى الهرم إلى أسفله.

يجب توقع ما ورد، وما لم يرد، من معلومات مروعة، في رسالة السيدة جرجيس، عن النهب والسلب، الذي تمارسه هذه المافيات، التي أكملت ما نفذه الاحتلال الاستعماري من تقويض لأسس الدولة العراقية، فهيمنت على العراق متسترة بمسميات الدولة وشكلياتها من دون جوهرها.

في رسالة السيدة جرجيس تفاصيل مهمة وخطيرة عن الخارطة المالية العراقية، وطرق الحصول على الأموال العراقية الضائعة، نقتطف أمثلة منها لنقرب الصورة للقارئ.

تقول جرجيس، في مستهل رسالتها، مخاطبة الكاظمي “إذا كان الفاسدون المتغلغلون في مؤسسات الدولة يخفون عنكم إيرادات الدولة الحقيقية، فنحن كشعب آثرنا مساعدتكم وكنا لهم بالمرصاد، لكشف مواطن الفساد وهدر المال العام”.

وتطلب من رئيس الوزراء، إذا أراد الإصلاح، أن تعمل حكومته، أولا، على تصحيح مسار السياسات المالية للحكومات السابقة وتلاعب مسؤوليها بمقدرات الوطن وعائدات الدولة، بدءا من تصحيح العلاقة مع إقليم كردستان وسيطرة الأحزاب بطوائفها كافّة على موارد مداخيله المالية، لافتة إلى أن وزارة النفط العراقية تزوّد مصافي العراق بمليون برميل نفط يوميا، وهذا ما ذكره أكثر من مسؤول، ولاسيما النائب عدنان الزرفي، بوثائق، في إحدى مقابلاته التلفزيونية، إذ أن هذا النفط يُكرّر داخل المصافي، ويُحوّل البرميل الواحد منه إلى 100 لتر بنزين أو 100 لتر كاز أويل تزود به محطات الوقود فيصبح ما يأتي: المليون برميل نفط مضاعف بـ100 لتر بنزين أو كاز يكون الحاصل هو مئة مليون لتر بنزين أو كاز.

يباع اللتر الواحد من البنزين العادي جدا والكاز في الداخل العراقي بـ450 دينارا. إذن، فوارد الدولة من المشتقات النفطية (بنزين – كاز) فقط يوميا هو مئة مليون لتر بسعر 450 دينارا للتر الواحد، أي 45 مليار دينار يوميا. وإذا ضاعفنا هذا  الرقم بثلاثين يكون الحاصل تريليونا و350 مليار دينار من الواردات شهريا. أما واردات الدولة من المشتقات النفطية سنويا فهو 16 تريليونا ومئتا مليار دينار.

 فأين يذهب هذا المبلغ المهول المخفي، الذي يتجاهله جميع الوزراء، الذين تعاقبوا على وزارتي النفط والمالية وغالبية النواب والمسؤولين، وجميعهم لم يجرؤا على فتح هذا الموضوع بتاتا!

هذا المبلغ، كما يقول خبراء اقتصاديون، ومنهم جرجيس نفسها، كاف لتسديد رواتب جميع موظفي العراق من الدرجة الأولى إلى الدرجة العاشرة لمدة سنتين، فما مصيره؟

من الضروري الإشارة إلى أن هذا المبلغ لا يشمل عائدات الغاز وبنزين الطائرات والنفط الأبيض والنفط الأسود، والإيرادات غير النفطية، التي تغطي رواتب الموظفين لسنوات وتوفر الخدمات لجميع المدن والمحافظات وقطاعات الدولة!

ألحقت جرجيس بيانها بـ16 سؤالا، كل سؤال يرشد إلى إيرادات ضخمة أخرى، مثل إيرادات: الهيئة العامة للضرائب، وزارة الاتصالات وشبكات الهاتف النقال، هيئة الاتصالات وشبكات الإنترنت، المطارات والخطوط الجوية العراقية، أمانة بغداد، دوائر التسجيل العقاري، دوائر المرور العامة، وزارة الكهرباء، دوائر الماء والمجاري، وزارة الصحة، البلديات، وزارة الزراعة، وزارة الموارد المائية، إيجارات عقارات الدولة، إيرادات سفن وبواخر نقل النفط، وإيرادات المنافذ الحدودية ودوائر الجمارك.

متسائلة: لماذا يفتح في كردستان 24 منفذا حدوديا لم يدخل الدولة منها دينار واحد، في حين تغلق في الوسط والجنوب بداعي الخوف من انتقال وباء فايروس كورونا!

يلحق هذا كله هدر لأموال العراق في مزاد بيع العملة في البنك المركزي العراقي، إذ تقدر خسائر العراق السنوية منه بـ4 مليارات دولار، فضلا عن ضياع ملياري دولار سنويا في عمولات وزارة التجارة، والهدر الأكبر في موازنات الوقفين الشيعي والسني المهولة.

هذه الإيرادات، لو وصلت، بصفة صحيحة، إلى خزينة الدولة لكان النفط موردا ثانويا للشعب العراقي وليس موردا رئيسا.

أيها العراقيون: وثقوا هذا الاسم في  قلوبكم، فكتوريا جرجيس، فهذه السيدة الشجاعة لا تكشف فضائح قياصرة الفساد فقط، وإنما تضع بين يدي رئيس الوزراء خارطة طريق لاستعادة أموال العراق وتنظيم الجهاز المالي، ولعلها واحدة من الخطوات الإيجابية، التي يمكن أن تكشف إمبراطورية الفاسدين وأولياء أمورها لإعادة الاعتبار إلى البلد، الذي كان طوال تاريخه عظيما.

شاهد أيضاً

هل ستوقف إسرائيل عملية رفح إذا وافقت “حماس” على الصفقة؟

الشرق اليوم- أفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” بأن إسرائيل ربما توقف عملية اجتياح رفح جنوبي غزة، …